الحملة ضد قطر: محور الرياض-أبوظبي يحرج حلفاءه اللبنانيين بموقفه من "حماس"

12 يونيو 2017
بنت جبيل-2006 التي أعادت قطر إعمارها بعد العدوان الإسرائيلي(Getty)
+ الخط -
لم تستوعب الأحزاب السياسية المقربة جداً من محور الرياض ــ أبو ظبي في لبنان، عدائية الحملة التي يشنها حليفهم الإقليمي ضد قطر، وهو ما ترجم بصمت طويل أو بتضامن خجول جداً تفادى ذكر كلمة قطر، حتى عند أشد الموالين لهاتين العاصمتين. ويبدو أن من وحّدتهم "عاصفة الحزم" سابقاً، غير مقتنعين تماما برواية محور الرياض ــ أبو ظبي اليوم ضد الدوحة. وقد أحرج المحور السعودي ــ الإماراتي حلفاءه في بيروت بشكل غير مسبوق من بوابة الحملة العدائية ضد قطر، لا حبّاً من قبل هؤلاء بهذه الدولة، بل على خلفية العناوين المعلنة من قبل "المحور" ضد الدوحة، وتحديداً القضية الفلسطينية، والالتزام القطري بحق الشعب الفلسطيني. وينبع الإحراج الأكبر اليوم عند الحلفاء اللبنانيين للرياض وأبو ظبي، من تصويب هاتين العاصمتين نيران الحصار والتحريض والعداء نحو ما تقولان إنه "علاقة قطر بحركة حماس"، ذلك أن لا طاقة لأي طرف لبناني رئيسي، على إعلان تعاطيه مع "حماس" على أنها حركة "إرهابية" أو تخريبية، وخصوصاً أن الحملة ضد "حماس" جاءت مفاجئة بعدما أقرت الحركة وثيقتها السياسية باتجاه "معتدل" بالنسبة لكثيرين، وتحديداً لأن اللبنانيين كما العرب والعالم يدركون تماماً أن الحركة لم تنفذ أي عملية عسكرية خارج حدود فلسطين، وبالتالي لم تتسبب بأي إحراج لأي دولة، عربية أو غير عربية.

وتحضر السعودية والإمارات في مُختلف تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية، من بوابة الحلفاء المُباشرين للمملكة خصوصاً في لبنان. يتبنى هؤلاء، وعلى رأسهم "تيار المستقبل"، تسويق السياسات السعودية، واعتماد "خطاب الاعتدال في مواجهة التطرف". وهو خيار سياسي فرض على السياسيين اللبنانيين التعايش مع جملة تناقضات فرضتها السياسات السعودية الإقليمية عليهم في لبنان. فهم مُتحالفون سياسياً مع "الجماعة الإسلامية" (الجناح اللبناني للإخوان المسلمين)، ولكنهم يؤيدون بشكل عام السعودية التي أدرجت "الإخوان" على قائمة المنظمات "الإرهابية" لديها.

وفي حين يُشكل وقف دعم حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أحد أبرز أهداف هذه الحملة التي تطاول قطر اليوم، لم ينس النواب اللبنانيون الثلاثة الذين زاروا قطاع غزة عام 2012 تضامناً مع أهل القطاع ضد العدوان الإسرائيلي، إلباسهم الكوفية الفلسطينية على يد رئيس المكتب السياسي الحالي لـ"حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) إسماعيل هنية. مثّل الوفد يومها نواب تحالف الرابع عشر من مارس/آذار، حلفاء الرياض المباشرين، وضم نائبين من "المستقبل" ونائبا عن "حزب القوات اللبنانية" تضامنوا مع أهل غزة ضد العدوان الإسرائيلي عليها. ويلتزم هؤلاء اليوم موقف رئيس الحكومة سعد الحريري، الداعي لـ"الحياد الإيجابي" تجاه حملة أنظمة السعودية والإمارات والبحرين ومعهم النظام المصري ضد قطر. هو حياد خالفه وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي انحاز ضد قطر خلال كلمة وجهها في إفطار رمضاني مساء الخميس، بوصفها "دولة عربية صغيرة ترتكب أخطاء كبيرة وتسبب مشاكل كثيرة"، قبل أن ينفي، الجمعة، أن تكون قطر هي المعنية بهذا الحديث، ثم يعود لينفي النفي لاحقاً، ما جعل الرجل، مجدداً، مصدر انتقادات اقتربت من حد السخرية الحادة. علماً أن المشنوق سبق أن استخدم وصف "الدولة العربية الصغيرة" لاتهام قطر بتمويل الحراك المدني والشعبي الذي انطلق في بيروت والمناطق بعد أزمة النفايات.

