السباق للرقة: أميركا تفاوض باسم الأكراد وتركيا تعتبرها معركتها

28 أكتوبر 2016
تركيا ترغب بالتوجه للرقة في إطار درع الفرات(حسين ناصر/الأناضول)
+ الخط -
يطرح الحديث الدولي المتزايد عن قرب معركة تحرير الرقة السورية من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتي يبدو أنه يراد لها أن تنطلق قبل نهاية معركة الموصل، تساؤلات عن هوية القوات التي ستشارك فيها، وهو الموضوع الذي بدأ يثير خلافات منذ الآن، ليبدأ "السباق" إلى الرقة بين القوى المختلفة المتواجدة على الأرض. وتُعدّ الرقة العاصمة الثانية لتنظيم "داعش" بعد الموصل، ومن المتوقع أن يستشرس التنظيم في الدفاع عن وجوده فيها، ما يعني أنها ستشهد معركة قاسية وأصعب من معركة الموصل، في ظل عدم وضوح صورة القوات التي ستكون محور الهجوم. هذا الأمر يخلق تساؤلات كبيرة، مع إعلان تركيا أن عملية "درع الفرات" التي تقودها في شمال سورية ستصل الرقة، مقابل رفضها مشاركة المليشيات الكردية في هذه العملية، فيما تصر الولايات المتحدة على ضرورة إشراك هذه الوحدات في المعركة. ومن هنا يبرز دور للجيش السوري الحر في هذه المعركة، وسط تساؤلات عن قدرته على توفير العديد لهذه المعركة، في ظل انشغاله بقتال التنظيم والنظام السوري وحلفائه وفصائل كردية في مناطق سورية متعددة.

مقابل ذلك، تُطرح تساؤلات عن إمكان مشاركة قوات النظام السوري في حرب الرقة، فيما يستمر صمت النظام وحلفائه حول الأحاديث المتزايدة عن اقتراب المعركة، في وقت يُتوقع فيه أن يحضر هذا الملف خلال اللقاء الثلاثي المقرر اليوم في موسكو بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، ووزير خارجية النظام وليد المعلم، والذي قد يصدر عنه موقف موحّد حول قضية الرقة.

تركيا راغبة في المشاركة
وبدا أن التحالف الدولي بدأ في وضع اللمسات الأخيرة على خطة عسكرية لاستعادة السيطرة على الرقة، فيما كان واضحاً أن تركيا لم تصل إلى تفاهمات بعد مع الولايات المتحدة لجهة استبعاد مليشيات الوحدات الكردية من المعركة. وأطلق وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، ونظيره البريطاني مايكل فالون، أمس الأول الأربعاء، بداية العد العكسي لانطلاق المعركة، مع إعلانهما أن الهجوم لاستعادة المدينة سيبدأ في الأسابيع المقبلة. وأكد كارتر "أننا قادرون على دعم الهجومَين على الموصل والرقة في الوقت ذاته". ويدرك التحالف الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، أن انتزاع السيطرة على مدينة الرقة وريفها يحتاج إلى قوات كبيرة متجانسة، لذا بدا أنه يحاول إقناع الأتراك بالاشتراك في المعركة المنتظرة مع فصائل المعارضة السورية المرتبطة بها. ولكن أنقرة تربط أمر مشاركتها بعدم وجود وحدات "حماية الشعب" الكردية، الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، وهو ما أعلنه بشكل واضح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو.

وأكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمس رغبة بلاده في التوجه جنوباً نحو مدينة الباب في محافظة حلب ومدينة الرقة لتطهيرهما من تنظيم "داعش" في إطار عملية درع الفرات، معلناً أنه تحدّث إلى نظيره الأميركي، باراك أوباما، وأبلغه أن بلاده ستتخذ خطوات في هذا الإطار. وشدد أردوغان في كلمته في القصر الرئاسي في أنقرة، على عدم احتياج بلاده لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" أو "وحدات حماية الشعب" الكردية في عملية تحرير الرقة.

وتبدو تركيا طامحة للمشاركة في معركة تحرير الرقة لتأكيد نفوذها في شمال سورية، ولدفن مشروع يعمل عليه حزب الاتحاد الديمقراطي في تشكيل إقليم كردي في شمال سورية. كما أن الوجود التركي في العمق السوري يفرض أنقرة لاعباً مهماً في أي تسويات مقبلة ربما تحدد مستقبل المنطقة. وأعاد وزير الدفاع التركي فكري إشيق، أمس، حسم موقف أنقرة من رفض أي دور كردي في المعركة المنتظرة، معلناً في حديث تلفزيوني، أن بلاده طلبت من الولايات المتحدة ألا تدع "وحدات حماية الشعب" الكردية تدخل مدينة الرقة، مضيفاً أن تركيا مستعدة لتقديم الدعم العسكري في سبيل استعادة السيطرة على المدينة. في المقابل، تعتبر واشنطن الوحدات الكردية "حليفاً ميدانياً" فعالاً في حربها ضد تنظيم "داعش"، وقدّمت لها الدعم العسكري والغطاء الجوي الكثيف في العديد من المعارك التي خاضتها مع التنظيم بدءاً من معركة عين العرب، ومن ثم معارك دحر التنظيم في جنوب الحسكة، وفي منطقة تل أبيض شمال الرقة، وأخيراً معركة السيطرة على منبج.

