تواصل قوات الأمن العراقية في العاصمة بغداد عمليات التضييق على رقعة التظاهرات ومحاولة حصرها في ساحة التحرير ومحيطها، مع فرض إجراءات جديدة تتمثل بتفتيش المتظاهرين والسيارات المتوجهة إلى مركز التظاهرات، فوضع جهاز فض الشغب الأكثر قمعاً على خط التظاهرات العراقية يده أمس الأربعاء على مواقع جديدة للتظاهرات بعد مواجهات بسيطة وغير طويلة مع المتظاهرين، الذين اضطروا في النهاية إلى العودة إلى معقلهم الرئيسي: ساحة التحرير. يأتي ذلك بالتزامن مع إجراء الجيش العراقي عملية عسكرية واسعة النطاق في الصحراء الغربية المحاذية للحدود الأردنية والسورية، من دون مشاركة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، أو فصائل "الحشد الشعبي"، وذلك لملاحقة فلول وبقايا جيوب إرهابية تابعة لتنظيم "داعش"، وفقاً لبيان صدر عن وزارة الدفاع العراقية.
وفقاً لمسؤولين عراقيين صرّحوا لـ"العربي الجديد"، أحدهم في قيادة عمليات بغداد، سيطرت قوات الأمن في بغداد، بالتعاون مع عناصر من أتباع التيار الصدري، على ساحات الخلاني والوثبة وفتحت جسر السنك المغلق منذ ما يزيد عن 4 أشهر. كما تم فتح شوارع أبو نواس والرشيد بالكامل، ما يعني تراجع رقعة مساحة التظاهر في بغداد إلى نحو النصف، ولم يبقَ لدى المتظاهرين من مساحة سوى ساحة التحرير وجسر الجمهورية والمطعم التركي ونفق السعدون وحديقة الأمة ومداخل الباب الشرقي القريبة من سينما النصر.
وتخشى الأوساط الشعبية من هذه التحركات بعد ورود معلومات عن تحركات قريبة لفتح جسر الجمهورية، القريب والمؤدي إلى ساحة التحرير، حيث مركز ومقر المتظاهرين والمعتصمين في بغداد. في المقابل، تشهد مدن وسط وجنوب العراق، تظاهرات حاشدة واحتجاجات غاضبة، بعد فشل التيار الصدري في السيطرة عليها كما حصل في ساحة التحرير، وسط العاصمة، التي أدت إلى إضعاف التظاهرات وتراجعها بشكل ملحوظ.
ومن المقرر أن تشهد الساعات القليلة المقبلة تظاهرة دعت لها ناشطات تحت شعار "احنه ثورة مو عورة"، رداً على مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، الذي اعتبر تواجد السيدات في التظاهرات أمر محرم. التظاهرة التي ستنطلق من نفق السعدون باتجاه ساحة التحرير من المتوقع أن ينظمها متظاهرو الساحة ذاتها. وقالت الناشطة الزهراء فاضل أحمد، لـ"العربي الجديد"، إنهم "سيوصلون صوتهم بوضوح اليوم"، مضيفة أن "التظاهرات لن تكتمل إلا بوجود النساء ولن نستمع لأصوات لم تحرّم السرقة والقتل والأمية والجهل من قبل".
وأضاف الشمري أنه "على الرغم من توجيه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بحل وانسحاب أصحاب القبعات الزرقاء، إلا أن الصدريين سيطروا على الساحة والمطعم، بعنوان (متظاهرين)، وفرضوا سيطرتهم بالقوة والتهديد، مع غياب شبه تام للقوات الأمنية عن المشهد الأمني". واتهم الشمري "التيار الصدري، بالعمل مع الحكومة، على تقويض التظاهرات الشعبية في بغداد، لكنه فشل في الوسط والجنوب، ولهذا نرى زيادة حدتها في محافظات الجنوب أضعاف مما في بغداد".
وأضاف أن "التظاهرات في الجنوب ما زالت قوية ومؤثرة، لفشل التيار الصدري، في السيطرة على ساحات التظاهر والاعتصام هناك، خصوصاً أن معظم متظاهري بغداد فوّضوا ساحة الحبوبي في ذي قار، بأي قرار تتخذه، بعد سيطرة الصدريين على بغداد". وأكد خشان أن "استمرار التظاهرات في الجنوب، بهذه القوة، مع تقويض تظاهرات بغداد، له قوة وتأثير، ويجب الاستمرار عليها، من أجل عدم إعطاء القوى السياسية أي فرصة، لإبقاء الوضع على ما هو عليه حالياً، من دون أي تغيير حقيقي".
في المقابل اعتبر الخبير عبد الله الركابي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن خسارة المتظاهرين مناطق جديدة كانوا يسيطرون عليها، كانت جزءاً من التعاون بين القوى السياسية لتمرير حكومة قد لا تكون مختلفة عن حكومة عادل عبد المهدي. وأضاف أن الخوف من رد فعل قوي في بغداد على التشكيلة الحكومية أو التنصل من وعود إجراء انتخابات مبكرة، هو ما يدفع السلطة إلى تضييق مساحة المتظاهرين في بغداد فالتيار الصدري بات شريكاً في هذه الخطة.
واعتبر أن لا مشكلة للقوى السياسية إذا بقيت التظاهرات بحدة عالية في مدن الوسط والجنوب، كونها بعيدة عنها، ولا تأثير لها على الواقع السياسي، كتظاهرات العاصمة، إلا في حال عادوا لإشهار ورقة محاصرة حقول النفط كما فعلوا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأضاف أنه "ممكن جداً بعد إعلان تشكيل الحكومة الجديدة، تعاون الصدريين مع السلطة على فتح جسر الجمهورية وإفراغ ساحة التحرير من المتظاهرين والمعتصمين".