استفتاء إيطالي حاسم اليوم: مصير الإصلاحات ورينزي والاتحاد الأوروبي

04 ديسمبر 2016
نظم معارضو التعديلات تظاهرات عدة أخيراً (باتريسيا كورتيليسا/Getty)
+ الخط -
تشهد إيطاليا، اليوم الأحد، استفتاء حاسماً، هو الأول من نوعه منذ دخول الدستور الحالي حيز التنفيذ مطلع يناير/كانون الثاني 1948. ويكتسي الاستفتاء أهميته ليس فقط انطلاقاً من حجم الإصلاحات التي سيدخلها على الحياة السياسية في البلاد، إذا ما تم التصويت بـ"نعم" لصالح تمرير التعديلات، بل أيضاً لكونه سيحدد المصير السياسي لرئيس الوزراء ماتيو رينزي الذي تعهد بالاستقالة في حال تم رفض التعديلات، فضلاً عن أن الاتحاد الأوروبي لن يكون بمنأى عن ارتدادات النتائج، لا سيما إذا فشل رينزي وتم اللجوء إلى انتخابات مبكرة، ما قد يجعل الاتحاد أمام اختبار جديد لوحدته في ظل تنامي تيارات اليمين الرافضة للاتحاد داخل إيطاليا.

التعديلات الدستورية المقترحة
والاصلاح الذي يدعو إليه رينزي منذ أشهر يرمي إلى تأمين استقرار سياسي أكبر لإيطاليا التي توالت عليها ستون حكومة منذ 1946، من خلال الحد من صلاحيات مجلس الشيوخ الى حد كبير وتجريده من حق التصويت على الثقة بالحكومة. وتشمل التعديلات وضع حد لنظام البرلمان المؤلف من غرفتين (النواب والشيوخ)، وفق دستور 1947 الساري المفعول، إذ يحصر الوظيفة التشريعية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) فقط على أن يبقى الشيوخ (الغرفة الثانية) مجلساً تميثلياً للأقاليم. كما يخفض عدد أعضاء مجلس الشيوخ إلى مائة (العدد الحالي 320)، بينما يبقى عدد النواب على حاله أي 630 نائباً. كذلك تقلص التعديلات المقترحة من صلاحية رئيس الدولة، إذ تنزع عنه حق حل مجلس الشيوخ (لأنه يصبح مجلساً للأقاليم ومدة ولاية أعضائه مرتبطة بمدة مناصبهم الإقليمية)، وتقصر حقه بالحل على مجلس النواب فقط. ويصبح رئيس مجلس النواب، هو ثاني منصب في الدولة، (رئيس مجلس الشيوخ هو الذي يتمتع حالياً بهذا المنصب).
ومن بين التعديلات المقترحة أن يصبح انتخاب رئيس الجمهورية كل 7 سنوات، من وظائف مجلسي النواب والشيوخ فقط، وألا يكون لممثلي الأقاليم أي مشاركة في ذلك، كما هو الحال عليه الآن، لأن مجلس الشيوخ سيصبح مجلس الأقاليم. كذلك تنص التعديلات المقترحة أن يصبح أي استفتاء شعبي لإلغاء قانون ما بحاجة إلى 150 ألف توقيع بينما لا يحتاج في الوقت الراهن لأكثر من 50 ألف توقيع، وذلك رغبة في تخفيف نفقات تنظيم الاستفتاء التي تجري بواقع واحد كل عام. وتقترح التعديلات أيضاً إلغاء المحافظات من التنظيم الإداري الإيطالي، ليصبح مقتصراً على المقاطعات والبلديات فقط. ومن بين التعديلات المقترحة إلغاء المجلس القومي للاقتصاد والعمل (وكالة حكومية) حرصاً على تخفيف المشاكل البيروقراطية والأعباء المالية على الدولة.



وتعارض التعديلات غالبية الطبقة السياسية من أقصى اليسار وصولاً الى اليمين المتطرف مروراً بالشعبويين من حركة خمس نجوم أو رابطة الشمال وحزب فورتزا إيطاليا برئاسة سيلفيو برلوسكوني أو حتى "غاضبين" من الحزب الديمقراطي الذي يترأسه رينزي وقد دعوا إلى التصويت بـ"لا".
ويعيب المناهضون للاستفتاء عليه أنه جاء باقتراح من مجموعة سياسية واحدة (يسار الوسط)، ولم يشمل مشاركة كافة القوى السياسية. في المقابل، يعدد الداعمون مزايا الاستفتاء باعتباره يضع الكثير من الحلول لمشاكل جذرية تعاني منها المؤسسات السياسية في البلاد.