وفي تجاهل للموقف التركي، قال قائد القوات الأميركية في العراق وسورية الجنرال ستيفن تاونسند، إن الوحدات الكردية ستكون من ضمن القوة التي ستعمل على عزل الرقة. وأضاف تاونسند: "تركيا لا تريد رؤيتنا نعمل مع قوات سورية الديمقراطية في أي مكان خاصة في الرقة. نجري محادثات مع تركيا وسنقوم بذلك تدريجياً." واعتبر أن "القوة الوحيدة التي تتمتع بالقدرة في أي مدى قريب هي قوات سورية الديمقراطية والتي تشكل وحدات حماية الشعب جزءاً كبيراً منها. وسنتحرك قريباً لعزل الرقة بالقوات المستعدة للذهاب". كلام يفتح الباب أمام حصول محادثات أميركية تركية للتوصل إلى تفاهم قد يسمح للوحدات الكردية بالمشاركة في المعركة تحت عباءة قوات "سورية الديمقراطية" التي تضم فصائل مسلحة عربية وتركمانية، ولكن الوحدات تشكّل ثقلها الرئيسي، خصوصاً لجهة القيادة والتوجيه.



اعتراضات على "الوحدات"
وفي السياق، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن مسؤولين من وزارة الخارجية الأميركية التقوا في جنوب تركيا عدداً من الشخصيات السياسية المعارضة المتحدرة من مدينة الرقة لاستمزاج آرائها حول المعركة المقبلة. وأشارت المصادر إلى أن هذه الشخصيات أوصلت للإدارة الأميركية رسائل مفادها أن اشتراك الوحدات الكردية في معركة تحرير المدينة "سيكون له تبعات سلبية عليها"، خصوصاً أن الشارع السوري فَقَد ثقته بهذه المليشيا إثر عمليات التهجير والتطهير العرقي التي قامت بها في المناطق التي سيطرت عليها في شمال وشمال شرق سورية. وأضافت المصادر: "لن تجد هذه الوحدات أي ترحيب من أهالي الرقة الذين يريدون التخلص من تنظيم داعش، ولكن ليس على يد قوة أخرى تدخلهم في معترك لا يقل خطورة".

في المقابل، أكد قيادي في التحالف العربي التركماني في شمال الرقة لـ"العربي الجديد" أن أي مشاركة للمليشيات الكردية في معركة الرقة "مرفوضة من العرب والتركمان الذين تعرضوا للتهجير والاضطهاد على يد هذه المليشيات"، مشيراً إلى أن سكان الرقة لن يقبلوا إلا بالجيش السوري الحر محرراً للمحافظة بمساعدة من الجيش التركي، وطيران التحالف. ومن المتوقع أن يكون لـ"لواء ثوار الرقة" الذي يضم عدداً كبيراً من مقاتلي محافظتي الرقة ودير الزور، دور كبير في معركة الرقة المقبلة، وهو من أكثر الفصائل العسكرية في المنطقة الشرقية من سورية تنظيماً. ويتمركز اللواء الذي شُكّل منتصف عام 2012، في ريف الرقة الشمالي، وهو انضوى ضمن قوات "سورية الديمقراطية" لأسباب تتعلق بالجغرافيا والدعم. ولكن اللواء لا يزال يرفع راية الثورة السورية، ويصب جهوده باتجاه انتزاع السيطرة على محافظة الرقة برمتها من التنظيم إثر خروجه منها في بداية عام 2014.

