سلّط ما كشفته صحيفة "واشنطن بوست" عن قرار المؤسسة الأمنية الأميركية تقليص قدرة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، على الوصول إلى المعلومات السرية، مجدداً الأضواء على الأدوار التي يقوم بها هو وبقية كبار موظفي الإدارة الأميركية من اليهود المؤيدين لإسرائيل في التأثير على الموقف الأميركي من تل أبيب وتوجّهات الإدارة إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وإن كان قرار المؤسسة الأمنية الأميركية متأثراً بشكل خاص بالضرر الهائل الذي لحق بالأمن القومي للولايات المتحدة جراء تسريب محلل الاستخبارات في البحرية الأميركية اليهودي جوناثان بولارد قبل 30 عاماً معلومات بالغة الحساسية لإسرائيل، فإنه لا يوجد ما يدل على أن هذا القرار سيؤثر على صياغة توجّهات الإدارة الأميركية بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
في الوقت ذاته، يُستدل من الوثيقة التي سرّبها مكتب أمين سر منظمة التحرير صائب عريقات، أخيراً، إلى أن مشروع التسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي تتجه إدارة ترامب للإعلان عنه قريباً، والذي قاد كوشنر الفريق الذي أعده، سيفضي في حال تطبيقه إلى تصفية القضية الفلسطينية. فقد راعى هذا المشروع المحددات التي تنطلق منها مواقف اليمين الديني الإسرائيلي من الصراع. إلى جانب ذلك، وظّف كوشنر علاقاته الخاصة بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في محاولة للضغط على قيادة السلطة الفلسطينية للتعاطي بشكل إيجابي مع المشروع الأميركي.
ويدل سلوك كوشنر قبل التحاقه بإدارة ترامب على عمق تأثير المنطلقات الدينية والأيديولوجية على موقفه من إسرائيل. ففي الوقت الذي اتهم فيه يسرائيل هارئيل، الذي شغل منصب مدير عام مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، الحاخامات اليهود بالسعي لإشعال حرب دينية بسبب فتاويهم التي تحث على قتل العرب، كشف تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" بعيد الإعلان عن فوز ترامب بالرئاسة، أن صندوقاً دشنه كوشنر وعائلته قدم ملايين الدولارات لمؤسسات كثيرة في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، من ضمنها المدرسة الدينية التي يديرها الحاخام إسحاق شابيرا في مستوطنة "هار براخا"، والذي ألف المصنف الفقهي "شريعة الملك" الذي ضمنه "المسوغات الدينية" التي تجيز قتل الرضع العرب.
وقد يكون من المفارقة أن أهم التحولات التي طرأت على مواقف الإدارة الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مرتبطة تحديداً بالسفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان. فلم يحدث أن تمتع أحد العاملين في السلك الدبلوماسي بقدر من التأثير على السياسة الخارجية الأميركية كما فريدمان حالياً، بسبب طابع العلاقة الشخصية التي ربطته بترامب على مدى سنين طويلة. وأجمعت تقديرات أميركية وإسرائيلية على أن فريدمان أدى دوراً رئيسياً في دفع ترامب لاتخاذ قراره بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها. وحقق فريدمان نجاحاً عندما تحدى الجهاز البيروقراطي في الخارجية الأميركية وتجاوز مواقفها المعلنة، عندما أصر على أن واشنطن لا ترى في الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية "عائقاً" أمام تحقيق التسوية. وعلى الرغم من أن الخارجية الأميركية سارعت في البداية إلى محاولة التأكيد أن فريدمان يعبّر عن موقفه الشخصي، لكنها توقفت في ما بعد عن التعليق على تكراره هذا الموقف، الذي فُسر في إسرائيل على أنه ضوء أميركي أخضر لمواصلة المشروع الاستيطاني.
وكان فريدمان قبيل توليه منصبه الحالي، قد عبّر عن مواقف متطرفة، فإلى جانب الكشف عن ترؤسه مؤسسة تُعنى بتقديم الخدمات لمؤسسات دينية متطرفة تتخذ من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية مقراً لها، فقد شبه اليهود الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين بالنازيين.
وعلى الرغم من أن جيسون غرينبلات، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، والذي ينتمي أيضاً للتيار الديني الأرثوذكسي، أكثر حذراً في تصريحاته، إلا أنه قد تسبّب أخيراً في إحراج بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية، إذ ظهر من بعض التصريحات التي أطلقها أثناء تفقده الحدود بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل، أنه يرفض موقفهم الداعي لتقديم تسهيلات اقتصادية كبيرة لغزة حتى في ظل وجود حركة "حماس" كقوة حكم رئيسة في القطاع.
من هذا المنطلق، فإن فريق مستشاري ترامب من اليهود نجح في إقناع البيت الأبيض في تبنّي الأيديولوجية المعلنة لحزب "البيت اليهودي" الديني المتطرف، الذي يقوده وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بنيت. وأسهمت التوجهات الأيديولوجية لإدارة ترامب وحقيقة اعتمادها على تأييد قطاع واسع من الإنجيليين المساندين لإسرائيل، في توفير بيئة مناسبة سمحت للمستشارين اليهود الصهاينة في مواءمة السياسة الأميركية مع توجهات اليمين الديني المتطرف في تل أبيب.