أرقام متباينة وتصنيفات
ولا تفصح الحكومة العراقية عن عدد السجناء الكلي في البلاد، الذين تتوزع أرقامهم على وزارات عدة، أبرزها العدل والدفاع والداخلية والاستخبارات والأمن الوطني، ويتوزعون على أكثر من 30 سجناً في البلاد. أبرز هذه السجون سجن الحوت أو الناصرية، وسجون التاجي والتسفيرات والكاظمية والكرادة وبغداد الجديدة والمطار ومعسكر الرشيد والحرية وسوسة والبصرة. وتختلف التقديرات بشأن عدد السجناء الحقيقي، إذ تقول وزارة العدل إن لديها نحو 30 ألف نزيل، دون أن تفصح وزارات الدفاع والداخلية والأمن الوطني والاستخبارات، وحتى "الحشد الشعبي"، عن العدد الذي تحتجزه منهم، ما يدفع الكثير من المراقبين إلى طرح أرقام متباينة بين 100 و140 ألف سجين في العراق، فيما يتحدث آخرون عن ضعف هذا العدد، وأن الكثيرين منهم يدلون باعترافات بجرائم لم يرتكبوها للتخلص مما يطلق عليه عرفاً في سجون العراق بـ"تعلولة التعذيب"، بمعنى "سهرة التعذيب".
ويصنف أكثر من نصف السجناء في البلاد بأنهم مسجونون على ذمة التحقيق، بعضهم منذ سنوات، ما يعتبر مخالفة قانونية ودستورية. ووعد مجلس القضاء الأعلى في بيان سابق، بزيادة عدد قضاة التحقيق، لتسريع النظر بملفات هؤلاء السجناء، وإطلاق سراحهم أو إدانتهم.
وبحسب مسؤولٍ عراقي رفيع، فإن الحكومة قررت إلغاء خططٍ سابقة لهدم سجن أبو غريب المغلق حالياً، واستثماره في مجمعات سكنية. وتقرر إعادة تأهيل هذا السجن سيئ الصيت، وإدخال عمليات توسعة وتحصينات مشددة عليه. وتحدث المصدر كذلك عن خطط لتوسعة سجن التاجي (شمالي بغداد)، والحوت في الناصرية (جنوبي بغداد)، مع تسريع وتيرة العمل في سجن بابل (جنوب بغداد)، الواقع في ناحية الكفل، جنوبي الحلة، العاصمة المحلية لمحافظة بابل في جنوبي العراق، ويتسع لنحو 20 ألف سجين، والذي أقرت خطة بناءٍ له منذ العام 2013.
وأوضح المصدر، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الخطة الحالية تهدف إلى زيادة القدرة الاستيعابية للسجون، وفكّ الاختناق الحاصل فيها، إذ وصلت بعض السجون إلى حد الاكتظاظ، كما هي الحال في سجون التاجي والحوت والرصافة والكاظمية. ولامست هذه السجون معدل مترين لكل سجين، ما أصاب السجناء بحالات تدرن واختناق ومشاكل تنفسية مختلفة وحساسية وأمراض جلدية.
خليّة عمل
وبحسب المصدر، فإن السبب الرئيسي الداعي لتسريع وتيرة العمل على الخطة، هو استيعاب سجناء تنظيم "داعش"، الموجودين في سورية من العراقيين والأجانب، مع وجود دعمٍ مالي أوروبي، بحيث تكون السجون في العراق مطابقةً للمعاير الدولية من حيث عدد السجناء في العنابر. وأضاف أن التحقيق والمحاكمة للنزلاء سيتمان أيضاً بشكل مباشر حال تسلمهم، وفقاً للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب في البلاد.
في المقابل، يؤكد موظفٌ في دائرة الإصلاح العراقية التابعة لوزارة العدل، أن الوزارة شكلت خلية عمل استثنائية لملف السجناء الموجودين لدى "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في سورية، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن سجون الوزارة غير قادرة على استيعاب آلاف جديدة من المعتقلين. ورأى أن خطوة توسعة السجون وتعجيل إكمال بناء سجن بابل تكتسب أهمية كبيرة، فالسجون الحالية لم تعد كافية.
إهمال وتعذيب
ولا يمر أسبوع في العراق دون أن تسجل حالات وفاة عديدة داخل السجون، بينها ما يحصل بسبب التعذيب أو سوء التغذية أو الإهمال الطبي، وأخرى بسبب تقدم السن لبعض السجناء الذين جرى تسلمهم أصلاً من الجيش الأميركي قبيل انسحابه من العراق.
