وفي الوقت الذي كان مجلس الوزراء يبحث، اليوم الأربعاء، ملف التعيينات الإدارية والمالية في قصر بعبدا، بعدما ردّ الرئيس ميشال عون التشكيلات القضائية، ويوزع الحصص عملاً بمبدأ المحاصصة والمقايضة البعيد كلّ البعد من منطق الكفاءة والنزاهة، تحدث رئيس الجمهورية، في مستهلّ الجلسة، عن معلومات توفرت لدى الأجهزة المعنية تشير إلى ارتباطات خارجية لمجموعات من المشاركين في التظاهرات المطلبية التي تشهدها الساحة اللبنانية.
وقال عون: "نحن مع حق التظاهر، ولكن لا يمكن القبول بالشغب والعنف وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، إذ استغل البعض التظاهرات المطلبية للقيام بأعمال تخريبية مدانة سبق وحذرنا منها، والتي أكرر اليوم وجوب الحذر منها مستقبلاً"، مضيفاً أنّ "التعرّض للأديان والمذاهب والرموز الدينية مرفوض ومدان، ولم يسبق أن حصلَ حتى في أسوأ أيام الحرب"، داعياً الجميع إلى "التنبّه وعدم السماح للفتنة بالتسلّل إلى مجتمعنا".
وبالعودة إلى تظاهرة يوم السبت 6 يونيو/ حزيران في ساحة الشهداء، يمكن للوقائع أن تظهر المسؤولين عن إشعال الفتنة، فقد بدأ التحرّك بشكل سلميّ رفعت فيه الكثير من المطالب والشعارات، إلى أن ظهر موضوع نزع سلاح "حزب الله"، فنزل شبان من منطقة الخندق الغميق معروفون بانتمائهم إلى "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري)، وراحوا يهتفون ببقاء السلاح رغماً عن الجميع، قبل أن تتطوّر الأحداث التي دفعت العناصر الأمنية إلى إقامة حاجز بشري لمنع حصول مواجهة مباشرة مع المعتصمين.
وفي المقلب الآخر، سجل إشكال عند تقاطع عين الرمانة– الشياح في ضواحي بيروت بين شبان من المنطقتين، هذا التقاطع الذي اندلعت منه الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية.
وأطلق شبان في عين الرمانة شعارات تدعم رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، مقابل إطلاق مجموعات أتت على دراجات نارية إلى المكان وهتفت تأييداً لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، وذلك كله قبل أن ينام سكان العاصمة اللبنانية على أصوات الرصاص والرشقات النارية بعد ليلة متوترة وغضب عارم أحدثه انتشار مقطع مصوّر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يحتوي هتافات مسيئة لزوجة النبي السيدة عائشة أطلقها مناصرون لـ"حركة أمل" و"حزب الله" خلال مواجهتهم التظاهرة، لتسارع المرجعيات السياسية والدينية إلى تهدئة الشارع والنفوس وعقد جولات حفاظاً على السلم الأهلي وتعزيزاً للاستقرار.
من جهة ثانية، وبينما يعيش لبنان أسوأ أزمة اقتصادية، ويشهد يوماً بعد يوم على تدهور العملة الوطنية وانعدام القدرة الشرائية عند المواطنين، وبالتزامن مع عودة الحراك الشعبي إلى الشارع والساحات اعتراضاً على تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنقدية، واتباع الحكومة منطق المحاصصة في التعيينات، فقد أكد رئيس الجمهورية ميشال عون أنّنا "لن نتوقف عند الحملات والشائعات التي تستهدف الحكم والحكومة، وخصوصاً تلك التي تتحدث عن تغيير حكومي أو إسقاط الحكومة. فلنتابع عملنا ولا نضيع الوقت بالردّ عليها".
بدوره، قال رئيس الحكومة حسان دياب: "مرّ لبنان بقطوع خطير آخر الأسبوع الماضي، وتجاوزنا مشاريع فتنة طائفية ومذهبية. أنا كنت حذّرت من مخطط لإراقة الدماء واستثمارها في السياسة، وما حصل في الشارع كان ينبئ بخطة خبيثة لإشعال فتنة في البلد، والحمد لله أننا تجاوزناها". وأضاف أنّ "مشروع الفتنة قائم ومستمر، وأنا أؤكّد أن العدو الإسرائيلي يريد افتعال الفتنة في لبنان من أجل التغطية على خطته لضمّ الضفة الغربية. لذلك، أدعو إلى أعلى درجات اليقظة والوعي لمواجهة هذا المخطط الإسرائيلي وإحباطه".
وأشار الرئيس دياب إلى أنّ "هناك غرفاً سوداء تختلق أكاذيب وتروجها للتحريض على الحكومة لتحميلها أوزار السنوات الماضية التي تسببت بوصول البلد إلى الوضع الذي نعيشه اليوم. الحكومة تبذل جهودها، ليس بالاجتماعات فقط، وإنما بإجراءات متدرّجة، بعضها عاجل وبعضها متوسط المدى وبعضها طويل المدى"، معتبراً أن "هناك معضلة أساسية نعمل على معالجتها، وهي التلاعب بسعر العملة الوطنية، وهذا الأمر نتابعه على مدار الساعة، ونحن أعطينا تعليمات واضحة وحاسمة إلى الأجهزة الأمنية للتشدّد في ضبط فلتان التسعير لدى الصرافين الشرعيين وغير الشرعيين".
ولا يزال الناشطون ينظمون وقفات احتجاجية يومية أمام الوزارات ومصرف لبنان، وفي ساحتي رياض الصلح والشهداء في بيروت، ولا سيما مع تخفيف إجراءات التعبئة العامة.
ويقوم عدد من المحتجين بقطع الطرقات في بعض المناطق الشمالية والبقاعية والجنوبية اعتراضاً على ارتفاع سعر صرف الدولار واقترابه من عتبة الـ5000 ليرة لبنانية، وتنديداً بسوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع معدل البطالة والفقر، ويطالب هؤلاء باستقالة الحكومة أو إسقاطها في الشارع، كونها أثبتت ما كان مؤكداً أصلاً بأنها ليست إلا استكمالاً للمنظومة السياسية نفسها.