باستثناء تصريح وحيد من باريس مطلع الأسبوع الحالي لوزير الخارجية عادل الجبير، لم تُسم السعودية حركة "حماس" كتنظيم "إرهابي"، ولم ينضم اسم الحركة إلى أي من قوائم "الإرهاب" العربية. قال الجبير إن "الكيل طفح، وعلى قطر أن تتوقف عن دعم جماعات مثل الإخوان وحماس". وذلك في استكمال للتناقضات السعودية، إذ يعرف العالم بأسره أن حماس لم تقم يوماً بأي عملية خارج حدود فلسطين. وفي استنساخ حرفي للمفردات الأميركية بات للسعودية "محور" خاص بها تواجهه، أسوة بالمحور الأميركي القديم من دول الشر، أو الدول المارقة، وكان يتألف من إيران وكوريا الشمالية وسورية وفنزويلا. يضم هذا المحور اليوم بالنسبة للرياض ــ أبو ظبي "حركة الإخوان المسلمين" و"حماس" و"حزب الله" وإيران.

ويتعاطى حلفاء محور الإمارات والسعودية في لبنان مع هذه القوى والحركات المذكورة بشكل أو بآخر، ولم تؤدِّ قرارات سعودية سابقة إلى قطع العلاقة معهم. وفي حين يُشكل "حزب الله" القوة الضاربة في جيش المليشيات التي تُديرها إيران في مُختلف الدول العربية من سورية إلى اليمن والعراق، سبق لوزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، أن رفض تصنيف مجلس وزراء الداخلية العرب التابع لجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي للحزب كـ"تنظيم إرهابي"، عام 2016. وهو قرار حظي بغطاء سياسي من "المستقبل" ومُختلف القوى لاعتبارات داخلية. كما لا يزال سلاح "حزب الله" مُشرعاً بشكل رسمي من خلال مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون، والبيان الوزراي لحكومة الرئيس سعد الحريري الثانية التي يشارك الحزب فيها بوزيرين.

ويتواصل التحالف السياسي بين "الجماعة الإسلامية" و"تيار المستقبل" في مختلف الاستحقاقات الانتخابية بلدية كانت أو نقابية، ويُتوقع أن يتواصل الطرفان خلال الانتخابات النيابية المُقبلة لوجود مساحات مشتركة ضمن الدوائر الانتخابية في بيروت وصيدا والشمال والبقاع. والنائب الوحيد اليوم لـ"إخوان" لبنان، عماد الحوت، فاز بمقعده بعدما أدرجه "المستقبل" على لائحته في بيروت.

أما "حماس" فقد أحجم عدد من النواب المنضوين في كتل نيابية محسوبة على "محور الرياض ــ أبو ظبي" عن التصريح لـ"العربي الجديد" بشأن الموقف السعودي المُتشدد تجاهها. وعبّر أحد النواب عن حرج شخصي من التعليق على "قرار خنق حركة مقاومة مُشرفة". نجحت السعودية سابقاً في توحيد مُختلف القوى السُنية في لبنان تحت لواء "عاصفة الحزم" إبان إعلان حربها على الانقلاب في اليمن، وهو نجاح لم يقتصر على إعادة لم شمل القوى السنية التقليدية المتحالفة معها، بل طاول حلفاء مباشرين لـ"حزب الله" والنظام السوري كالوزير السابق عبد الرحيم مراد. لكن الصورة تغيرت اليوم، وبات حلفاء السعودية في لبنان أقل جرأة على المجاهرة بدعم سياسات المملكة.

وكان لافتاً أنه في عز الحملة السعودية - الإماراتية - البحرينية على قطر، استضاف السفير القطري في بيروت علي بن حمد المري، قبل يومين، وزراء الثقافة والشؤون الاجتماعية والأشغال والشؤون الاجتماعية والاقتصاد، غطاس خوري (تيار المستقبل)، بيار أبي عاصي (القوات اللبنانية)، يوسف فنيانوس (تيار المردة)، رائد خوري (من حصة رئيس الجمهورية في الحكومة)، وعدداً من النواب على مائدة إفطار. وبحسب أحد الحاضرين فقد تخلل الإفطار تأكيد على دور قطر الإيجابي في لبنان عل مُختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية.



المساهمون