في وقت تحتفل فيه وسائل إعلام النظام السوري الرسمية وشبه الرسمية، والصفحات الموالية له على وسائل التواصل الاجتماعي، بانتهاء آخر العمليات العسكرية في دمشق وريفها، للمرة الأولى منذ سبع سنوات، غداة سيطرة قوات النظام على آخر المواقع التي كانت خارج سيطرتها في العاصمة السورية، فإن سيناريوهات ما بعد وضع المعارك أوزارها في مخيم اليرموك والحجر الأسود، باتت شبه واضحة. فقد كانت محافظة دمشق، قد أعلنت رسمياً قبل انتهاء معركة جنوبي دمشق بشهرين، عن مشروع "باسيليا سيتي" التنظيمي، المُمتد على مساحة تُقدّر بنحو تسعة ملايين متر مربع، من جنوبي المتحلق الجنوبي، وصولاً إلى مناطق عسالي والقدم، وشارع الثلاثين، الذي أصابه دمارٌ شبه كلي جراء المعارك جنوبي دمشق.
فالمعارك التي بدأت قبل نحو أربعة أسابيع، وتوقفت فعلياً منذ السبت الماضي، مع الحديث عن "هدنة" بين مسلحي "داعش" والنظام، على الرغم من إنكار الأخير لها عبر وكالته الرسمية "سانا"، تم الإعلان رسمياً عن انتهائها من قبل قيادة قوات النظام الإثنين، مع اكتمال خروج آخر الحافلات التي أقلت مسلحي "داعش"، من مخيم اليرموك والحجر الأسود، نحو جيوبٍ للتنظيم في مناطق البادية شرقي سورية.
ومنذ انتهاء المعارك رسمياً، اكتسحت صور ما يُعرف في سورية بـ"التعفيش"، وسائل التواصل الاجتماعي، إذ انتشرت عشرات الصور التي تُظهر قيام عناصر قوات النظام والمليشيات الأخرى المساندة له، بسرقة الأدوات الكهربائية وأثاث المنازل في مخيم اليرموك والحجر الأسود، وتحميلها في سياراتٍ عسكرية ومدنية كبيرة، لنقلها خارج المنطقة المدمرة جنوبي دمشق، بهدف بيعها في أسواقٍ انتشرت خلال السنوات الماضية، وهي أسواقٌ يتم فيها بيع الأغراض التي تُنهب، عقب دخول قوات النظام إلى منطقة ساخنة كانت خارج سيطرتها.
ويقول علي العطار، وهو من سكان حي الحجر الأسود الذي غادره مع عائلته قبل خمس سنوات ليستأجر منزلاً في مساكن برزة، إن "صور التعفيش التي نشاهدها يومياً، تجعلني أجزم أنني لن أتمكن من العودة إلى منزلي الذي أصيب بأضرار جراء المعارك، لكنه لم يتهدّم بالكامل". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "معظم منطقة الحجر الأسود أصابها دمارٌ واسع، ولكن على الرغم من ذلك فإنني أعرف عشرات العائلات التي تملك منازل هناك، وتستأجر الآن منازل في دمشق، ترغب فعلاً بالعودة إلى بيوتها كي تتخلص من عبء دفع الإيجار الشهري"، مضيفاً: "لكن لا أتوقع أن أحداً سيعود في هذه الظروف، فلا قوات النظام سمحت لنا بالدخول إلى الحي حتى الآن لنعاين الأضرار في ممتلكاتنا، ولا الظرف يوحي بأنه سيُسمح لنا بالعودة".
اقــرأ أيضاً
العطار الذي يبلغ من العمر اثنين وخمسين عاماً، هو أبٌ لأسرة من خمسة أفراد، ويُعتبر واحداً من مئات آلاف السكان، الذين فروا من مناطق سكنهم في جنوبي دمشق خلال السنوات الخمس الأخيرة، غداة اشتعال المنطقة بالمعارك، التي كانت بداية بين قوات النظام، وفصائل عسكرية ترفع علم الجيش الحر، وتحوّلت في وقت لاحق إلى معارك متعددة الأطراف، مع ظهور مسلحي "داعش" جنوبي دمشق، وسيطرتهم على منطقة الحجر الأسود التي اتخذوها معقلاً أساسياً لهم، إضافة إلى بسط نفوذهم على مخيم اليرموك وأجزاء من مناطق العسالي والقدم والتضامن المجاورة لبعضها.