ومن غير الواضح بعد السيناريو الذي سيتبعه التحالف الدولي في معركة الرقة، ولكن من المرجح أن يبدأ الهجوم من ناحية الشمال، وهي الجهة الرخوة بالنسبة للتنظيم، إذ تتمركز قوات كردية في منطقة تل أبيض (شمال نحو 100 كيلومتر)، وأخرى للجيش السوري الحر، كما من المتوقع أن تندفع قوات من داخل الأراضي التركية تتبع للمعارضة بعد التوصل لتفاهمات مع الوحدات الكردية تنسحب على إثرها من المنطقة فاسحة المجال لهذه القوات بالتقدّم. ورأى المحلل العسكري العقيد الطيار مصطفى بكور، أن مصير معركة الرقة "مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصير معركة الموصل في شمال العراق"، معرباً عن اعتقاده أن "سيناريو معركة الرقة، سيشبه كثيراً سيناريو معركة الموصل"، مضيفاً في حديث لـ "العربي الجديد": "ستبدأ المعركة بفرض حصار شديد، وتكثيف القصف الجوي مع ترك ممر آمن لعناصر التنظيم للخروج من المدينة". وأعرب بكور عن اعتقاده أن "التحالف الدولي سيترك لمقاتلي التنظيم ممراً باتجاه البادية السورية إلى الجنوب من الرقة، ومن البادية السورية باتجاه صحراء الأردن، ثم شمال السعودية لتبدأ حلقة جديدة من مسلسل تدمير الدول العربية"، وفق بكور. وأشار إلى أن مسألة عزل الرقة ومحيطها "وارد"، ولكنه ربط الأمر بنتائج معركة الموصل.

معركة قاسية
من جهته، رأى المحلل العسكري، العقيد أديب عليوي، أن القوات المهاجمة للرقة ستنتظرها مصاعب جمة، معرباً عن اعتقاده أن معركة الرقة ستكون أصعب من معركة الموصل، باعتبارها "معركة وجود للتنظيم". ووردت أنباء لم يتسنَ التأكد منها من مصادر مطلعة عن قيام التنظيم بنقل عدد كبير من عائلات قادته ومقاتليه من شمال العراق إلى مناطق في الرقة ودير الزور، ما يشير إلى نيّة التنظيم الدفاع عن شرق سورية بكل ما أوتي من قوة، فهزيمته فيه تعني بداية نهايته في سورية والعراق. وأوضح عليوي أن استراتيجية القتال الأساسية لدى التنظيم تقوم على المفخخات والعمليات الانغماسية والأنفاق، مضيفاً: "أعتقد أنه سوف يستشرس في معركة الرقة"، معرباً عن اعتقاده أنه من المبكر الحديث عن المحور الرئيسي للمعركة "لأن هناك الكثير من العوامل التي تلعب دوراً في ذلك، وأهمها القوة الرئيسية المشتركة التي ستقوم بالهجوم".

وأدت سيطرة التنظيم على محافظة الرقة عام 2014، إلى حركة نزوح وهجرة غير مسبوقة في مجتمع زراعي كان مستقراً، وجد نفسه ضحية صراعٍ دامٍ بين التنظيم والنظام السوري، ومن ثم طيران التحالف الدولي والطيران الروسي، ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين، وتدمير أغلب المرافق الحيوية، وخصوصاً الجسور التي تربط "الشامية"، وهي التسمية المحلية للمنطقة التي تقع جنوب نهر الفرات، بمنطقة الجزيرة التي تقع شمال النهر في المحافظة الأكثر أهمية زراعياً في سورية.

وتعدّ الرقة أول محافظة سورية خرجت عن سيطرة نظام الأسد، إذ طُرد منها في بدايات عام 2013 من قِبل فصائل المعارضة، ويعتبر سوريون يوم الرابع من مارس/آذار من ذاك العام فيصلاً بين مرحلتين ليس في الرقة فحسب، بل في سورية كلها. وللرقة التي تقع إلى الشرق من العاصمة دمشق بنحو 500 كيلومتر، أهمية استراتيجية، فهي من أهم المحافظات السورية اقتصادياً، ومن المحافظات الزراعية الهامة فضلاً عن غناها بالبترول، كما تحتضن أهم السدود المائية السورية المشيّدة على نهر الفرات الذي يشطرها من الوسط، وهما سد الفرات في مدينة الطبقة (60 كيلومتراً غرب الرقة) الذي تقع خلفه بحيرة بطول 80 كيلومتراً وعرض 8 كيلومترات، وسد "البعث". وكلا السدين بنيا بخبرة روسية، ومن بحيرتهما تتفرع قنوات صرف مائي تروي مساحات زراعية هائلة تنتج محاصيل استراتيجية (القمح والقطن) كان يعتمد عليها الاقتصاد السوري إلى حد كبير. ومن المتوقع أن يضطر عدد كبير من سكان مدينة الرقة، وبعض ريفها إلى النزوح من منازلهم مع بدء المعركة المنتظرة، ولكن خط سير هؤلاء النازحين يتوقف على الجهة التي ستدخل منها القوات المهاجمة، وطريقة التعامل معهم من قبل هذه القوات، إذ من المتوقع أن يتجه النازحون إلى الجهة التي سيأتي منها الجيش السوري الحر.