ذكرى "6 إبريل" المصرية: السيسي يكرر تجربة مبارك

06 ابريل 2019
سيدفع المصريون فاتورة غالية لزيادة الأجور (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


جاءت القرارات الرئاسية المصرية بزيادة أجور العاملين في جهاز الدولة، التي اتخذها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل أيام قليلة من استفتاء تعديل الدستور بغرض تمديد ولايته الرئاسية، ويُتوقع أن تليها قرارات صعبة مرتقبة برفع أسعار الوقود والكهرباء والغاز والمياه في نهاية يونيو/ حزيران المقبل، قبل الذكرى الحادية عشرة لتأسيس "حركة شباب السادس من إبريل"، مع سيناريو يبدو متطابقاً إلى حد كبير مع ما حدث إبان تأسيس الحركة المعارضة، حين قرر الرئيس المخلوع حسني مبارك زيادة العلاوة الدورية للعاملين في الدولة بنسبة غير مسبوقة بلغت 30 في المائة، بهدف إجهاض دعوات الحركة للإضراب العام في 4 مايو/ أيار 2008. وبعد فشل الإضراب بيومين فقط، فرض مبارك زيادة كبيرة على أسعار الوقود وصلت إلى 57 في المائة.

"السيسي يسير على خطى مبارك، ولم يتعلم شيئاً من درس ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011"، هذا ما يقوله أحد شبان الحركة، التي تعاني كغيرها من جبهات المعارضة السلمية، من موجة قمع أمني، محذراً من تداعيات نجاح مخطط السيسي بتمرير تعديلات الدستور، تحت غطاء الزيادة المحدودة التي أقرها على رواتب ومعاشات العاملين في الدولة، والتي سيدفع المصريون فاتورة غالية من أجلها، بزيادة أسعار كافة السلع والخدمات. ويضيف عضو الحركة، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها لا تزال جزءاً من المعارضة المصرية، التي تتمسك بالعودة إلى المسار الديمقراطي، ولكن سجن العديد من كوادرها جعلها تتراجع بصورة مرحلية عن الشارع "لأن النظام لا يعرف للمعارضة السلمية سبيلاً، ويضعها جنباً إلى جنب مع الجماعات المسلحة والإرهابية، وهو ما يظهر بوضوح في محاكمات المعارضين المحسوبين على التيار المدني"، على حد تعبيره.

ويتابع عضو "حركة السادس من إبريل"، الذي تحفّظ عن ذكر اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية، أن السلطة الحاكمة لن تسمح لأي من التيارات المعارضة للتعديلات الدستورية بتنظيم فعاليات على الأرض لتوعية المواطنين بمخاطرها، خصوصاً أن التهم "الملفقة" جاهزة لدى نيابة أمن الدولة، التي باتت ذراعاً تنفيذياً لجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، مستدركاً بأن "التغيير آتٍ لا محالة، وانتفاضة المصريين ضد السيسي ليست سوى مسألة وقت". وينبّه عضو الحركة إلى أن السيسي يُكرر سيناريو مبارك في العام 2008 بحذافيره، مستنداً إلى عصاه الأمنية الغليظة في وجه منتقديه، لافتاً إلى أنه من المتوقع اشتعال أسعار السلع الأساسية فور إقرار زيادة أسعار الوقود الجديدة، والتي تعد الرابعة منذ توقيع الحكومة اتفاقاً مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، للحصول على قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار.

