مفاجأة ترشح نجاد لرئاسيات إيران: رسائل داخلية وخارجية

13 ابريل 2017
نجاد وبقائي يداً بيد أمس (عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -

"المرشد كان ناصحاً لا ناهياً"، هي الجملة التي استخدمها الرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، عقب ترشحه رسمياً إلى الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي ستجرى في 19 مايو/ أيار المقبل، بعد أن فجّر مفاجأة لم يتوقعها كثيرون. ومع دخول نجاد إلى مقر وزارة الداخلية، صباح أمس الأربعاء، ليسجل اسمه بين الراغبين بخوض السباق الرئاسي، اشتعلت الأوساط الإيرانية، السياسية والإعلامية، ضد نجاد، الذي استشار المرشد الأعلى، علي خامنئي، سابقاً، الذي اعتبر صراحة أن دخوله الانتخابات لا يصب في مصلحة البلاد في الوقت الراهن، كونه سيتسبب بزيادة المسافات والانشقاقات السياسية بين التيارات الإيرانية. ورد عليه نجاد حينها برسالة مكتوبة، مؤكداً أنه سيستجيب لنصيحة صاحب الكلمة الفصل في إيران.

المشهد في وزارة الداخلية، أمس، كان يشبه كثيراً ما حصل خلال الانتخابات الرئاسية الماضية قبل أربع سنوات. دخل نجاد وقتها مع مدير مكتبه السابق، إسفنديار رحيم مشائي، رفع يده وأكد أنه يدعم ترشحه، فلم يكن يحق لنجاد، الذي كان قد أنهى للتو ثماني سنوات رئاسية، الترشح مجدداً، بحسب الدستور الإيراني. في اليوم ذاته، دخل الرئيس الراحل، أكبر هاشمي رفسنجاني، المقر ذاته وسجل ترشحه، فرفضت لجنة صيانة الدستور أن تمنح الأهلية لكليهما لأسباب متفاوتة، فغاب مشائي ونجاد عن الساحة لأربع سنوات، والتي عاداه كثر خلالها بسبب سياساته الحكومية، وعلى رأسهم المحافظون. وصب إقصاء رفسنجاني لمصلحة حسن روحاني، الذي حصل على أصوات الإصلاحيين والمعتدلين من المحافظين، بينما توزعت أصوات داعمي المحافظين التقليديين والمتشددين في الصناديق بين ستة مرشحين آخرين.

منذ فبراير/ شباط الماضي، لاح في الأفق أن دائرة المقربين من نجاد تستعد للعودة من جديد. وأعلن مستشاره السابق، حميد بقائي، عن ترشحه منذ فترة، ودخل إلى مقر الوزارة مع مشائي والرئيس السابق. الجدير بالذكر أن لدى بقائي، الذي تم اعتقاله أخيراً، كما بقية المقربين من نجاد، ملفات قضائية، قد تكون السبب في إقصائهم جميعاً من قبل لجنة صيانة الدستور التي يترأسها المتشدد أحمد جنتي، والتي ستدرس طلبات المسجلين، وستعلن بعدها عن المرشحين المقبولين ممن سيخوضون السباق الانتخابي. أستاذ العلوم السياسية، محمد مرندي، يؤيد وجهة النظر التي تقول إن المرشد لم يمنع نجاد من الترشح لكنه نصحه، معتبراً أن قرار صيانة الدستور هو الحاسم، وهو الذي سيجعل المشهد المرتقب أوضح، لا ترشح نجاد أو غيره. ويضيف مرندي، لـ"العربي الجديد"، أن بقية المحافظين المنقسمين إلى جبهات متعددة، وهم في غالبيتهم ممن يعادون دائرة نجاد، لن يغيروا استراتيجيتهم خلال هذا الاستحقاق بسبب حضور الرئيس السابق، فقد اتحدت معظم الجبهات المحافظة تحت لواء "الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية"، واختارت خمسة أسماء محافظة لتقدم ترشيحاتها، على أن ينسحب أربعة منهم لصالح الأكثر قبولاً في الشارع في نهائيات السباق، معتبراً أن ترشح نجاد لن يغير هذه الخطة.