ويقول العطار إنه شهد بدايات التظاهرات السلمية ضد النظام في مناطق جنوبي دمشق، ثم بدايات الحراك المسلح، ولكنه حاول التمسك بالبقاء في منزله إلى حين اشتدت المعارك و"بات البقاء مستحيلاً"، مضيفاً أن معظم جيرانه السابقين في الحجر الأسود سافروا خارج البلاد إلى وجهات مختلفة، فيما اختار البقية أن يبقوا في دمشق "على أمل العودة إلى منازلنا قريباً".
لكن هذه العودة تبدو الآن مستحيلة، على الرغم من انتهاء المعارك، إذ إن المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام جنوبي دمشق (باستثناء مناطق الهدنة في ببيلا ويلدا وبيت سحم)، أصيبت بدمارٍ واسع جداً، خلال معارك السنوات الماضية. كما أن الأبنية التي لم تصب بأذى في السابق، أصابها الدمار الجزئي أو الكلي جراء القصف المدفعي والجوي الكثيف، الذي تزامن مع بدء المعركة الأخيرة بين النظام و"داعش" في النصف الثاني من إبريل/نيسان الماضي.
وبرزت تحليلاتٌ كثيرة حول هذه المعارك والقصف الجوي والصاروخي العنيف الذي رافقها، إذ يقول ناشطون سوريون معارضون، إن عدد مسلحي "داعش" داخل مخيم اليرموك والحجر الأسود كان يبلغ العشرات فقط، وأكبر إحصائية تقول إنهم كانوا بين 300 و500 مسلح، وبالتالي فإن القوة النارية التي استُخدمت في المعارك كان مبالغاً فيها، بهدف تدمير آخر البنى التحتية، وجعل إمكانية عودة مئات آلاف السكان مستحيلة حتى بعد طرد بقايا تنظيم "داعش" من المنطقة.
ويتفق مع هذا الرأي الناشط السياسي محمد رشيد الحمصي، وهو من سكان جنوبي دمشق سابقاً، ويقيم حالياً في تركيا، إذ يعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "استخدام الكثافة بالقصف الجوي والمدفعي والصاروخي، هدفه إسقاط أمل السكان بالعودة، فهؤلاء سيحجمون عن ذلك، لعدم توفر الخدمات كشبكة الكهرباء والاتصالات، فضلاً عن أن الدمار كما شاهدناه في الصور واسع جداً في شارع الثلاثين تحديداً وفي مناطق كثيرة داخل الحجر الأسود ومخيم اليرموك".
وعلى الرغم من أن النظام وعبر وسائل إعلامه شبه الرسمية، كان قد برر استخدام سلاح الجو والقصف المدفعي والصاروخي العنيف في معركة جنوبي دمشق الأخيرة، بالطبيعة الجغرافية المعقّدة والبنية العمرانية الصعبة التي تمنع توغّل الآليات المدرعة الثقيلة والمصفحة، في عمليات الاقتحام البري، إضافة إلى كثافة الأنفاق، إلا أن الحمصي يقول إن "معظم المناطق التي وُضعت ضمن مخطط مشروع ما يعرف بمشروع باسيليا سيتي باتت مهيأة الآن للهدم كاملاً وتسويتها على الأرض". ويشير إلى أن "إقرار محافظة دمشق لهذا المشروع كان قبل انطلاق معركة المخيم والحجر الأسود بنحو ثلاثة أسابيع فقط (26 مارس/آذار) وصدور قانون المناطق التنظيمية أو ما عُرف بالقانون رقم 10 كان قبل بدء المعركة بأسبوعين (بداية إبريل 2018)، ما يؤكد أن النية كانت مبيّتة قبل بدء المعركة لتدمير المناطق المذكورة".
فالمعارك التي بدأت قبل نحو أربعة أسابيع، وتوقفت فعلياً منذ السبت الماضي، مع الحديث عن "هدنة" بين مسلحي "داعش" والنظام، على الرغم من إنكار الأخير لها عبر وكالته الرسمية "سانا"، تم الإعلان رسمياً عن انتهائها من قبل قيادة قوات النظام الإثنين، مع اكتمال خروج آخر الحافلات التي أقلت مسلحي "داعش"، من مخيم اليرموك والحجر الأسود، نحو جيوبٍ للتنظيم في مناطق البادية شرقي سورية.
