ما هو مصير "فيلق الرحمن" في إدلب؟

02 ابريل 2018
مقاتلان من "فيلق الرحمن" بالغوطة (عبد المنعم عيسى/فرانس برس)
+ الخط -
بعد استكمال ترحيل مقاتلي "فيلق الرحمن" من الغوطة الشرقية باتجاه محافظة إدلب، يبرز سؤال حول مصير الفصيل والآلاف من مقاتليه، وما إذا كانوا قادرين على المحافظة على هيكلهم التنظيمي، أم يتفككون ويتوزعون على فصائل أخرى؟ وهل أن ثمة فرصة أمام الفصيل الذي حارب طويلاً قوات النظام على مدار السنوات الماضية لتغيير موازين القوى في الشمال السوري بوصفه قوة وازنة و"معتدلة"، بألا يُلاحق بشبهة الأسلمة والتطرف؟

هذه الأسئلة قد تصعب الإجابة عنها حتى من جانب المسؤولين في "فيلق الرحمن"، الذين قد لا تكون لديهم تصورات واضحة عما ستؤول إليه الأمور في محطتهم الجديدة بالشمال السوري، خصوصاً في ظل الصراعات والتجاذبات الفصائلية التي تعصف بتلك المنطقة، وعدم وجود عدو واضح في هذه المرحلة، يمكن أن يوحّد قتاله الصفوف والجبهات.

في هذا السياق، قال المتحدث باسم الفيلق وائل علوان، إن "الأمور غير واضحة بعد، لكن المبدأ الأساسي الذي سوف يحكم توجهات فيلق الرحمن، هو الابتعاد عن أية تجاذبات أو مناكفات تشغله عن محاربة نظام الأسد وطغيانه على الشعب السوري". وأوضح علوان في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يكن الخروج ضمن حساباتنا، لذلك فإننا لا نملك أي تصور عن مكان استقبالنا أو ما ستؤول إليه أمورنا، وليست لدينا رؤية أو خطة كيف سيكون مجال عملنا. ونحن منشغلون الآن بتأمين خروج المدنيين ومقاتلي الفيلق".

لكن علوان لفت إلى أن لفصيله "علاقات طيبة مع تركيا، القوة المؤثرة جداً في الشمال السوري"، مشيراً إلى أنه "نفخر بتواصلنا المباشر مع أكبر حليف ومناصر لثورة هذا الشعب العظيم". ولفت إلى أن "هذا التواصل مستمر في ما يخصّ استقبال الناس وتأمين ضرورياتهم وحمايتهم من دون التطرق إلى ما سواه".



وحول أعداد من خرجوا أو سيخرجون من عناصر فيلق الرحمن، أوضح أن "العدد المقدّر هو بحدود سبعة آلاف مقاتل من أصل أكثر من عشرة آلاف، هم العدد الإجمالي لعناصر الفيلق". وأوضح أن "للفيلق وجوداً عسكرياً أيضاً في منطقة القلمون الشرقي، لكن بحجم أقل يبلغ حوالي كتيبة واحدة".

وكان "فيلق الرحمن" وروسيا توصَّلا إلى اتفاق قضى بخروج المقاتلين والمدنيين الرافضين للمصالحة والتسوية مع النظام، من القطاع الأوسط للغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، وهو ما شمل معظم مقاتلي الفيلق المقدّر عددهم بنحو عشرة آلاف مقاتل.

وحسب رئيس دائرة العمليات العامة في هيئة الأركان الروسية الفريق أول سيرغي رودسكوي، فقد "تم نقل 11478 مسلحاً و20437 شخصاً من أفراد عائلاتهم من عربين وزملكا وعين ترما وجوبر في الغوطة الشرقية إلى إدلب ما بين 24 مارس/ آذار الماضي و30 منه". مع العلم أن دفعة أخرى نُقلت يومي السبت والأحد الماضيين، ما رفع العدد إلى أكثر من 12 ألف مقاتل، جلّهم من "فيلق الرحمن"، والآخرون من "حركة أحرار الشام الاسلامية" التي كانت متمركزة في حرستا، وعدد أقل من "هيئة تحرير الشام" إضافة إلى مجموعات أصغر أقل عدداً.