من ناحيته، يرى رئيس تحرير وكالة "مهر" للأنباء، محمد قادري، أن ما فعله نجاد سيفسر بطريقتين، الأولى أن توصية المرشد لا تعني منعاً، وهو ما يعني الترويج لانتخابات ديمقراطية في إيران، والثانية أن عدم الاستماع إلى المرشد الأعلى يعني حرق أوراق نجاد المتآكلة أصلاً أمام بقية المحافظين. وعن احتمال منحه الأهلية من قبل صيانة الدستور من عدمه، يعتبر قادري أن لدى هذه اللجنة معاييرها الخاصة، التي تتكئ على شروط صعبة، فنجاد حكم البلاد لثماني سنوات، لكن دورتيه الرئاسيتين اختتمتا بملفات قضائية مفتوحة، فضلاً عن إصراره على سياسات فتحت عليه النار. ويرى قادري أن هذا الأمر سيصب لصالح روحاني والتيار الإصلاحي معه، مشيراً إلى أنه في حال دخول نجاد السباق عملياً فهذا يعني توزع الأصوات على المحافظين، وفوز روحاني مجدداً، أما في حال عدم تأييد أهليته، فتسجيل نجاد لاسمه سيتسبب بزيادة الخلافات بين أبناء التيار الأصولي.

هي ليست المرة الأولى التي يُتّهم فيها نجاد بمعصية المرشد الأعلى. ففي وقت سابق، استقال وزير الاستخبارات، حيدر مصلحي، من حكومته وقبل الرئيس الاستقالة، فأعاده خامنئي إلى منصبه، ولم يشارك نجاد بعدها في أي اجتماعات حكومية ولم يغادر مكتبه لمدة 11 يوماً، وهي خطوة فتحت عليه النار، وهو ما يجري في الوقت الراهن، ولا سيما من قبل المحسوبين على المحافظين. ومباشرة بعد ترشحه للانتخابات المرتقبة، أعلن أحد أبرز مؤيدي نجاد، مهدي كوجك زاده، البراءة من الرئيس السابق. وكتب، في رسالة خطية نشرتها المواقع الإيرانية، أنه كان يعتقد أن الرئيس السابق يدافع عن الإسلام المحمدي وعن المظلومين والمستضعفين فوقف إلى جانبه ضد كل من عادوه، لكن رفضه نصيحة المرشد تعني ضرورة التبرؤ منه، حسب تعبيره.

لكن على الطرف الآخر، هناك تحليلات ترجح أن يكون نجاد قد أخذ موافقة ضمنية جديدة من خامنئي، ليسجل اسمه، وهو ما سيدل على أن النصيحة لا تعني النهي، وأنه يمكن لأي سياسي التقدم إلى الانتخابات. ومن ناحية ثانية، قد يحمل ترشح نجاد رسائل أبعد من ذلك، خصوصاً إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي يترأسها دونالد ترامب، الذي يصفه كثر في إيران بأحمدي نجاد أميركا. وقد يكون نجاد متأكداً من أنه لن يحصل على الأهلية من قبل صيانة الدستور، وهو ما سيحصل لمساعده بقائي أيضاً، وربما سيحقق هذا شعبية لتياره، الذي لا يمكن القول إنه قادر في الحقيقة على مواجهة بقية المحافظين في الوقت الراهن، الذين، وإن كانوا لا يتسلمون معظم المناصب الحكومية، لكنهم موجودون بقوة في مراكز صنع قرار أخرى، ويتسلمون زمام معظم الوسائل الإعلامية الإيرانية، التي يبدو أنها تتوجه نحو حرق أوراق نجاد، على الأقل حتى الإعلان عن قرار صيانة الدستور.

المساهمون