وأكد رئيس "مركز بغداد لحقوق الإنسان" العراقية، الدكتور مهند العيساوي، لـ"العربي الجديد"، أن "حالات الوفاة في سجون وزارة العدل العراقية تكاد تكون شبه يومية، وكانت الوزارات المعنية تتكتم في بادئ الأمر عنها، كما تتكتم عن الأعداد الحقيقية للمعتقلين، وهو تصرف مريب ومخالف للقانون ويدل على عدم شفافيتها".
وحول أسباب هذه الوفيات، أوضح العيساوي أن "أهمها انتشار الأمراض القاتلة في صفوف المعتقلين في سجون وزارة العدل، والتي لا تتخذ الإجراءات الكفيلة بمواجهتها". ويعتبر مرض السل المعدي الأكثر فتكاً. وبحسب العيساوي، فإن إدارات السجون "لا توافق على نقل المعتقل المصاب بهذا المرض إلى المستشفى، ولا تقوم بعزله عن بقية المعتقلين إلا بعد أشهر من إصابته، ليكون المرض قد انتشر بجسمه وأصبح مستعصياً، وكذلك انتقل لمعتقلين آخرين". وشرح الخبير الحقوقي أنه "حتى المعتقل الذي تعزله الوزارة في سجن الرصافة الثالثة، وهو مكان عزل المعتقلين المصابين بالأمراض الخطيرة، لا توفر له إدارة السجن الغذاء المناسب والكافي للتعافي، كما أن سوء التهوية والاكتظاظ الذي تشهده سجون الوزارة وفرا بيئةً خصبة لانتشار الأمراض".
أما السبب الثاني الذي يقف خلف ارتفاع عدد الوفيات، فهو بحسب العيساوي "التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون في سجون التحقيق قبل نقلهم إلى سجون وزارة العدل، وكذلك سوء المعاملة في سجون الوزارة، والتعذيب الجسدي في بعض الحالات، فضلاً عن الترهيب النفسي المستمر". كما يأتي "عدم توفير التغذية المناسبة والكافية للمعتقلين" كأحد أسباب الموت، "حيث توزع الوزارة طعاماً رديئاً وقليلاً لهم، وتمنع ذويهم من إيصال الطعام لهم خلال الزيارات الشهرية، فضلاً عن الإهمال الطبي الذي اعتادت عليه، وهي من الأسباب الكامنة وراء وفاة كبار السن".
حراس السجون
وأعلنت وزارة العدل العراقية، الشهر الماضي، أنها فاتحت الأمانة العامة لمجلس الوزراء من أجل تخصيص خمسة آلاف درجة وظيفية بصفة حارس ضمن خطة واسعة لتطوير السجون، وذلك استعداداً لقرب افتتاح ثلاثة سجون جديدة.
ونقلت وسائل إعلام محلية بياناً للمتحدث باسم الوزارة، ثائر الجبوري، قال فيه إن "السجون هي: بابل الذي سيتم افتتاحه قريباً، وبغداد المركزي والبلديات، بعد القيام بعملية واسعة من أجل تأهيلهما لغرض زيادة طاقتهما الاستيعابية".
ووصف الخبير في القانون العراقي طارق حرب، الوضع دخل السجون الحالية بالـ"المكتظ"، حيث إن "هناك حيرة عندما تتم إدانة شخص، حول مكان إيداعه"، من دون أن يستبعد أن تكون خطة توسعة السجون "لتهيئة قبول سجناء داعش الموجودين في سورية". على الرغم من ذلك، أكد الخبير العراقي أن "مسألة اكتظاظ السجون والمواقف في العراق، ليست حالة جديدة، أو وليدة اليوم، فالوضع يسير على هذا النحو منذ سنوات، وتحديداً منذ عام 2016 وحتى 2019، ما يوجب على وزارة العدل أخذ الاحتياطات وتهيئة حراس جدد".
واعتبر حرب أن تسلم عناصر "داعش" ممن لم يشاركوا في أعمال إرهابية داخل الأراضي العراقية "خطوة غير صحيحة، لا يوجد تكييف قانوني لها. لكن من نفذ أو تورط بجريمة إرهابية داخل العراق، يمكن للقضاء العراقي أن يطلبه ويحاكمه، حتى لو كان في الصين"، على حدّ قوله.