واصلت دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأجهزته السيادية والرقابية مشاوراتها بشأن إجراء التعديل الوزاري المرتقب، الذي سبق أن نشر "العربي الجديد" تفاصيل عنه في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد خطاب السيسي في المؤتمر الثامن للشباب الذي خُصص القسم الأكبر منه للرد المباشر على المقاول، الممثل محمد علي، ساهمت مع انطلاقة الدورة البرلمانية الأخيرة من الفصل التشريعي الحالي لمجلس النواب في ارتفاع وتيرة الحديث عن التعديل الوشيك. ودعم ذلك حديث رئيس المجلس علي عبد العال، أمس الثلاثاء، في الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد عن "تقصير الحكومة" وأن "البرلمان لن يسمح للمسؤولين التنفيذيين خلق المشاكل لرئيس الجمهورية" وأنه يجب على "أعضاء الحكومة تحمل المسؤولية وأن يحنوا على الشعب الذي ينتظر منهم الكثير".
محاولة السيسي ودائرته امتصاص غضب الفئات الكادحة الأكثر تضرراً من السياسات الاقتصادية والاقتراض وتخفيض الدعم، والتي مثّلت القسم الأكبر من الحراك الجماهيري الأخير ضده في انتفاضة 20 سبتمبر وما تلاها في الأسبوع الماضي من تظاهرات، إلى جانب مساعي وسائل الإعلام ورئيس البرلمان رمي المشاكل على أكتاف الوزراء، واصطناع عدم علم رئيس الجمهورية بها أو أنه يتدخل فقط لتخفيف معاناة المواطنين، وتعكس جميعها عودة دائرة السيسي إلى الاستراتيجية القديمة التي كان يتبعها نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك مع الأزمات الشعبية المتلاحقة، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة من عهده، ليبدو رئيس الجمهورية وكأنه الملاذ الأخير للمواطن البائس، وأنه يعمل على تخفيف وطأة قرارات الحكومة، وكأنه منعزل عنها وعن سياساتها.
لكن هناك عوامل عدة تمنع تكرار نجاح مبارك مع السيسي، أبرزها أن الأخير كان يحرص طوال السنوات الخمس الماضية على الظهور كمدير وحيد وخبير أعلى في جميع الملفات، بما فيها التقنية والفنية، كالإسكان والزراعة والصحة والتموين والتعليم، من خلال اجتماعاته المتكررة مع الوزراء وضغطه المتواصل عليهم لتغيير سياساتهم وبرامجهم الزمنية، وإجراء تعديل وزاري واحد على الأقل كل عام، مما أفقد الرأي العام ثقته بالتحكم الكامل للوزراء، أو بالأحرى رئيس الوزراء، في أداء الحكومة، وترسيخ رسالة مفادها أن السيسي هو الآمر الناهي الوحيد في السلطة التنفيذية.
وهناك عامل آخر يعوق إقناع المراقبين بمسؤولية الوزراء عن الفشل الإداري للنظام، يتمثل في دفع النظام بضباط المخابرات والرقابة الإدارية وخريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة إلى دواوين جميع الوزارات، واكتسابهم بمرور الوقت سلطة تأثير أكبر من بعض الوزراء في حقائبهم، فضلاً عن التداخل الكبير بين أعمال الوزراء والسلطة التي يتيحها السيسي لجهات أخرى خارج الحكومة، على رأسها المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل ونجل الرئيس محمود السيسي، والرقابة الإدارية برئاسة اللواء شريف سيف الدين، والجيش وهيئاته المختلفة مثل الهيئة الهندسية وجهاز الخدمة العامة والمشاريع. وهو ما يجعل الوزراء بشكل عام مقيدين في تصرفاتهم وغير ممكنين من ممارسة سلطاتهم بشكل كامل، كما تؤكد مصادر حكومية مطلعة بمجلس الوزراء.
وأوضحت المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد" أن دائرة السيسي أيقنت ضرورة إجراء هذا التعديل كخطوة إضافية لامتصاص الغضب الشعبي، واصطناع "إجراء تغيير" أمام الرأي العام، موضحة أن أحدث المعلومات والتي تعود إلى بداية الدورة البرلمانية الجديدة تشير إلى أن التعديل الوزاري سيشمل ما بين 6 و9 حقائب، مع قيام احتمال تغيير رئيس الحكومة الحالي مصطفى مدبولي، والذي يعتبر السيسي نفسه أقوى مسانديه حالياً، أما اللواء عباس كامل فما زال يضغط لإقالته، لكن "ليست هناك حتى الآن شخصيات متداولة لخلافته".
وذكرت المصادر أن الأيام الأخيرة شهدت دخول وزير التموين علي المصيلحي ووزيرة التضامن غادة والي إلى جانب وزيرة الصحة هالة زايد، حومة التعديل الوزاري المرتقب، وذلك لارتباط الملفات التي يعملون عليها بالمواطنين الأكثر فقراً واحتياجاً، وذلك على الرغم من أن مدبولي عقد مع الوزيرين الأولين اجتماعات غير معلنة أخيراً بهدف حديث المنظومة بصورة أكثر تفاعلاً مع الشكاوى الأكثر تردداً من المستبعدين والمحرومين من الدعم على مديريات التموين بالمحافظات خلال الفترة الماضية. وارتبط بذلك إعلان السيسي أنه سيشرف على إعادة صياغة معايير تنقية البطاقات التموينية، والتي تسببت في حرمان ملايين الأسر من الدعم بحجة امتلاكهم أصولاً أو ارتفاع مستوى دخولهم رغم تدنيها، ثم إعلان وزارة التموين أمس إعادة نحو مليوني مواطن لمنظومة بطاقات التموين.
وأشارت المصادر إلى أن بعض المقربين من السيسي نصحوه بعدم التعجل في إجراء هذا التعديل، حتى لا يظهر وكأنه يتصرف تحت الضغط، انطلاقاً من نفس فكرة من يقنعونه بعدم اتخاذ أي خطوات لتحقيق انفتاح في المجال السياسي، لكن ما أدى إلى انزواء هذه الرؤية أن السيسي نفسه كان يرغب في إجراء التعديل منذ مايو/ أيار الماضي، نتيجة غضبه من سوء الأداء وخروج بعضهم بتصريحات اعتبرها "غير مقبولة" عن انخفاض التمويل الحكومي لمشروعات تطوير التعليم والصحة، وتكليفه المخابرات العامة والرقابة الإدارية منذ ذلك الوقت برفع تقارير أسبوعين للرئاسة عن أداء الوزراء. وهي الأزمة التي ما زالت نتائجها بادية في عدم نشر وسائل الإعلام المحلية الموالية للسيسي أسماء وصور جميع الوزراء كقاعدة عامة، عدا رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، كنوع من التأديب لهم على الإدلاء بالتصريح من دون استشارة دائرة السيسي مسبقاً، ولمنع حصول الوزراء على أي قدر من الشعبية.