ويقول علي العطار، وهو من سكان حي الحجر الأسود الذي غادره مع عائلته قبل خمس سنوات ليستأجر منزلاً في مساكن برزة، إن "صور التعفيش التي نشاهدها يومياً، تجعلني أجزم أنني لن أتمكن من العودة إلى منزلي الذي أصيب بأضرار جراء المعارك، لكنه لم يتهدّم بالكامل". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "معظم منطقة الحجر الأسود أصابها دمارٌ واسع، ولكن على الرغم من ذلك فإنني أعرف عشرات العائلات التي تملك منازل هناك، وتستأجر الآن منازل في دمشق، ترغب فعلاً بالعودة إلى بيوتها كي تتخلص من عبء دفع الإيجار الشهري"، مضيفاً: "لكن لا أتوقع أن أحداً سيعود في هذه الظروف، فلا قوات النظام سمحت لنا بالدخول إلى الحي حتى الآن لنعاين الأضرار في ممتلكاتنا، ولا الظرف يوحي بأنه سيُسمح لنا بالعودة".
العطار الذي يبلغ من العمر اثنين وخمسين عاماً، هو أبٌ لأسرة من خمسة أفراد، ويُعتبر واحداً من مئات آلاف السكان، الذين فروا من مناطق سكنهم في جنوبي دمشق خلال السنوات الخمس الأخيرة، غداة اشتعال المنطقة بالمعارك، التي كانت بداية بين قوات النظام، وفصائل عسكرية ترفع علم الجيش الحر، وتحوّلت في وقت لاحق إلى معارك متعددة الأطراف، مع ظهور مسلحي "داعش" جنوبي دمشق، وسيطرتهم على منطقة الحجر الأسود التي اتخذوها معقلاً أساسياً لهم، إضافة إلى بسط نفوذهم على مخيم اليرموك وأجزاء من مناطق العسالي والقدم والتضامن المجاورة لبعضها.
ويقول العطار إنه شهد بدايات التظاهرات السلمية ضد النظام في مناطق جنوبي دمشق، ثم بدايات الحراك المسلح، ولكنه حاول التمسك بالبقاء في منزله إلى حين اشتدت المعارك و"بات البقاء مستحيلاً"، مضيفاً أن معظم جيرانه السابقين في الحجر الأسود سافروا خارج البلاد إلى وجهات مختلفة، فيما اختار البقية أن يبقوا في دمشق "على أمل العودة إلى منازلنا قريباً".
لكن هذه العودة تبدو الآن مستحيلة، على الرغم من انتهاء المعارك، إذ إن المناطق التي كانت خارج سيطرة النظام جنوبي دمشق (باستثناء مناطق الهدنة في ببيلا ويلدا وبيت سحم)، أصيبت بدمارٍ واسع جداً، خلال معارك السنوات الماضية. كما أن الأبنية التي لم تصب بأذى في السابق، أصابها الدمار الجزئي أو الكلي جراء القصف المدفعي والجوي الكثيف، الذي تزامن مع بدء المعركة الأخيرة بين النظام و"داعش" في النصف الثاني من إبريل/نيسان الماضي.
وبرزت تحليلاتٌ كثيرة حول هذه المعارك والقصف الجوي والصاروخي العنيف الذي رافقها، إذ يقول ناشطون سوريون معارضون، إن عدد مسلحي "داعش" داخل مخيم اليرموك والحجر الأسود كان يبلغ العشرات فقط، وأكبر إحصائية تقول إنهم كانوا بين 300 و500 مسلح، وبالتالي فإن القوة النارية التي استُخدمت في المعارك كان مبالغاً فيها، بهدف تدمير آخر البنى التحتية، وجعل إمكانية عودة مئات آلاف السكان مستحيلة حتى بعد طرد بقايا تنظيم "داعش" من المنطقة.
وعلى الرغم من أن النظام وعبر وسائل إعلامه شبه الرسمية، كان قد برر استخدام سلاح الجو والقصف المدفعي والصاروخي العنيف في معركة جنوبي دمشق الأخيرة، بالطبيعة الجغرافية المعقّدة والبنية العمرانية الصعبة التي تمنع توغّل الآليات المدرعة الثقيلة والمصفحة، في عمليات الاقتحام البري، إضافة إلى كثافة الأنفاق، إلا أن الحمصي يقول إن "معظم المناطق التي وُضعت ضمن مخطط مشروع ما يعرف بمشروع باسيليا سيتي باتت مهيأة الآن للهدم كاملاً وتسويتها على الأرض". ويشير إلى أن "إقرار محافظة دمشق لهذا المشروع كان قبل انطلاق معركة المخيم والحجر الأسود بنحو ثلاثة أسابيع فقط (26 مارس/آذار) وصدور قانون المناطق التنظيمية أو ما عُرف بالقانون رقم 10 كان قبل بدء المعركة بأسبوعين (بداية إبريل 2018)، ما يؤكد أن النية كانت مبيّتة قبل بدء المعركة لتدمير المناطق المذكورة".