مصير رينزي والاتحاد الأوروبي
وفي حال تمرير التعديلات، فإن رينزي يكون قد حاز على التفويض الذي تاق له، على اعتبار أن تمرير الاستفتاء، الذي يسانده، هو تفويض له بالاستمرار في منصبه، ما يمكنه من مواصلة تنفيذ سياساته الاقتصادية على مستويي محاربة البطالة وتخفيض الدين العام. كما يمنحه تمرير التعديلات الثقة بالقدرة على الفوز وفريقه في الانتخابات التشريعية، التي يفترض أن تجري نهاية الدور التشريعي الراهن أي في العام 2018. مع العلم أن رينزي، الذي يتولى السلطة منذ نحو عامين، لم يصل إلى الحكم عن طريق الانتخاب المباشر (جرت الانتخابات في 24 فبراير/شباط 2013)، بل بعدما حاز على أغلبية الأصوات في مؤتمر "الحزب الديمقراطي" (يسار وسط)، الذي ينتمي إليه، ليصبح أميناً عاماً له في 8 ديسمبر/كانون الأول 2013. ودفعت تلك النتائج قيادة الحزب، في 13 فبراير/شباط 2014، إلى الطلب من رئيس الوزراء، آنذاك، وعضو نفس الحزب "الحزب الديمقراطي"، إنريكو ليتا، إلى التنحي لصالح رينزي، وهو ما حصل في 14 فبراير/شباط 2014. وشكل رينزي بالفعل حكومة جديدة في 22 فبراير/شباط، ضمت تنظيمه (الديمقراطي) إضافة إلى تشكيلات من يمين الوسط، لكنه ظل أمام الرأي العام زعيماً بلا تفويض شعبي.
أما في حال رفض التعديلات يخشى مراقبون أن يؤدي ذلك إلى فتح الباب أمام انتخابات مبكرة ترجح هيمنة اليمين، الداعي للخروج من الاتحاد الأوروبي، على نتائجها، الأمر الذي قد يمهد لطلاق جديد في القارة العجوز بعد بريطانيا، وهو ما يخشى مراقبون في حال تم أن يشكل ضربة قاضية للاتحاد الأوروبي.
وتعهد رينزي بالاستقالة في حال فشل بتمرير التعديلات الدستورية، لكن الحَكَمَ في هذه الحالة سيكون لرئيس الجمهورية سيرجيو ماتاريلا الذي سيقرر إما الدعوة إلى انتخابات مبكرة أو أن يعهد إلى رينزي مجدداً مهمة تشكيل حكومة جديدة، كما يمكن للرئيس اختيار شخصية أخرى. والخيار الأخير لا يروق لتشكيلات اليمين الشعبوي، مثل "خمس نجوم"، واليمين المتطرف مثل "رابطة الشمال"، و"أخوة إيطاليا"، والذين سيتمسكون باللجوء إلى صناديق الاقتراع في أقرب فرصة ممكنة. وتؤمن تلك التيارات بأنها المرشح الأقوى لحكم البلاد تناغماً مع الانتصار الذي حققه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وقد حاول رينزي في آخر خطاب انتخابي له، قبل بدء التصويت، استمالة الناخبين المترددين للتصويت لصالح التعديلات، قائلاً إن كلمة "نعم يجب ألا تسمح لنا فقط بتغيير إيطاليا بل بتغيير أوروبا، بتغيير العالم". وتتعزز مخاوف رئيس الوزراء الإيطالي من رفض التعديلات بعدما أعطت استطلاعات للرأي تقدماً بين 5 إلى 8 نقاط لرافضي الإصلاحات التي اقترحها رينزي، مع عدد كبير من المترددين، على الرغم من أن نتائج الاستفتاء البريطاني قبل أشهر ونتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية تثير شكوكاً عدة في دقة نتائج الاستطلاعات.
(العربي الجديد، الأناضول، فرانس برس)


المساهمون