ومع احتساب عدد المقاتلين من "فيلق الرحمن" الذين من الممكن بقائهم في الغوطة لـ"تسوية" أوضاعهم مع قوات النظام، فإن سبعة آلاف مقاتل عدد كبير في إطار الحسابات الفصائلية والعسكرية، على الرغم من أنهم لم يحملوا معهم سوى أسلحة خفيفة، وتركوا أسلحتهم الثقيلة في الغوطة وربما يكونون قد أتلفوها على الأغلب قبل خروجهم.

ومع صعوبة التكهن بمستقبل "فيلق الرحمن" بعد وصول مقاتليه إلى محافظة إدلب في الشمال السوري بعيداً عن بيئتهم الشامية، فإن تجارب الفصائل الأخرى التي وصل مقاتلوها إلى إدلب خلال السنوات الماضية نتيجة ظروف مشابهة، سواء من ريف دمشق أم حمص أم حلب، كشفت أن أياً من هذه الفصائل فشلت في المحافظة على كياناتها المستقلة. كما أنهم لم يؤدوا أي دور بارز في المنطقة الجديدة. وبعضهم اندمج كأفراد في فصائل قائمة أو تسرّب أفرادها إلى الحياة المدنية، بحثاً عن لقمة العيش، وقلّة نجحوا في المغادرة إلى خارج البلاد باتجاه تركيا، غالباً بشكل غير نظامي.


وكان أول الواصلين إلى إدلب في مايو/ أيار 2014 مقاتلو البلدة القديمة في حمص بعد حصار لبلدتهم استمر عامين، ومعارك وقصف أديا إلى دمار كبير في هذه المنطقة التاريخية. وفي عام 2016، خرج من حيّ الوعر مئات المقاتلين على ثلاث دفعات، بموجب اتفاق آخر تم بإشراف الأمم المتحدة. ثم خرج مقاتلو مدينة داريا في ريف دمشق في شهر أغسطس/ آب 2016، وتلاهم المقاتلون من البلدات الأخرى في الغوطة الغربية، مثل المعضمية وخان الشيح وزاكية وقدسيا والهامة، وصولاً إلى مقاتلي سرغايا ومضايا والزبداني وبقين ووادي بردى والتل وبرزة والقابون، ومقاتلي حي الوعر في حمص، وقبل ذلك الخروج الكبير من شرقي حلب نهاية عام 2016، فبلغ العدد الإجمالي نحو سبعة آلاف مقاتل. لكن لا شك أن عملية التهجير الأكبر هي التي جرت في الأيام الأخيرة من الغوطة الشرقية والتي ضمت نحو 40 ألف شخص، منهم حوالي 12 ألف مسلح.

وكشفت بعض المعطيات أن مقاتلي داريا، خصوصاً المنتسبين إلى "لواء شهداء الإسلام" (الذي توفي قائده أبو جعفر الحمصي في إدلب غرقاً في ظروف غامضة)، كانوا الوحيدين تقريباً الذين حافظوا على هيكلهم التنظيمي، وشاركوا في المعارك ضد قوات النظام، تحديداً في ريف حماة الشمالي، حيث قتل العديد منهم في تلك المعارك. كما انضم عدد من المقاتلين إلى فصائل الجيش الحر المدعومة من تركيا في عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون".

غير أن العدد الأكبر من المقاتلين اختاروا ترك الحياة العسكرية، بعد فشلهم في محاربة النظام، مع إنشغال فصائل إدلب الكبرى معظم الوقت في الاقتتال في ما بينها، بينما سادت أجواء الفوضى الأمنية وعمليات التصفية والاغتيال. وهو ما ولّد حالة إحباط لدى كثير من المقاتلين الذين كانوا يرغبون بالانخراط في معارك جدية للانتقام من النظام الذي شرّدهم واقتلعهم من مناطقهم.

في هذا الصدد، اعتبر رئيس المجلس المحلي في مدينة إدلب، إسماعيل عنداني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "المغادرة إلى تركيا غير متاحة رسمياً لأي من الواصلين إلى إدلب، وبالتالي ليس أمامهم فرصة سوى الاندماج في مجتمعهم الجديد في إدلب". وأشار إلى أن "الواصلين أخيراً ما زالوا متعبين ويسعون إلى تأمين إقاماتهم، ولم يتح لهم الوقت بعد للتفكير في المستقبل".

