اتفاقية الغاز: هل يسقط الأردن في قبضة إسرائيل؟

14 ديسمبر 2019
يرفض الشارع الأردني الاتفاقية (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -

مع اقتراب موعد ضخ الغاز الإسرائيلي إلى الأردن مطلع العام المقبل، ترتفع وتيرة المطالبة الشعبية بالانفكاك من اتفاقية الغاز مع الاحتلال، إلا أن الحكومة الأردنية لم تتخذ أي إجراء لإلغاء الاتفاقية، ما يعني أن الأردن سيقع في قبضة إسرائيل بسبب الشروط الجزائية العالية والمجحفة، ما لم يكن هناك قرار وتحرك حاسم بخلاف ذلك. في شهر مارس/ آذار الماضي رفض مجلس النواب الأردني بالإجماع، اتفاقية استيراد الغاز من إسرائيل البالغة قيمتها 10 مليارات دولار أميركي، لتوريد 1.6 تريليون قدم مكعبة لمدة 15 سنة، عبر أنابيب من حقل "ليفياثان" في البحر الأبيض المتوسط إلى شمال الأردن. لكن الحكومة اعتبرت أن قرار المجلس غير ملزم، معتمدة على قرار من المحكمة الدستورية. في غضون ذلك، لم تُثمر نشاطات الفعاليات الشعبية وجهود الحملة الوطنية لإسقاط الاتفاقية مع العدو، على الرغم من الطعون القضائية في المحاكم الأردنية، والقضايا المرفوعة على الحكومة، كذلك لم تجد عشرات الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية آذاناً صاغية من الحكومة، ولم تحرك الموقف الرسمي تجاه اتفاقية الغاز مع العدو.

في السياق، يقول النائب نبيل غيشان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن اتفاقية الغاز مجحفة ومضرة بالأردن، وجميع أعضاء مجلس النواب ضدها، لكنه يبدي اعتقاده بأن "مجلس النواب لن يذهب بالاتجاه الوحيد الممكن لإيقاف الاتفاقية عبر حجب الثقة عن الحكومة"، مشيراً إلى أن هذا الإجراء صعب، ولا يُتوقع له النجاح. ويوضح غيشان أن "الحكومة التي وقّعت اتفاقية الغاز وقعت في خطأ استراتيجي كبير، فقد كبّلت الأردن بمجموعة من الشروط المجحفة"، مشيراً إلى أن "العاهل الأردني عبد الله الثاني وعد في لقاء مع نواب من الحركة الإسلامية بدراسة الاتفاقية، لكن للأسف الاتفاقية تضع شروطاً تعجيزية للانفكاك منها، وأنه لولا هذه الشروط وفي ظل التوتر الحاصل في العلاقات مع الضغط النيابي والشعبي لكان اليوم قد تم إلغاء هذه الاتفاقية، لكن حاليا الانفكاك من هذه الاتفاقية يحتاج لدفع غرامات بالمليارات".



ويلفت غيشان إلى أن الخيارات محدودة لوقف الاتفاقية، ومنها الذهاب إلى الشارع عبر الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية للتأثير على الحكومة صاحبة القرار، لكن نتائج مثل هذا التحرك ليست مضمونة. أما الطريق الآخر فهو الضغط النيابي، لافتاً إلى أن مجلس النواب أصدر قرارين حول رفض الاتفاقية، لكن الحكومة لم تتخذ أي إجراء في هذا الإطار. ويشدد على أن هذه الاتفاقية تحمل بين طياتها أضراراً كثيرة لمصالح الأردن، والتي تعتمد في الأصل على غاز مسروق من أراضٍ عربية، مضيفاً أنه تم التعاقد على شراء كميات كبيرة من الغاز "استهلكناها أم لم نستهلكها" فنحن مضطرون لدفع ثمنها، في وقت يمتلك فيه الأردن فائضاً من إنتاج الكهرباء من مختلف مصادر الطاقة، كالطاقة الشمسية والرياح والغاز، كما سيبدأ في منتصف العام المقبل إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي، ما سيزيد من الفائض، وسيولد ذلك مشاكل اقتصادية.

