ويمنح الدستور العراقي بنسخته الجديدة التي أقرت في عام 2005، الحرية للمحافظات العراقية، بتقديم طلب للانتقال من صفة محافظة إلى إقليم، بعد إجراء استفتاء شعبي من قبل مفوضية الانتخابات، على أن يوافق عليه أكثر من نصف الناخبين في المحافظة. ونتيجة لذلك، تصبح المحافظة إقليماً إدارياً على غرار إقليم كردستان العراق. كما يجيز الدستور توحد محافظات عدة في الإقليم، لتبقى السلطة الاتحادية النافذة لبغداد في سنّ القوانين وتوزيع الموارد.
ويواجه دعاة مشروع إقليم البصرة تهماً بمحاولة التملص من الإخفاق في إدارة المحافظة، عبر رمي المسؤولية على بغداد وحدها، واعتبار أن صيغة الإقليم هي مفتاح حلّ جميع المشكلات التي تعاني منها المحافظة. وبذلك، يتبرأ هؤلاء من المسؤولية عما آلت إليه أحوال المحافظة، على اعتبار أن أحزاب بغداد الحاكمة هي التي تدعم القوى السياسية المسيطرة في المحافظة، وهي التي زادت أخيراً في دعمها لفصائل وجهات مسلحة تحولت إلى قواتٍ منافسة للشرطة والجيش.
وتتصدر محافظة البصرة، إلى جانب بغداد والفلوجة، معدلات الإصابة بمرض السرطان، ما يعزوه مختصون إلى الأسلحة الأميركية المحرمة دولياً، والتي استُخدمت خلال غزو العراق (2003)، وكذلك بسبب تلوث البيئة بفعل تركّز غالبية الإنتاج النفطي العراقي في المحافظة، بينما سجّل الفقر والبطالة معدلات قياسية فيها. وفي هذا الإطار، تشير أرقام اطلعت عليها "العربي الجديد" من ديوان المحافظة، إلى أن نسبة الفقر في البصرة تخطت عتبة 30 في المائة، كما تقترب نسبة البطالة أيضاً من هذا الرقم. ويأتي ذلك في ظل انهيار للقطاعين الصحي والتعليمي في المحافظة، وللبنية التحتية.
ويتقاسم منذ عام 2006 كلٌّ من حزب "الدعوة" بزعامة نوري المالكي، و"التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، و"تيار الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، إدارة المحافظة الأغنى في العراق، والتي تحتوي على أغلب حقول النفط والغاز المنتجة، فضلاً عن موانئ بحرية مطلة على الخليج العربي ومنافذ برية تجارية عدة مع إيران والكويت، وذلك بالإضافة إلى مشاركة ثانوية لأحزاب أخرى، أبرزها حزب "الفضيلة".
وعاد الحراك السياسي والدعوات لإقامة إقليم البصرة مجدداً من خلال فعاليات سياسية مختلفة داخل المحافظة، اعتبرت أن طريق الخلاص هو بتشكيل إقليمٍ ينتخب فيه السكان مسؤوليهم من دون أي تأثير من الأحزاب والفصائل المسلحة. لكن هذا الطرح في حال تحققه، لا يبدد بدوره الخشية الشعبية من بقاء سيطرة القوى المتنفذة الحالية على الإقليم.
ويرى السياسيون الداعمون لتحويل البصرة من محافظة إلى إقليم، أنه من الضروي بدء السعي لهذا الطرح بشكل فوري، على الرغم من استحالة الشروع حالياً بخطوات عملية في إطاره، بسبب إلغاء مجالس المحافظات، والاضطرار للانتظار إلى حين إجراء الانتخابات وإنشاء مجالس جديدة. هذه المجالس حينها ينبغي عليها القيام بالخطوة الأولى الدستورية، وهي التصويت على المشروع، ومن ثم إرسال طلب استفتاء عليه إلى مفوضية الانتخابات في بغداد.
ويقول محمد الطائي، وهو نائب سابق وسياسي بارز في المحافظة، ومن الداعمين لمشروع الإقليم، إن "عودة حراك إنشاء إقليم البصرة، لا يهدف إلى تهدئة الشارع البصري الناقم والغاضب، بل هو حراك حقيقي مدعوم سياسياً وشعبياً". ويوضح الطائي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المطلب قديم جداً، ولم تطوَ صفحته، وقُدّم فيه طلب منذ عام 2015، وصدر قرار من مفوضية الانتخابات بالموافقة عليه، وكذلك أمرٌ إداري بالموافقة على تحويل محافظة البصرة إلى إقليم، لكن من عطّله هو رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، الذي تحجج بقضايا عدة، من وجود تنظيم داعش إلى التخصيصات المالية وغيرها، لإفشاله".
ويلفت الطائي في هذا الصدد إلى أنه "بعد إجراء حوارات مع العبادي ومع مكتبه، تبيّن أن رفضه وتعطيله للقانون، يشكل خرقاً دستورياً للمادة 119 ومخالفة لقانون 13 لسنة 2008". ويبرز النائب عن المحافظة، أن "تعطيل المشروع كان متعمداً، للحفاظ على تبعية البصرة للقوى السياسية، وإبقاء نفطها مباحاً لها وتحت رحمتها وسيطرتها، وكذلك إبقاء المواطن البصري بعيداً عن نيل حقوقه، ومرهوناً للقوى النافذة". ويؤكد الطائي أن "الحراك لإنشاء إقليم البصرة، استمر مع وصول عادل عبد المهدي إلى السلطة، لكن التظاهرات الشعبية، ثم أزمة وباء كورونا، أدتا إلى تأجيله"، مؤكداً عودة الطرح "على أن يكون مستهله إقامة دعوى قضائية على مؤسسة رئاسة الوزراء، لخرقها الدستور ومخالفتها القانون، مضمونها إجبار هذه السلطة على تطبيق قرارات مفوضية الانتخابات".