لكن قياساً إلى تجارب من وصل سابقاً إلى إدلب من مدنيين وعسكريين، أعرب عنداني عن اعتقاده بأن "غالبية الناس سيبحثون عن عمل مدني لتأمين قوت يومهم، وربما يكون بعض العسكريين، احتياطيين للفصائل الأخرى، أو يرابطون من فترة لأخرى على الجبهات". وحول هدف النظام من تجميع المعارضين له مدنيين وعسكريين في إدلب، رأى أن "هناك أحد احتمالين، إما يجمعهم لتكون محرقة لهم وللبيئة الحاضنة وسط صمت دولي وربما تواطؤ ومساعدة بحجة أنهم إرهابيون، أو في إطار التخلي عن المنطقة برمتها وبما تحوي من بيئة معارضة في أي سيناريو تقسيم مقبل، كون محافظة إدلب ليست من سورية المفيدة للنظام".



ولاحظ قيادي في أحد الفصائل العاملة في الشمال السوري، في حديث لـ"العربي الجديد"، ما سماه "حالة الإحباط التي تصيب المقاتل الذي يخرج من مناطق الحصار وهو في حالة نفسية متراجعة، ويصل إلى إدلب على أمل أن يجد حالة ثورية رافعة لمعنوياته، لكنه يصدم بالواقع المحلي جراء حالة الاقتتال الداخلي والصراعات الفكرية بين فصائل الشمال. وهو ما يجعله يرتد إلى نفسه ويعيش حالة اغتراب داخلي، هذا بالإضافة إلى تعرّض عدد من المقاتلين الوافدين لعمليات اعتداء أثناء وصولهم إلى مدينة إدلب وبعده".

و"فيلق الرحمن" هو تحالف يضمّ مجموعات وكتائب عدة تصنف نفسها بأنها تنتمي لـ"الجيش السوري الحر"، وهدفها "إسقاط نظام الأسد ورفع الظلم والعمل على إقامة دولة الحق والعدل على الأرض السورية، بالتعاون مع الفعاليات الثورية الناشطة على الساحة وبكل الوسائل المشروعة". ويقول الفيلق في أدبياته إنه "منفتح بأفكاره على جميع المكونات المؤمنة بأهداف الثورة السورية، ويؤمن بأن سورية كيان واحد لا يتجزأ، وهو يقف في وجه أي مشروع تقسيمي لسورية".

وتشكلت المجموعة الأولى في الفيلق، وهي "لواء البراء"، في بداية أغسطس/ آب 2012 بقيادة النقيب عبد الناصر شمير، المنشق عن جيش النظام، وبعد ازدياد الأعداد تمّ تشكيل "فيلق الرحمن" في نهاية عام 2013. وأبرز الكتائب والمجموعات المشكلة للفيلق، إضافة إلى "لواء البراء"، "لواء أبو موسى الأشعري" (انشق عن الفيلق في الشهر العاشر من عام 2016)، و"لواء شهداء الغوطة"، و"تجمع جند العاصمة"، و"كتائب أهل الشام"، و"لواء هارون الرشيد"، و"لواء القعقاع"، و"لواء الحافظ الذهبي"، و"لواء المهاجرين والأنصار"، و"لواء عبد الله بن سلام"، و"لواء أم القرى"، و"لواء الصناديد"، و"لواء أسود الله"، و"لواء سيف الدين الدمشقي"، و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام"، و"اللواء الأول في القابون وحي تشرين"، و"كتيبة العاديات في الغوطة الغربية".

وبشأن تمويله، يقول "فيلق الرحمن" على موقعه الرسمي إنه "يعتمد على الدعم الشعبي بالإضافة إلى دعم مجموعة أصدقاء سورية المساندة للثورة السورية". أما السلاح والذخيرة، فالإعتماد الرئيسي، كما يقول الفيلق، هو على "السلاح والذخائر من القطع والكتائب العسكرية المحررة من قوات النظام وما يتم شراؤه من السوق السوداء". وكان الفيلق يملك إضافة إلى الأسلحة الخفيفة، دبابات وعربات شيلكا وعربات "بي أم بي"، ومدفعية من عيارات مختلفة وأسلحة مضادة للدروع.