لا يزال التوتر والترقب سيدَي الموقف في محيط العاصمة الليبية طرابلس، وسط تبادل للقصف المدفعي والصاروخي والاتهامات المتبادلة بين طرفي النزاع حول خرق قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، يأتي ذلك في وقت كشفت مصادر ليبية رفيعة لـ"العربي الجديد"، عن عزم فرنسا على استئناف جهودها للوساطة في ليبيا بين الأطراف المتنازعة، وذلك في محاولة لقطع الطريق على تركيا.
ولم يتوقف القصف الصاروخي على مطار امعيتيقة ومحيطه المكتظ بالسكان حتى صباح اليوم الإثنين من قبل قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ما أسفر عن سقوط مدنيين اثنين وإصابة سبعة آخرين في حي عرادة القريب من المطار.
وبحسب وزارة الصحة بحكومة الوفاق، فإن المصابين السبعة أوضاعهم متفاوتة الخطورة، وبينهم من يعاني جراحاً خطيرة، في وقت نشرت عملية "بركان الغضب"، على صفحتها الرسمية، صوراً تظهر جانباً من الأضرار التي لحقت بمنازل المدنيين في منطقتي عرادة وشرفة الملاحة المحاذيتين للمطار.
Facebook Post |
في المقابل، قال المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب"، عبد المالك المدني، إن "مدفعيتنا تستهدف مخازن الذخيرة وتستهدف تدمير المدافع المتنقلة التي تقصف بها مليشيات المجرم حفتر الأحياء المدينة"، مشيراً إلى أن "مخزناً للذخيرة بمنطقة سوق الأحد تم تدميره بالكامل مساء أمس الأحد".
وأكد المدني في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "لم تحدث اشتباكات مباشرة على الأرض مع قوات حفتر"، لكنه أكد أيضا: "ستواصل مدفعيتنا ضرباتها وتدميرها لمخازن الذخيرة التابعة للمليشيات ولمصادر النيران التي تستهدف الأحياء السكنية بالعاصمة يومياً".
من جانبها، لا تزال القيادة العامة لقوات حفتر تتهم قوات الحكومة بخرق الهدنة، بل وأكثر من ذلك حذر المتحدث الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، في تدوينة على حسابه في "فيسبوك" ليل أمس الأحد، من وجود تحضيرات لقوات حكومة الوفاق لتنفيذ هجوم واسع بمختلف المحاور، مشيراً إلى احتمال شن قوات حفتر ضربات استباقية لعرقلة قوات الحكومة من القيام بأي عمل ضده.
سياسياً، كشفت مصادر حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، النقاب عن زيارة سيقوم بها حفتر لباريس خلال الساعات المقبلة، تلبية لدعوة فرنسية في إطار عزم فرنسا على استئناف انخراطها في الشأن الليبي كوسيط بين طرفي النزاع.
واتفقت معلومات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، على أن زيارة حفتر ستعقبها زيارة لوزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، حيث تحاول فرنسا ملء الفراغ الذي تركه المبعوث الأممي، غسان سلامة، المعروف بقربه من دوائر القرار السياسي في فرنسا.
قطع الطريق على تركيا
وفيما لم يتضح شكل المسعى الفرنسي وكيف ستكون مبادرة باريس المرتقبة، وما إذا كانت في إطار ما أنتجته قمة برلين المنعقدة يوم الـ19 من يناير/ كانون الثاني الماضي، يرجح الباحث السياسي الليبي مروان ذويب، أن العودة الفرنسية "تهدف إلى عدم ترك الساحة الليبية شاغرة أمام الحراك التركي، الذي بدأ في إحداث مقاربة مع روسيا لحلحلة الإشكالات معها سواء في سورية أو ليبيا".
وكانت فرنسا قد دعت لمبادرة لحل الأزمة الليبية شارك فيها أربعة من قادة ليبيا هم (فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب بالإضافة لخليفة حفتر)، دون أن تسفر مبادرتها القائمة عن إنهاء النزاع والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية قبل ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته.
لكن ذويب يعتقد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الأوضاع تغيرت بشكل كبير، وأصبح الملف الليبي بيد دول كبيرة، وحتى محاولة حل الخلافات في برلين لم تفلح، ما يعني أن مساعيها ستكون وفقاً للمتغيرات"، مشيراً إلى أن الوجود التركي في ليبيا "السبب الرئيس للتحرك الفرنسي".
وكان باشاغا قد أشار إلى عزمه على زيارة باريس لـ"لقاء مسؤولين من أعلى المستويات وتوقيع بعض الاتفاقيات والعقود"، خلال مقابلة مع إذاعة موزاييك التونسية الأربعاء الماضي.
وقال إن "فرنسا كانت تدعم حفتر سياسياً وعسكرياً، وهو ما لا يمكن قبوله، لكن حدث تغير في الموقف الفرنسي أخيراً، فرغم أنها لا تزال تدعمه سياسياً إلا أنها توقفت عن دعمه عسكرياً، ما يسمح باستعادة الحوار معها على قاعدة المصالح المشتركة".
ويبدو التعاطي الدولي مع مستجدات الملف الليبي لا سيما بعد إعلان المبعوث الأممي غسان سلامة، استقالته من منصبه، قد تراجع بشكل كبير، في انتظار ما ستسفر عنه الجهود الأممية لتعيين شاغل جديد لمنصب سلامة، خصوصاً وأن مصادر ليبية تحدثت عن إمكانية أن تحلّ الدبلوماسية الأميركية ستيفاني وليامز مكانه.
ولا يرجح المحلل السياسي الليبي سعيد الجواشي، أن تتوصل باريس لأي جديد في ليبيا وسط الغموض الحالي، باستثناء الإعلان عن رجوعها رسمياً إلى الملف الليبي الذي يبدو أن تركيا تمتلك فيه هامشاً كبيراً من الحرية إلى جانب روسيا.
ويعتبر الجواشي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن عودة فرنسا تعني عودة الاشتباك والتجاذب الدولي للملف الليبي، وقال: "بكل تأكيد عودة المبادرات والوساطات تعني فشلاً لما تم الاتفاق عليه في برلين، وانهياراً كاملاً لجهود الأمم المتحدة السابقة وانتهاءها لما انتهى إليه اتفاق الصخيرات السابق".
وأشار إلى أن عودة الأزمة الليبية إلى المربع الأول تعني رجوح كفة الحل العسكري الواضح، بأن طرفي النزاع في ليبيا مستعدان له وينتظران لحظة مناسبة لاستئناف القتال.