الجيش المصري يقتحم الساحة العمالية: تدريب أم عسكرة؟

22 اغسطس 2018
مصر مصنفة ضمن أسوأ الدول بالنسبة لحقوق العمال (Getty)
+ الخط -
قبل أيام، أعلنت الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري المصري، عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، التعاون بين وزارة الدفاع والاتحاد العام لنقابات عمال مصر، في عقْد عشر دورات تدريبية لتأهيل القيادات العمالية في مختلف المحافظات، في ما بدا كحلقة جديدة من مساعي النظام المصري الحاكم للسيطرة على الذراع العمالية، ممثلة في الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والنقابات العمالية التابعة له، لا سيما بعد ما شهدته الانتخابات الأخيرة في مايو/أيار الماضي من تلاعب وتزكية، بعد 12 عاماً من الفراغ النقابي.

وفي تفاصيل الإعلان، ذكرت صفحة المتحدث العسكري، أنه "في إطار حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على تنمية الوعي القومي للقيادات والفئات العمالية وتنمية روح العمل والعطاء من أجل مصر، تنظّم قيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري بالتعاون مع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، عشر دورات تدريبية كمنحة من القوات المسلحة لتأهيل أكثر من 6000 فرد من القيادات العمالية من مختلف محافظات الجمهورية". وتشمل الدورات محاضرات لعدد من الخبراء الاستراتيجيين في أكاديمية ناصر العسكرية وكلية القادة والأركان وعدد من ضباط قيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري وإدارة الشؤون المعنوية ومركز التنمية البشرية والعلوم السلوكية وعدد من أساتذة الجامعات المصرية، حسبما جاء في الإعلان.

وأضافت الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري، أن المحاضرات "تتناول بعض مواضيع الأمن القومي المصري، وأهمية المشاريع القومية الكبرى التي تنفذها الدولة المصرية، والدور الإيجابي والفعّال للعامل المصري في بناء الوطن، والبطولات والتضحيات التي يقدّمها أبطال القوات المسلحة والشرطة المدنية في العملية الشاملة سيناء 2018 للقضاء على الإرهاب بأرض سيناء الغالية، بالإضافة إلى الدور الذي تقوم به القوات المسلحة في خطط التنمية الشاملة للدولة". وانتهى الإعلان بأن "هذه الدورات تأتي ضمن الفعاليات والأنشطة التي تقوم بها قوات الدفاع الشعبي والعسكري بالتعاون مع جميع الفئات العمالية بهدف ترسيخ قيم ومبادئ حب الوطن، باعتبار أن العمل الجاد من أهم عوامل النهوض بالأمم".

هذه الندوات لا يمكن إبعادها عن مساعي النظام للسيطرة على الحركة العمالية، والتي كانت محطتها الأبرز انتخابات النقابات العمالية. وكانت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية ونقابات واتحادات عمالية، قد أصدرت بياناً مشتركاً تعليقاً على سير الانتخابات، وصفتها فيه بـ"شطب بالجملة" للمرشحين والنقابات المستقلة، وأكدت فيه تحكّم وزارة القوى العاملة في أسماء المرشحين، بقبول الأوراق والشطب للنقابيين غير المرغوب فيهم، سواء من النقابات المستقلة التي استطاعت توفيق أوضاعها، أو من نقابات تابعة للاتحاد العام. وقالت الأحزاب والمنظمات والنقابات: "لعل وجود أكثر من 1500 طعن في محافظة واحدة هي القاهرة دليل قاطع على نيّة" الشطب بالجملة.

وأما عن التزكية في الانتخابات، فقد برزت في نتيجة انتخابات النقابات العمالية للدورة النقابية 2018-2022 والتي جرت في مايو/أيار الماضي، إذ إن 68 في المائة من رؤساء النقابات العامة فازوا بالتزكية، و60 في المائة من مجالس النقابات العامة فازت بالتزكية، بينما كانت نسبة تمثيل المرأة في رئاسة النقابات العامة صفراً في المائة. وأبقت التزكية على الأوجه القديمة ورموز نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، على رأس النقابات العامة؛ فوفقاً للنتائج التي أعلنتها وزارة القوى العاملة المصرية، فازت بالتزكية 15 نقابة عامة، وجميع رؤسائها الفائزين هم الذين كانوا على رأسها منذ آخر انتخابات عمالية عام 2006.
ففي منتصف عام 2006، أجرى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر "الرسمي"، وكان مجلس إدارته حينها يضم 23 عضواً، منهم 21 عضواً بـ"الحزب الوطني" المنحل، التابع لمبارك، الانتخابات النقابية، التي طُعن عليها لاحقاً، ولكنها استمرت حتى انتهاء الدورة النقابية كاملة لعام 2011.


وفي تقرير لدار الخدمات النقابية والعمالية بعنوان "انتخابات النقابات العمالية... هيمنة الوجوه القديمة"، أشار إلى أنه "على الرغم مما قالته الحكومة المصرية أمام منظمة العمل الدولية بأن انتخابات النقابات العمالية أفرزت تنظيماً نقابياً جديداً بنسبة 85 في المائة، نجد أن تغييراً لم يحدث على مستوى مجالس إدارات النقابات، إذ احتفظ أغلب رؤسائها بمقاعدهم لدورة نقابية أخرى، وما تغير في باقي النقابات هو انتقال أمينها العام أو أمين صندوقها لمنصب الرئيس... ليظل الاتحاد العام لنقابات عمال مصر على شكله القديم اتحاداً بيروقراطياً غير ديمقراطي، خاضعاً تماماً للحكومة وتحكمه الإملاءات الأمنية والعلاقات والمصالح الشخصية ومطامع توريث المنصب والأهواء الفاسدة".

يُذكر أن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (منظمة مجتمع مدني مصرية) كانت قد رصدت 505 احتجاجات عمالية واجتماعية (165 احتجاجاً عمالياً، و340 احتجاجاً اجتماعياً)، خلال عام 2017، غالبيتها احتجاجات حقيقية على الأرض، بعيداً عن التلويح بالاعتصام أو الإضراب أو الإعلان عنه قبل حدوثه، أو حتى الشكاوى والمذكرات التي يتم اللجوء إليها قبل تصعيد الأمر للاحتجاج الفعلي عبر الاعتصام أو الإضراب أو الوقفات الاحتجاجية أو التجمهر. وأكدت الشبكة أن ما يزيد عن 25 قطاعاً عمالياً ومهنياً واجتماعياً، مارست الاحتجاج في عام 2017، كان نصيب الاحتجاجات العمالية منها 165 احتجاجاً، مقسمة على 10 قطاعات عمالية ومهنية ما بين قطاع الخدمات التعليمية والصحية، وقطاع الصناعات الغذائية أو الغزل والنسيج.

يشار إلى أن مصر مصنَّفة ضمن أسوأ 10 دول بالعالم في ما يتعلق بحقوق العمال، وفقاً لمؤشر الاتحاد الدولي للنقابات العمالية لعام 2018، بالإضافة إلى الجزائر والسعودية وتركيا وكازاخستان وبنغلادش وغواتيمالا وكولومبيا وكمبوديا وغواتيمالا. وتشترك الدول العشر الأسوأ في ممارسات عدة تجاه العمال، منها التمييز وقمع الاحتجاجات العمالية واعتقالات جماعية وإساءة للعمال المهاجرين وغياب الإجراءات القانونية المُلزِمة، بحسب المؤشر.