وتحوّل مشهد دوس العمال على صورة كبيرة لمبارك بأحذيتهم في عام 2008 إلى إحدى أيقونات الانتفاضة الشعبية، ما شجع حركة "شباب 6 إبريل" لإطلاق دعوة إلكترونية للعصيان المدني احتجاجاً على انتشار الفساد وموجة الغلاء، والتي لاقت حينها استجابة كبيرة بين قطاعات واسعة من الشباب، لتساهم مع حركات معارضة أخرى في خلخلة نظام سياسي كان يوصف بـ"القوي" على غرار النظام الحالي، حتى إسقاطه مع اندلاع شرارة ثورة 2011. وبلغت كلفة العلاوة التي أقرها مبارك لاحتواء غضب المواطنين في عيد العمال، مطلع مايو/ أيار 2008، نحو خمسة مليارات جنيه (كان الدولار يساوي 5.30 جنيهات آنذاك)، ليستفيد منها 5.7 ملايين موظف بالجهاز الحكومي وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال، غير أن مجلس الشعب وقتها تبعها بإقرار زيادات حادة على أسعار الوقود والسجائر ورسوم تراخيص السيارات، اقترحها "الحزب الوطني" الحاكم وقتها، لتبتلع العلاوة وأكثر. وقال عضو البرلمان حينها، حمدين صباحي، إن "زيادات أسعار الوقود ستشعل نار الأسعار في الشارع، وستطاول أسعار جميع السلع، ليدفع المواطن المصري الفقير فاتورة مضاعفة لعلاوة الرئيس مبارك"، مضيفاً أن "العلاوة أعطتها الحكومة بالشمال، وستأخذها أضعافاً باليمين. هذه الحكومة تضع الكبريت إلى جوار البنزين، وتهيئ مصر لانفجار اجتماعي من جراء الفقر والإحباط".

وتعود تسمية "حركة شباب 6 إبريل" إلى إضراب عمال شركة غزل المحلة التابعة لقطاع الأعمال العام، في 6 إبريل/ نيسان 2008، احتجاجاً على تدهور الأوضاع المعيشية إبان عهد مبارك. وأدت الحركة دوراً بارزاً في المشهد السياسي خلال السنوات التالية، بعدما مثّلت أحد الأطراف الفاعلة في دعوات الثورة المصرية. وعارضت الحركة منذ نشأتها مختلف الأنظمة السياسية الحاكمة، بدءاً من نظام مبارك، مروراً بالفترة الانتقالية التي تولى فيها المجلس العسكري مقاليد الحكم، وفترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، وصولاً إلى الانقلاب العسكري عليه في 3 يوليو/ تموز 2013، وما تلاه من إجراءات قمعية، تُوجت بتولي السيسي مقاليد حكم البلاد. وشهدت الحركة انشقاقاً، عندما أعلن مؤسسها أحمد ماهر، وعدد كبير من أعضاء الحركة، دعمهم لمرسي في جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة في العام 2012، في مقابل رفض قطاع من الحركة انتخاب الرئيس المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، ليُشكل المعترضون ما عُرف بـ"الجبهة الديمقراطية". إلا أن الأخيرة طاولتها حملات التشويه، واتهامات العمالة، وتلقي التمويلات من منظمات أجنبية، شأنها في ذلك شأن "جبهة أحمد ماهر". وعقب الانقلاب العسكري، أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، في إبريل/ نيسان 2014، حكماً بحظر أنشطة الحركة، والتحفّظ على مقارها وممتلكاتها، وأي هيئة أو منظمة تنتمي إليها أو تنبثق منها أو منشأة بأموالها، تحت مزاعم أن الحركة "تعمل لمصلحة جهات أجنبية ضد مصلحة الوطن، بغرض تهديد الأمن العام والسلم الاجتماعي، وتهديد المواطن في حياته الخاصة والعامة".

ومع توسع السيسي في إجراءاته الأمنية، استبدلت الحركة فعالياتها في الشارع ببعض "المناوشات" على منصات التواصل الاجتماعي، عقب سجن الكثير من أعضائها، لعل أبرزهم المنسق العام للحركة عمرو علي، الذي قُبض عليه في 22 سبتمبر/ أيلول 2015، وأعضاء المكتب السياسي للحركة: شريف الروبي، ومحمود هشام، وأيمن عبد المجيد، ومحمد نبيل، لاتهامهم بالتظاهر من دون تصريح. وفي مطلع يناير/ كانون الثاني 2017، أفرجت السلطات المصرية عن مؤسس الحركة أحمد ماهر، بعد قضائه ثلاث سنوات داخل السجن، بدعوى مخالفته وآخرين لقانون التظاهر في أحداث "مجلس الشورى"، إلا أنه مطالَب بأداء عقوبة مراقبة تكميلية لثلاث سنوات أخرى، يسلّم خلالها نفسه يومياً إلى مركز الشرطة التابع له، منذ السادسة مساءً، وحتى السادسة صباحاً، بحجة "ضمان عدم عودته إلى الأفعال التي عوقب بسببها".

المساهمون