مشروع قانون الجمعيات الأهلية المصري: إلغاء الجهاز القومي

06 يوليو 2019
وعد السيسي ترامب بإقرار القانون هذا العام(ماندل أنغان/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر حكومية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن "الخارجية المصرية تستطلع حالياً آراء بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في مشروع قانون الجمعيات الأهلية المفترض أن يصدر هذا العام، بحسب وعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لتلك الحكومات، خصوصاً للرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارته الأخيرة إلى واشنطن في إبريل/نيسان الماضي". وكان السيسي قد تعهّد نهاية العام الماضي بتعديل القانون الحالي الصادر في مايو/أيار 2017، ومنذ ذلك الحين لم تعلن الحكومة رسمياً تفاصيل مشروع القانون الذي أثمرته حوارات ممتدة مع الجمعيات الأهلية المحلية والأجنبية والمانحين الأجانب أجرته بشكل أساسي وزارة التضامن الاجتماعي بالمشاركة مع مؤسسة "مصر الخير" الموالية للنظام، والتي تدار بواسطة جهات وشخصيات على علاقة مباشرة بالسيسي.

وبحسب المصادر، فإن "الرأي مستقر الآن على أن يصدر قانون جديد بالكامل، لا مجرد تعديلات للقانون الحالي، وذلك نظراً لإدخال تعديلات واسعة على فصول مختلفة سيصعب حصرها في مشروع واحد للتعديل"، مشيرة إلى أنه "تم إعداد نسخة أخيرة بعد زيارة السيسي إلى واشنطن، بناء على ملاحظات قدّمتها بعض الدوائر الأميركية على نسخة سابقة من المشروع".

وذكرت المصادر أن "المشروع يتضمّن التصريح للمنظمات الأجنبية غير الحكومية بممارسة أنشطتها وفقاً للقواعد التي يحددها وزير التضامن الاجتماعي (حالياً الوزيرة هي غادة والي)، مع عدم جواز مباشرتها أي نشاط آخر إلا بعد حصولها على تصريح من الوزير. لكن سيتم السماح لتلك المنظمات بالتعاون مع الهيئات الحكومية وغير الحكومية المختلفة بصورة عادية، وسيتم السماح بإبرام التعاقدات معها من دون شروط مسبقة غير تصريح الوزير، وذلك بعدما كان هذا الأمر يشترط موافقة الجهاز القومي لتنظيم عمل تلك المنظمات، والذي سيتضمّن القانون الجديد إلغاءه نهائياً، استجابة لتعليقات الدول الغربية".

وكان هذا الجهاز سيُشكّل بقرار جمهوري برئاسة رئيس متفرغ بدرجة وزير وعضوية ممثلين لكل الأجهزة السيادية، كالمخابرات العامة والرقابة الإدارية والداخلية والدفاع والخارجية والعدل والتعاون الدولي والبنك المركزي ووحدة مكافحة غسيل الأموال. غير أنه لم يُشكّل أبداً بسبب اعتراضات الجهات الأجنبية، التي طالبت شأنها شأن الجمعيات المصرية بإلغائه نظراً لخلقه دوراً رسمياً للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، وتقليله من سلطة وزارة التضامن على عمل المنظمات، ومنحه تلك الأجهزة سلطة منع وصول التمويل للجمعيات، وإقرار أو رفض التغييرات الهيكلية واللوائح الداخلية للمؤسسات، وقدرتها على مطالبة المحاكم بحل الجمعيات.

وأوضحت المصادر أنه "سيتم تخفيف شروط عمل المنظمات الأجنبية في مصر، ليكتفي المشروع الجديد بأن تتقدّم المنظمة بطلب التصريح لوزارة الخارجية، وأن تدفع ما لا يزيد على 50 ألف جنيه مصري (3 آلاف دولار)، بدلاً من 300 ألف جنيه (18 ألف دولار) في القانون الحالي، مع إلزامها بأن تباشر عملاً يتفق مع أولويات المجتمع المصري وفقاً لخطط التنمية، وألا تعمل في مجال سياسي أو ينطوي على تحريض على التمييز والكراهية والفتن".

ومقابل تخفيف القيود عليها، يلزم المشروع الجديد المنظمات بأن تنفق أموالها "بشفافية"، ويحظّر عليها استخدام مقارها في تحقيق أغراض أو أهداف غير مصرح بها، وكذلك إرسال أو نقل أو تحويل الأموال والتبرعات إلى الداخل أو الخارج إلا بعد موافقة من وزير التضامن من دون غيره، فضلاً عن حظر تلقيها أموالاً من أشخاص طبيعية أو اعتبارية بخلاف مصادر تمويلها المعتمدة في تصريح عملها، مع جواز إلغاء التصريح لأسباب تتعلق بالأمن القومي أو النظام العام.



