أسبوع على الانتخابات المحلية التركية: الاستقطاب في قمته

25 مارس 2019
دفع أردوغان بيلدريم كمرشح لبلدية إسطنبول (أونور كوبان/الأناضول)
+ الخط -
قبيل أسبوع من إجراء الانتخابات المحلية التركية، المقررة يوم الأحد المقبل، وصلت المنافسة بين الأطراف السياسية إلى مستوى غير مسبوق، ما جعل البلاد تنقسم إلى محورين: الأول يقوده حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم مع حلفائه والمحور الثاني يقوده حزب الشعب الجمهوري العلماني الكمالي، مع حلفائه، وسط توظيف كل طرف لنقاط ضعف خصمه السياسي، على أمل أن ينعكس ذلك يوم الاقتراع. وانعكس الاستقطاب الواسع على العملة التي تراجعت أمام العملات الأجنبية.

وتوصف الانتخابات التركية المحلية الحالية، والتي يتركز التنافس فيها على البلديات الكبرى، خصوصاً إسطنبول وأنقرة، بأنها الأهم على الإطلاق. صحيح أن من المتعارف عليه أن انتخابات الإدارة المحلية لا أبعاد سياسية كثيرة لها في تركيا، لكن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة التي أجريت في يونيو/حزيران من العام الماضي، أفرزت خارطة سياسية جديدة، مع ظهور الحزب الجيد المحافظ القومي، واكتسابه أصواتاً مكنته من دخول البرلمان، فيما خسر حزب العدالة والتنمية أصواتاً عدة. وتعول المعارضة على أن تظهر الانتخابات المحلية تراجعاً إضافياً في أصوات العدالة والتنمية، بما يضعف موقعه السياسي ويمكنها من الضغط باتجاه انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، بينما يدرك الحزب الحاكم أهمية فوزه، ما دفعه إلى تعديل استراتيجيته الانتخابية، بما في ذلك خوض الانتخابات من خلال "التحالف الجمهوري" والدفع بأهم الوجوه لديه لمحاولة حسم المعركة.

ويضم "التحالف الجمهوري" إضافة إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم، حزب الحركة القومية، وأحزابا صغيرة أخرى، مثل حزب الوحدة الكبرى. في المقابل يضم "تحالف الشعب"، الذي يشكل محور المعارضة، كلا من حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزب السعادة الإسلامي، وأحزابا أخرى. وعلى الرغم من أن الإعلان الرسمي عن التحالف لم يُظهر أن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي متواجد في التحالف المعارض، إلا أن مسؤولي الأحزاب أعلنوا، في التجمعات، دعم مرشحي الحزب. ويعود السبب وراء عدم إشهار انضمام الحزب إلى الرغبة في عدم التأثير على رأي الناخبين وإظهار وجود تناقضات بين الأحزاب المنضوية في التحالف.

وتوظف المعارضة التركية المشاكل الاقتصادية التي مرّت بها البلاد أخيراً لحشد أنصارها واجتذاب الناخبين، وطرح نفسها كبديل لحزب العدالة والتنمية في الحكم. وتركز على فكرة أن هذه المشاكل المتعددة أثرت على القدرة الشرائية للمواطن التركي، وارتفع حجم الاقتراض بالنسبة إلى الشركات. كما أدت إلى انخفاض قيمة العملة التركية، مقابل ارتفاع نسبة التضخم. وأدى ذلك، بحسب المعارضة إلى غلاء الأسعار. في المقابل، تقول الحكومة والحزب الحاكم إن ما مرّت به البلاد نتيجة للمؤامرات التي تحاول النيل من مكانة تركيا، والتأثير على القرارات التركية في مختلف الملفات، بعد أن وصلت تركيا إلى مصاف الدول المتقدمة في مختلف المجالات، ولديها نفوذ كبير إقليمياً ودولياً. ولذلك ركز محور "التحالف الجمهوري"، في خطابه الانتخابي، على طرح مشاريع كثيرة ضمن رؤية يقول إنها تستهدف نقل البلاد للعالمية، مع تركيز على أهمية الحفاظ على الدولة لأن هناك مخططات غربية تستهدف النيل من مكانة تركيا.



وتعول كل الأطراف المتنافسة على البلديات الكبرى من أجل كسبها ورفع رصيدها، منها بلديتا إسطنبول وأنقرة، وبدرجة أقل إزمير وبورصة. وقدم التحالفان في هذه البلديات الكبرى مرشحاً واحداً. على سبيل المثال في إسطنبول يوجد مرشح لحزب العدالة والتنمية مدعوم من قبل بقية الحلفاء في "التحالف الجمهوري"، فيما رشح حزب الشعب الجمهوري مرشحه في البلدية مدعوماً من بقية الأحزاب في "تحالف الشعب"، وهو ما سيؤدي إلى جعل الانتخابات أقرب إلى استفتاء بين محورين لا تظهر فيه قوة كل حزب سياسي بشكل واضح. فخلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة كان هناك قانون ينظم التحالفات بين الأحزاب، لذا كانت تحسب أصوات كل حزب بوضوح ضمن التحالف. لكن في الانتخابات المحلية لا يوجد قانون ناظم للتحالفات، لذلك لن تحسب سوى أصوات المرشح بغض النظر عن انتمائه الحزبي.

ولجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التحالفات على هذا النحو في هذه الانتخابات، بعدما كان يرفضه، وذلك عقب استشعاره خطورة الانتخابات الحالية مفضلاً عدم المخاطرة، خصوصاً أن سير الانتخابات لصالح "العدالة والتنمية" سيساهم في ضمان استقرار سياسي يمتد إلى أربع سنوات ونصف السنة (موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة) ما يساعده في تنفيذ مشاريعه. وتؤدي التحالفات في الانتخابات المحلية إلى تبعثر النسب التي تحصل عليها الأحزاب ضمن التحالفات المنخرطة فيها، إذ إن فوز "التحالف الجمهوري" في إسطنبول مثلاً لن يعكس أصوات حزب العدالة والتنمية بشكل واضح، لأن أصوات الحلفاء ستصب في صالحه. ويبدو أن المعارضة انجرّت لهذه اللعبة. ويحرص الحزب الحاكم على عدم خسارة بلديتي إسطنبول وأنقرة، إدراكاً منه لحجم ارتداداتها عليه، بما في ذلك احتمال إمكانية لجوء رفاق أردوغان السابقين في الحزب إلى تأسيس أحزاب جديدة، وعلى رأسهم الرئيس السابق عبد الله غل، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، فضلاً عن نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان. وإزاء هذه المخاطر، فإن أردوغان دفع بيده اليمنى في السنوات السابقة، رئيس البرلمان بن علي يلدريم كمرشح لبلدية إسطنبول التي يعول عليها بشكل كبير، نظراً لرصيد إنجازاته في البلاد، خصوصاً على صعيد المواصلات، ما رفع من احتمال فوزه في إسطنبول، وهو ما تشير له استطلاعات الرأي. من جهتها، دفعت المعارضة بالمرشح الشاب أكرم غمام أوغلو وأنزلته للميادين في محاولة لتعرف الشعب إليه. أما مصير أنقرة فلا يزال غير محسوم، بناء على استطلاعات الرأي التي أجريت حتى الآن، ويبدو أن حسمها سيكون في ساعات يوم الانتخاب الأخيرة. وأما في إزمير فمن الواضح أن المعارضة مرتاحة أكثر، رغم دفع حزب العدالة والتنمية بمرشح قوي، هو وزير الاقتصاد السابق نهاد زيبكجي.