ويرى غيشان أن العلاقة مع إسرائيل علاقة سياسية متوترة نتيجة للقرارات الإسرائيلية المتعلقة بعملية السلام، فهي تتنصل من كافة الاتفاقيات مع الفلسطينيين والأردنيين، إضافة إلى موضوع القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات واللاجئين والأونروا والجولان السوري، وغور الأردن وموضوع المستوطنات. ويوضح أن إسرائيل تتجاوز على هذه القضايا بشكل يومي، فالعلاقة المتوترة معها هي نتاج مواقفها المستفزة، مستبعداً ربط العلاقات باتفاقية الغاز.

من جهته، يقول عضو لجنة الطاقة النيابية النائب مصطفى ياغي، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس عبّر عن الرفض المطلق للاتفاقية منذ حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله النسور، مشيراً إلى أن المجلس أعلن موقفه بكل صراحة ووضوح، وهو أن الشعب الأردني يرفض هذه الاتفاقية جملة وتفصيلاً، ولا يريد التطبيع مع العدو بأي شكل من الأشكال، وأن هذا الغاز مسروق من الشعب الفلسطيني. ويلفت إلى أنه بعد الرفض النيابي في مارس الماضي قامت الحكومة بإرسال الاتفاقية إلى المحكمة الدستورية، والتي جاء قرارها مخيباً للآمال عندما اعتبرت أن هذه الاتفاقية بين شركتين، ولا تشترط موافقة المجلس عليها، ما دعا مجموعة من النواب إلى تبنّي مذكرة اقتراح بقانون "يحظر استيراد الغاز من إسرائيل" وهو ما يمثل ضمير الشارع الأردني الرافض للتطبيع. ويضيف: "لا أعتقد أن الحكومة ستتخذ خطوة جادة في إطار إلغاء هذه الاتفاقية"، مؤكداً أن الرفض الشعبي ليس مرتبطاً بهذه الاتفاقية فقط بل بأي محاولة للتطبيع مع إسرائيل. ويشير إلى تضامن الأردنيين مع القضية الفلسطينية العادلة، فعلى الرغم من مرور 25 عاماً على توقيع اتفاقية السلام، هناك رفض شعبي للتعاون مع إسرائيل، والعلاقة فقط مع الحكومات.

أما منسق الحملة الوطنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع إسرائيل (غاز العدو احتلال)، هشام البستاني، فيرى أن "هناك اتجاهين لمواجهة الاتفاقية مع قرب دخولها حيز التنفيذ بداية الشهر المقبل، أولهما الضغط على مجلس النواب بكافة الإمكانات المتاحة، ومن كل الاتجاهات من أجل إيقاف تنفيذ مثل هذه الاتفاقية، ومنها المذكرة النيابية لمنع استيراد الغاز من إسرائيل، والتي لم يتضح كيف سيتعامل المجلس معها، وهل سيتم السير بالخطوات الدستورية بشكل عاجل وسريع للانفكاك من الاتفاقية". ويتابع "هناك أيضاً مذكرة لطرح الموضوع للنقاش العام في مجلس النواب، لتنفيذ قرار المجلس السابق المتعلق بإبطال اتفاقية الغاز الذي اتخذ في مارس الماضي، على الرغم من أن هذا القرار بالنسبة للحكومة غير ملزم"، مشيراً إلى وجود وعود بطرح الثقة بالحكومة في حال عدم الاستجابة وإبطال الاتفاقية. ويأمل البستاني بأن "ينجح المجلس باستخدام صلاحياته التشريعيّة بشكل عاجل جداً لإلغاء اتفاقية استيراد الغاز من العدو قبل بدء ضخه".

ويوضح أن الاتجاه الثاني هو التصعيد الشعبي عبر الوقفات الاحتجاجية، كما ستتم الدعوة إلى مؤتمر موسع لمختلف القوى الشعبية، كالنقابات والأحزاب والحركات، من أجل تنظيم تحرك جماعي لمواجهة الاتفاقية قبل بدء ضخ الغاز. ويقول البستاني إن الاتفاقية تصب في مصلحة دولة الاحتلال وليس في الصالح العام الأردني، وهي كارثة كبرى تضع أمن ومستقبل الأردن في يد إسرائيل، التي اتخذت خلال الفترة الماضية العديد من القرارات العدائية تجاه الأردن، كاعتقال مواطنين والقرارات المتعلقة بالوصاية على القدس والمستوطنات وغور الأردن. ويشدّد على أن "السير قدماً في هذه الاتفاقية يعني أن الأردن يكافئ العدو بـ10 مليارات دولار فضلاً عن وضع سلاح استراتيجي وخطير في يد دولة معادية".

المساهمون