حمل الأسبوع الماضي شواهد أخرى على الانحطاط السياسي والإعلامي والأخلاقي عند الأنظمة العربية المتحمسة للأسرلة. ففي السودان لم يشعر قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بالحرج، عند دفعه، نيابة عن المجلس العسكري، ملايين الدولارات التي حصل عليها كدعم من السعودية والإمارات، لرجل استخبارات صهيوني "سابق" لتلميع صورته وتسويقه غربياً. هذه الطريقة جربتها جلّ أنظمة الاستبداد العربي، ومنها نظاما معمر القذافي وبشار الأسد. الأول لم تسعفه مساعي ابنه سيف الإسلام، أما النظام في دمشق، فاستطاع على ما يبدو، بفعل تفاهمات تاريخية، البقاء في الحكم، ولو إلى حين، بمقايضة "الأمن مقابل الأمن"، التي طُرحت مبكراً من رامي مخلوف، وتبرز اليوم بقصف إسرائيلي في سورية بات شبه عادي، يستثني قوات الأسد، ويستهدف حلفاء طهران، بتفاهم بين الاحتلال والحاكم الأصلي لسورية في الكرملين.
وفي مصر، لم يستثر "السياسي الناصري" السابق، مصطفى بكري، مُلمّع حكم العسكر اليوم، من وصول تفاهمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الاحتلال حد قيام طائرات الأخير، قبل أيام، بقصف في سيناء بحجة "استهداف قافلة سلاح متجهة إلى غزة". كما لم يثره، وغيره من أدعياء العروبة، انشغال شرطة السيسي بالتفتيش ومنع إدخال علم فلسطين إلى ملاعب كرة القدم، مع اشتداد التحريض المنسّق على الفلسطينيين بعد "ورشة المنامة".
وفي السياق نفسه، يبدو أيضاً أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، لم يعودا يأبهان لعلنية الاندفاع نحو مزيد من التصهين، أو يكترثان بأبسط قيم هوية مجتمعيهما. فعدا عن الزيارات الصهيونية، المتبادلة وفوق التطبيعية، التي تُختتم بصورة تذكارية في "مسجد زايد" لدعاة إبادة الفلسطينيين والعرب، في ظل صمت "جيش المستشارين العروبيين" على وصول الحال إلى القاع، ثمة ما هو خطير في محاولة صناعة هوية سعودية وخليجية جديدة.
فحدود المجاهرة بالأسرلة تتوسع برعاية وتشجيع رسميين، لتطاول الفلسطينيين وقضيتهم، والتشكيك بعروبة وإسلامية ومكانة القدس، وإن حمل ذلك نسفاً للقرآن والسيرة النبوية. وللمفارقة يجري ذلك بصمت "علماء الحرمين"، خوفاً أو نفاقاً، وبانخراط نخب "الليبرالية"، مثل تركي الحمد، بعد فشل "ورشة المنامة"، ما يجعل خطاب هذا المعسكر، ببغائية الشتم والتشكيك بقضية فلسطين، يتجاوز، أو يتطابق مع ما يطلقه وأطلقه عتاة الصهاينة، أمثال عوفاديا يوسف وموشيه ليفينغر ومائير كهانا، وتلامذتهم اليوم، بحق العرب جميعاً.
ما يرد من الرياض عن "عروبة وإسلام جديدين"، وبصمت رسمي على التصهين، يحزن أي عربي حريص على ألا تصل السعودية، بمكانتها المعنوية والسياسية والاستراتيجية، وبدفع من أبوظبي، إلى مراكمة خطر خسارتها العمق العربي والإسلامي، في ركاكة وسطحية الاعتقاد أن التصهين يجعل من بلادٍ، "عظمى"، كما ظنّ يوماً معمر القذافي وغيره.