إيران تصعّد مع أوروبا: محاولة أخيرة لإنقاذ الاتفاق النووي

24 يونيو 2019
12 يوماً على انتهاء المهلة الإيرانية (فرانس برس)
+ الخط -
مرت 48 يوماً على مهلة الستين يوماً، التي منحتها إيران، في الثامن من مايو/أيار، لبقية شركاء الاتفاق النووي، وتحديداً الأوروبيين، لتنفيذ مطالبها في تسهيل بيع نفطها ومعاملاتها المالية. لكن الترويكا الأوروبية لم تبدِ أدنى تجاوب معها خلال هذه الفترة، بل وتحركت في اتجاه معاكس للتوقعات الإيرانية عبر اتباعها نهجاً تصعيدياً من خلال الإدلاء بتصريحات واتهامات "مزعجة" لطهران، سواء فيما يتعلق ببرنامجها الصاروخي ودورها الإقليمي أو ما يرتبط بالهجمات على ناقلات النفط في بحر عمان والخليج، إذ اصطفت بريطانيا بالكامل إلى جانب حليفها الأميركي، موجّهة اتهامات ثقيلة لإيران بالوقوف وراء هذه الهجمات.

ظلت أوروبا، خلال المدة التي مضت على المهلة الإيرانية، تكرر موقفها السياسي الداعم للاتفاق النووي، لكن كما تقول طهران، "من دون اتخاذ أي خطوة عملية جادة"، تحقق لها بعض المكاسب التي صفّرها الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. وفضلاً عن ذلك حاولت أوروبا من خلال إرسال وفود إلى طهران، إقناعها بالبقاء في الاتفاق ومواصلة تنفيذ تعهداتها بالكامل من جانب واحد، تحت ضغط التهديد بالاصطفاف الكامل مع واشنطن في حربها الاقتصادية والسياسية ضد إيران.

وفي هذا السياق، وبعد يوم من زيارته لطهران، في وقت سابق من الشهر، هدد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، خلال لقائه نظيره السويدي مارغو والستروم في استوكهولم، بأن خروج إيران من الاتفاق النووي "سيؤدي إلى عزلتها عن العالم، وعودة الأوضاع إلى ما قبل التوقيع على هذا الاتفاق (عام 2015) وعودة العقوبات".

وقال ماس إن هذا الوضع "لن يكون في مصلحة إيران"، داعياً إياها إلى الالتزام بتعهداتها في الاتفاق النووي، من جانب واحد.


قابلت إيران هذا الواقع بتصعيدٍ مع بدء العد العكسي لانتهاء مهلتها، لتعلن أنها "لن تقبل" أن تكون ملتزمة بالاتفاق النووي بمفردها من دون أن تقوم بقية الأطراف بـ"التزاماتها" وأنها "لن تمدد المهلة".

وفي السياق، بينما كانت تطالب الحكومة الإيرانية، خلال العام الذي مضى على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، الدول الأوروبية بترجمة إرادتها السياسية للحفاظ على الاتفاق، فقد أصبحت تؤكد اليوم أن "أوروبا لا تملك لا الإرادة ولا القدرة" في تنفيذ تعهداتها للحفاظ على الاتفاق النووي. هذا ما جاء اليوم الإثنين على لسان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ومساعده للشؤون السياسية عباس عراقجي، مساء أمس الأحد.

بعد الانسحاب الأميركي، وعدت الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، الشريكة في الاتفاق النووي، بأنها ستعوض عن الخسائر الناتجة عن ذلك من خلال تأسيس آليات مالية تواصل من خلالها التجارة مع إيران، لكن لم تر أي من هذه الآليات النور. وآخر آلية كشفت الترويكا عن تأسيسها خلال يناير/كانون الثاني الماضي، وهي "إينستكس"، لم تفعّل بعد، وتعتبرها طهران "كأن لم تكن". وبحسب مصادر أميركية، فقد تطاولها العقوبات التي تعتزم الإدارة الأميركية فرضها اليوم الإثنين على إيران.

في هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني، اليوم الإثنين، إن التأخير في تدشين "إينستكس" يظهر أن أوروبا "لا تملك الإرادة والقدرة" في تنفيذ تعهداتها تجاه الاتفاق النووي، معلناً أن ذلك يدفع بلاده إلى الانتقال للمرحلة الثانية من تقليص تعهداتها النووية، والتي تحين في السابع من الشهر المقبل بعد انتهاء مهلة الستين يوماً.


وأكد ظريف أن "على أوروبا أن تتحمل عواقب عدم تنفيذها لتعهداتها بموجب الاتفاق النووي"، مضيفاً في الوقت نفسه، أنه "إذا اقتنعت أوروبا أن تدفع الثمن في سبيل الحفاظ على أمنها ونفذت تعهداتها فحينئذ سنعود عن تقليص تعهداتنا النووية".

