بسرعة قفزت أخبار الاضطرابات في إيران إلى الواجهة في واشنطن، رغم شح المعلومات عنها وضبابيتها حتى الآن، إذ كسرت إجازة آخر السنة وفرضت نفسها على المشهدين الإعلامي والسياسي، من جهة أولى لأنها كانت مفاجئة، ومن جهة ثانية لأنها أعادت التذكير بانتفاضة 2009.
وجاءت احتجاجات إيران لتجدّد الآمال والرغبات في واشنطن باحتمالات التغيير في طهران، أو على الأقل احتمالات تليين سياساتها، لكن من دون الذهاب إلى حدّ المراهنة على ذلك، لأن السوابق لا تسمح بالرهان. من هنا كانت الردود الأولية أقرب إلى مزيج من الترحيب والترقب، مع الحذر من التسرع في احتضان حركة الاحتجاج.
وإذا كان الارتياح، ولو المتحفظ، السمة المشتركة بين هذه الردود، إلاّ أن مقارباتها للتعامل مع هذا التطور مختلفة.
الرئيس دونالد ترامب بدا مستعجلاَ في ركوب الموجة، إذ سارع في تغريداته إلى مخاطبة الحركة بلغة التشجيع والتحريض المبطّن، لكن من غير وعد أو تلويح بالدعم. وحسناً فعل، وفق فيليب غوردن، المساعد السابق للرئيس باراك أوباما، والباحث حالياً في "مجلس العلاقات الخارجية"، والذي ناشد الرئيس ترامب النأي عن التغريد في هذا الشأن، لأن صدقيته الإيرانية معطوبة، لأنه "منع الإيرانيين من السفر إلى أميركا، ويهدد بنسف الاتفاق النووي"، علاوة على ذلك، فإن ما يجري الآن "محدود وغير مؤكدة وقائعه. قد يؤدي إلى تراكمات، لكن من السابق لأوانه إدراجه في خانة الثورة"، كما قال. وتتقاطع عند هذه الخلاصة معظم القراءات الأولية، ما عدا بعض الصقور.
السناتور الجمهوري لاندسي غراهام حثّ ترامب على التصرف "بخلاف سياسة أوباما الإيرانية الفاشلة" والتشدد مع طهران، بدل التعاطي مع الموضوع بالتويتر: "على ترامب شرح الوضع للأميركيين وللكونغرس والأوروبيين أيضاً، ووضعهم أمام خيارين: إما العمل على إنجاز اتفاق نووي أفضل، وإما الانسحاب منه والوقوف مع الشعب الإيراني"، من دون توسع في شرح كيفية الوقوف، لكنه اغتنم المناسبة لتجديد حملته على الاتفاق النووي، وهو معروف عنه أنه يعكس الموقف الإسرائيلي الرافض لهذا الاتفاق.
والسناتور غراهام ليس لوحده، بحيث يشاركه سرب كبير في موقفه الذي يتوقع أن تتوسع دائرته إذا ما احتدم الصراع في إيران، ومن بينهم رئيس الأركان السابق، الأدميرال مايك مولن، الذي رأى أن على واشنطن أن "تعمل هذه المرة على دعم الحركة بأكثر مما فعلت خلال أحداث 2009. آمل أن نفعل ذلك، لأنه الموقف الصحيح المطلوب اعتماده"، خاصة وأنه لا يستبعد أن "تتطور الأمور وتؤدي إلى ردود عنيفة"، وأن تتمدد رقعة المواجهة.
ويتحفّظ المراقبون بشأن هذا الاحتمال حتى الآن، على اعتبار أن الحركة احتجاجية معيشية ولا قيادة سياسية لها، وإن كان من المحتمل، بل المرجح، أن تتحول إلى سياسية، خاصة وأن التظاهرات رفعت فيها شعارات ضد القيادة الإيرانية.
يذكر في هذا السياق أن وزير الدفاع الحالي، جيمس ماتيس، كان سبق له أن وضع إيران في خانة الطرف الذي يمثل "التهديد الأول" في المنطقة، ولو أنه دعا إلى الحفاظ على الاتفاق النووي "طالما بقيت إيران ملتزمة بتنفيذ بنوده". فالجهات العسكرية الأميركية لا تفوّت فرصة من دون التذكير بالدور الذي لعبته إيران في العراق لاستنزاف القوات الأميركية، ومثل هذا الخطاب يصبّ المياه في طاحونة ترامب لتصعيد خطابه إذا تفاقم الاشتباك الإيراني الداخلي.
ليس لإيران في واشنطن غير الخصومة، ولو على درجات، تتراوح المقاربة لها بين التفهّم وضرورة التعاطي معها كـ"أمر واقع"، مطلوب تطويقه كما كانت الحال في زمن الرئيس أوباما؛ وبين التشدد الداعي إلى وجوب مواجهتها، وليس عقد الاتفاقات معها، كما يدعو إليه فريق الصقور، لكن من غير نسخ التجربة العراقية، ثم هناك الأوساط التي تراهن على مخاض إيراني داخلي يطيح بالوضع القائم.
ترامب لا ينتسب إلى أي من الثلاثة، بقدر ما ينتقي منها ما يناسب اللحظة وظروفها. وحتى الآن يسود خطاب الانتظار في واشنطن، يفرضه استحضار 2009، مع الاعتقاد بأن 2017 مختلفة بتراكماتها.