وأشارت المصادر إلى أن "هذه المادة ما زالت محل تساؤلات وانتقادات من الدوائر الغربية التي اطّلعت على المشروع، نظراً لكونها عامّة، وعدم ربط اتخاذ هذا الإجراء بمخالفات محددة على سبيل الحصر، فيما يبدو أن هذه من المسائل التي تعرقل حتى الآن ولادة هذا المشروع والمضي قدماً في مناقشته بالبرلمان، على الرغم من إعلان وزيرة التضامن غادة والي عن إنهاء تحضيره منذ شهرين".

وفي محاولة لطمأنة تلك الدوائر، فإن "المشروع الجديد يتضمّن إنشاء وحدة إدارية حكومية، بدلاً من الجهاز المركزي المشرف على المنظمات الأجنبية، ستحمل اسم (الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي) وستقوم أيضاً بنفس أدوار الإدارة المركزية للجمعيات والاتحادات القائمة حالياً في وزارة التضامن، وستختص بالإشراف والرقابة على الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ومتابعة إجراءات تطبيق القانون ولائحته التنفيذية، وإعداد ونشر الدراسات والمعلومات والإحصاءات الخاصة بالجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية على المستويين المحلي والإقليمي والدولي".

كما يتضمّن المشروع، بحسب المصادر الحكومية نفسها، استحداث عقوبة "حل مجلس إدارة الجمعية" كدرجة عقابية وسطى بين "وقف النشاط" و"حل الجمعية" استجابة لمناشدات المشاركين في الحوارات التي أجريت حول التعديل، على أن توكل كل المنازعات الخاصة بهذا الأمر إلى محكمة القضاء الإداري، وأن يكون من بين الاتهامات التي قد تؤدي للعقوبة الجديدة بحل مجلس إدارة الجمعية تلقي أموال من جهة أجنبية أو إرسال أموال إلى الخارج دون تصريح من الوزارة.

وفي السياق نفسه، قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن "الجهات المانحة الكبرى في الولايات المتحدة، والمتعاونة مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي، تضغط على الإدارة الأميركية للضغط بدورها على السيسي للإسراع في إصدار قانون يتوافق مع أهدافها بتخفيف القيود على تعاملاتها مع الجمعيات المصرية، خصوصاً في المجالات الاجتماعية والصحية والتعليمية والثقافية". وأشارت إلى أن "التفاهم الذي تم في عام 2017 بشأن وجوب توفيق أوضاع المنظمات المصرية المتلقية للدعم الأميركي أولاً قبل تلقيها أي دعم، سواء عبر وزارة التضامن الاجتماعي أو أي وزارات أخرى أو بشكل مباشر، لم يعد له أي محل، لأن القانون الحالي معطّل ولم تصدر له لائحة تنفيذية، فضلاً عن استمرار رفض الأجهزة الأمنية العديد من الأنشطة، في مقابل تمرير التمويل فقط للمشاريع التي تخفف الأعباء عن الحكومة بشكل مباشر".

وتُوجّه معظم المساعدات الاجتماعية من الولايات المتحدة وأوروبا إلى مشاريع إنشاء مدارس ووحدات صحية ومستشفيات، وتحديداً في قرى الصعيد الأكثر فقراً التي تعترف الحكومة بأن المجتمع الأهلي الممول بمساعدات أجنبية أو تبرعات محلية يتولى أكثر من 70 في المائة من الأعمال الإنشائية واللوجستية.

وكان مصدر دبلوماسي أوروبي قد قال لـ"العربي الجديد" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعليقاً على دعوة السيسي لتعديل القانون، إن "التعديل لن ينعكس بالإيجاب على الوضع الحالي، الذي تمارس فيه الحكومة الضغوط عرفياً لإجبار الدول الغربية على توجيه الدعم إلى جمعيات بعينها يؤيد مديروها النظام الحاكم، على الرغم من عدم تمتعها بالخبرة الكافية في مجالات العمل الإنساني أو الحقوقي، وأن بعض الدول كألمانيا والسويد والدنمارك وهولندا اضطرت لتوجيه الدعم لجمعيات جديدة أو أخرى غير مختبرة من قبل، لإتمام مشاريع المساعدة التي بدأت بالفعل، فهناك قائمة طويلة من الجمعيات القائمة المحظور التعامل معها بسبب مواقفها السياسية، أو تصنيفها أمنياً، وفي حالة الإصرار على إرسال تمويل لها، يتم تجميده من دون مبررات". وكانت السويد قد ألغت في سبتمبر/أيلول الماضي اتفاقها مع مصر بشأن المعهد السويدي المقام في الإسكندرية، وأعلنت نقل مقر المعهد بشمال أفريقيا إلى دولة أخرى، وذلك بعد أشهر قليلة من انتقادها الإبقاء على قانون العمل الأهلي، وتهديدها بوقف تمويل مشاريع تنموية وتعليمية.