في موازاة ذلك، حاولت طهران أن تستخدم كل ما هو متوفر لها من أوراق ضغط على أوروبا، مثل التهديد بـ"عاصفة المخدرات والمهاجرين"، من خلال التأكيد مراراً أنها في ظل العقوبات الأميركية "لم تعد قادرة" على تحمل أعباء مكافحة تهريب المخدرات إلى أوروبا من أفغانستان وساحات أخرى، وكذلك مواصلة استضافة المهاجرين على أراضيها، خصوصاً المهاجرين الأفغان الذين يقدر عددهم بأكثر من مليوني شخص.

إيران تقول إنها تريد الحفاظ على الاتفاق النووي، "لكن ليس بمفردها وبشرط أن يلتزم جميع الشركاء بتعهداتهم". هذا ما صرّح به أخيراً الرئيس الإيراني حسن روحاني، وأوروبا تؤكد أيضاً أنها معنية بالحفاظ عليه، لكن ليس من خلال اتخاذها خطوات عملية، بل عبر استمرار إيران بجميع تعهداتها بمفردها. أقله هذا ما يحصل إلى اليوم، بينما يفصلنا أقل من أسبوعين عن انتهاء مهلة الستين يوماً في السابع من تموز/يوليو المقبل. لذلك يشكل هذا التاريخ يوماً مفصلياً في مصير الاتفاق النووي، ليبقيه على قيد الحياة بالأوكسجين، أو يصدر شهادة وفاته.


إيران لا ترى في إنهاء الاتفاق مصلحة لها، لأن ذلك يجعل "الإجماع الدولي" ضدها، والذي ينشده الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تحصيل حاصل، لذلك هي اليوم تحاول عبر رفع نبرة التحدي في مواجهة أوروبا، والتأكيد على أنها جادة في الانتقال إلى المرحلة الثانية من تقليص تعهداتها، أن تدفع الأوروبيين إلى دفع ثمن ما يقنعها بعدم الانتقال إلى هذه المرحلة التي إن نفذت فإنها تمثل انسحاباً إيرانياً من الاتفاق، وإن لم تعلن ذلك صراحة.

لكن بالنظر إلى أن انهيار الاتفاق النووي سيكون بمثابة صب الزيت على نار التوترات المشتعلة أساساً في المنطقة، ويرفع احتمالات الحرب فيها، قد تسعى أوروبا في الأيام واللحظات الأخيرة قبل انتهاء مهلة الـ 60 يوماً، إلى إطلاق "وعود جادة" أو "تقديم مبادرات" بغية منع إيران من إيقاف أهم تعهداتها النووية بعد السابع من الشهر المقبل، والتي تطاول رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتفعيل مفاعل آراك النووي.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، أمس الأحد، إنه "في حال إطلاق (الأوروبيين) وعوداً جديدة، فالقرار سيكون بيد النظام والمجلس الأعلى (الإيراني) للرقابة على تنفيذ الاتفاق النووي".


وردّاً على "الحرب الاقتصادية الأميركية"، و"مماطلات" الشركاء الخمسة المتبقين في الاتفاق، أي الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والصين وروسيا، في تنفيذ تعهداتها، أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في الثامن من مايو/أيارالماضي، عن قرارات "مرحلية"، علقت بموجبها تعهدات نووية على مرحلتين؛ بدأت المرحلة الأولى خلال الشهر الماضي، وشملت رفع القيود عن إنتاج اليورانيوم والمياه الثقيلة، على أن تبدأ المرحلة الثانية في حال لم يلبّ الشركاء المطالب الإيرانية في القطاعين النفطي والمصرفي خلال ستين يوماً، لتخفيف آثار العقوبات الأميركية. وتشمل المرحلة الثانية رفع مستوى تخصيب اليورانيوم وتفعيل مفاعل آراك النووي.

وكانت الهيئة الإيرانية للطاقة الذرية قد أعلنت الأسبوع الماضي، أن مخزون إيران من اليورانيوم منخفض التخصيب سيُرفع إلى أكثر من 300 كيلوغرام، اعتباراً من 27 يونيو/ حزيران الحالي، ليتجاوز بذلك السقف الذي حدده الاتفاق النووي.

وأوضح المتحدث باسم الهيئة بهروز كمالوندي أن "هناك سيناريوهات عدة بعد انتهاء المهلة حول رفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 3.67 في المائة"، وهي النسبة التي يجيزها الاتفاق النووي.

كما أكد أن سقف إنتاج المياه الثقيلة قد يرتفع إلى أكثر من 130 طناً خلال الشهرين المقبلين، مضيفاً أن بلاده قد تصدر بعد ذلك المياه الثقيلة من دون انتهاك الاتفاق النووي.