وحول ما إذا كانت هناك ضمانات بعدم استمرار سيطرة الأحزاب السياسية على إقليم البصرة في حال إنشائه، يرى الطائي أن "هناك قوى سياسية تروج لذلك للتشويش على مطلب جماهيري"، معتبراً أن "الدليل الأهم على استحالة ذلك، هي نتائج انتخابات 2018، حيث سجلّت البصرة نسبة مشاركة لم تتخط 18 في المائة، ما يعني أن أكثر من 80 في المائة لم يشاركوا، يقفون ضد الأحزاب الحاكمة والنافذة في المحافظة، وهم لن يصوتوا لصالحها في حال حصول انتخابات خاصة بالإقليم".
بدوره، يؤكد النائب عن محافظة البصرة، عبد عون العبادي، أن "الدعوات لإنشاء إقليم البصرة انطلقت منذ سنوات من الشارع، إلا أنها لم تحصد نجاحاً، واليوم يوجد توجه لإعادة إحيائها". في المقبل، يرى العبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن جهات سياسية "تحاول الدخول على خطّ المشروع وركوب موجته، منها من يروج للمسألة فقط من أجل تهدئة الشارع الناقم". ويؤكد العبادي أنه "من الداعمين لإقليم البصرة، فوضع المحافظة التي تؤمن غالبية موازنة العراق، كارثي"، محملاً "الحكومة العراقية المركزية مسؤولية ما وصلت إليه أحوال البصرة، وكذلك الحكومات المحلية في المحافظة، خصوصاً أن الأخيرة تتشكل بموجب توافقات بغداد".
في المقابل، ينفي القيادي في تحالف "الفتح"، النائب عن محافظة البصرة، عامر الفايز، وجود تأييد شعبي لمطلق تحول البصرة إلى إقليم، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، غلبة الرفض الجماهيري والسياسي لمثل هذا الطرح، الذي اعتبر أنه "يخدم جهاتٍ سياسية محددة تريده، وتحاول أن تغلفه بعنوان جماهيري". ويتحدث الفايز عن "وجود انقسام واضح حول المشروع على المستوى الشعبي بين مؤيد ورافض له، كما أن هناك تخوفا من سيطرة جهات سياسية محددة على البصرة، إذا ما تحولت إلى إقليم"، معتبراً أن "الوقت والظرف الحالي غير مناسبين لإعلان البصرة إقليماً". ويؤكد النائب العراقي أن "الحراك الجديد في هذا الخصوص سيكون مصيره الفشل مجدداً، خصوصاً أن الظروف التي يمر بها العراق، أصعب من السابق".
هذا الموقف يتعارض مع رؤية رئيس أحد المجالس العشائرية في البصرة. ويقول الشيخ رائد الفريجي، لـ"العربي الجديد"، إن "إقليم البصرة مطلب الشارع، الذي يرى أن الخلل نابع من بغداد"، مشدداً على شعور "المواطن البصري بالتهميش، خصوصاً أن بغداد لم تفعّل قانون رقم 21 الذي يمنح صلاحيات للحكومة المحلية".
ويرى الفريجي في حديثه أن الحراك من أجل إقليم البصرة هو "حراك جاد، الهدف منه ليس إعلامياً أو رسالة لأي حزب، أو محاولة لتنفيس غضب الشارع، لكن الحكومة المركزية وجهات نافذة في بغداد ترفض هذا التوجه بهدف مواصلة استنزاف خيرات البصرة". إلا أن المسؤول العشائري يقر في الوقت ذاته بحاجة المشروع إلى توافق سياسي، وهو ما لم يحصل حتى الساعة، بل إن الأغلبية السياسية في بغداد تقف ضده". وحول أسباب ذلك، يرى أنها ترتبط بـ"الثقل الذي تمثله البصرة على الصعيدين المالي والاقتصادي، ما يدفع القوى المهيمنة إلى مواصلة العمل على إفشال المشروع".
وتعليقاً على ذلك، يعتبر الخبير السياسي العراقي أحمد الحمداني، أن المشروع طرح في الأساس كوسيلة للتملص من حال الفشل الذي تعيشه البصرة، وإلقاء المسؤولية حوله على الآخرين، وهو طرح يتجدد مع كل موجة غضب شعبية. ويرى الحمداني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مخصصات البصرة السنوية، هي الأعلى بين محافظات العراق، وتكاد تكون موازية لمخصصات بغداد، لكن واقع المحافظة هو من بين الأسوأ، حيث يتغلغل الفساد المالي ويسود تقاسم النفوذ بين الأحزاب والمليشيات المسلحة، وهو ما سيستمر حتى مع تحول البصرة إلى إقليم". أما عن الحل، فهو يكمن برأيه "في الانتخابات المقبلة، وقدرة الحراك الشعبي على إنتاج حركة أو تكتل سياسي يعمل على إصلاح أوضاع المحافظة".