فرض ميدان الصراع جنوب العاصمة الليبية طرابلس، بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وقوات حكومة "الوفاق" التي تحاول صدّ هجومها، حالة من الجمود التي قد تفضي إلى اعتراف الطرفين بــ"العجز"، ومن ثم البحث عن حل سياسي.
غير أنّ التوصل إلى حل كهذا، لن يكون سهلاً كما في المعارك التي سبقت معركة طرابلس، إذ فرض القتال في العاصمة على الطرفين شركاء جدداً، يبدو أنّهم سيحظون بكلمة على أي طاولة مفاوضات مرتقبة.
وتقول مصادر ليبية مقرّبة من حكومة "الوفاق" في طرابلس لــ"العربي الجديد"، إنّ "السلطات السعودية، تسعى لتغيير موقفها وتستعدّ للتراجع عن قرارها الداعم لهجوم حفتر على العاصمة طرابلس، ومراهنتها عليه".
وأشارت المصادر في هذا السياق، إلى "سلسلة من التراجعات في مواقف داعمي حفتر ولا سيما الإمارات، وفرنسا التي أكدت وزارة خارجيتها أمس السبت، أنّها دعت حفتر لزيارتها خلال الأسبوع المقبل".
وأوضحت أنّ "الرياض لا تزال تنتظر رداً من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، للقبول بإمكانية الجلوس مع حفتر مجدداً، لبحث إمكانية العودة إلى اتفاق أبوظبي، والمضيّ في تنفيذه ووقف القتال".
ورجّحت المصادر أن يأتي اللقاء بين حفتر والسراج، على هامش أعمال القمة الإسلامية المرتقب عقدها في مكة، نهاية الشهر الحالي.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية، الخميس، أنّ يوسف العثيمين الأمين العام لمنظمة "التعاون الإسلامي"، وجّه دعوة للسراج للمشاركة في أعمال الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامية بمكة المكرمة، المقرر عقدها في 31 أيار/ مايو الحالي.
وأعلن حفتر في 4 إبريل/ نيسان الماضي، إطلاق عملية عسكرية لاقتحام طرابلس، بينما ردّت حكومة "الوفاق" المعترف بها دولياً، بإطلاق عملية "بركان الغضب"، لوقف أي اعتداء على العاصمة الليبية.
وجاءت عملية حفتر قبل أيام من انطلاق مؤتمر الملتقى الوطني الجامع بمدينة غدامس، جنوب غربي ليبيا، الذي كان مقرراً بين 14 و16 إبريل/ نيسان الماضي، تحت رعاية الأمم المتحدة، بهدف حل الأزمة الليبية وإطلاق العملية السياسية، وتم تأجيله إلى أجل غير مسمى.
في المقابل، تبرز أسئلة عدة حول قدرة قادة طرفي القتال على فرض رأيهما على قادة قواتهما، بشأن القبول بالحل السياسي، بعد قرابة شهر ونصف من القتال، أسفر حتى 13 مايو/ أيار الحالي، عن مقتل 454 شخصاً وإصابة 2154 آخرين، بحسب إحصائية لمنظمة الصحة العالمية.
وتتشكّل قوات حكومة "الوفاق" من ائتلاف مجموعات مسلّحة مختلفة، ولو على أساس مناطقي، وبعضها كان على خلاف مع الحكومة نفسها، التي سعت على مدى سنوات لفرض برنامج الترتيبات الأمنية على المجموعات المسلحة، من أجل دمجها تحت سلطة الحكومة.
وتزايدت دعوات دولية في الآونة الأخيرة، تطالب بضرورة عودة الأطراف الرئيسية في ليبيا، إلى طاولة المفاوضات وفق اتفاق أبوظبي الذي جمع السراج وحفتر، في 27 فبراير/ شباط الماضي في العاصمة الإماراتية، دون دعوة أي أطراف أخرى.
غير أنّ الواقع الميداني الذي فرضه هجوم حفتر على طرابلس، غيّر كثيراً من المعطيات وأجبر حكومة "الوفاق" على التحالف مع مجموعات مسلحة كانت الحكومة نفسها تسعى إلى تقويضها، كما أجبرها على التحالف مع أطراف سياسية كانت رافضة للاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات بالمغرب عام 2015، بشأن ليبيا.
ومع أنّ حكومة "الوفاق" ورئيسها فايز السراج يظهران كمن يملك القرار، يبدو أنّ قرارهما بات يجب أن يمر من خلال شركاء ميدانيين وحلفاء سياسيين جدد، أغلبهم لا يتوافق على برنامج سياسي واحد، بل عارض الكثير منهم اتفاق الصخيرات، أبرزهم لواء "الصمود" بقيادة صلاح بادي، بينما ما يجمعهم اليوم، هو فقط هدف إبعاد حفتر عن العاصمة.
وعلى المقلب الآخر، لا تبدي تصريحات القادة الموالين لحفتر توافقاً بينهم أيضاً، فقد أكد خالد المحجوب آمر إدارة التوجيه المعنوي بقوات حفتر، أمس السبت، استمرار القتال في جنوب طرابلس واستبعاد وقف إطلاق النار والعودة للمسار السياسي.
وقبل ذلك أكد أحمد المسماري المتحدث الرسمي باسم قوات حفتر، خلال مؤتمره الصحافي الدوري، الأربعاء الماضي، استمرار قوات حفتر في معركتها، ورفض التفاوض مع حكومة "الوفاق".
في حين يميل عبد الله الثني، رئيس الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب في شرق ليبيا الموالي لحفتر، إلى إمكانية العودة للمسار السياسي.
وأشار الثني، في حديث لقناة "الحرة" الأميركية أمس السبت، إلى إمكانية "الرجوع للمصلحة الوطنية" لكن "دون شروط مسبقة كرجوع الجيش من طرابلس إلى أماكنه السابقة"، ما يعكس وجود رأي جديد بدأ يتشكل داخل معسكر حفتر.
وليس مستبعداً أن ينضم رئيس مجلس النواب في شرق ليبيا عقيلة صالح لهذا الخيار، وهو الذي أبدى انزعاجاً واضحاً من معارك حفتر في بنغازي وتأثيرها الاجتماعي، كما أنّه لم يتبنّ موقفاً صريحاً من حملة حفتر للسيطرة على الجنوب الليبي، في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويرى مراقبون أنّ العودة لطاولة المفاوضات، وتحديد شاغلي الكراسيّ حولها، لن يكون كما يأمل المجتمع الدولي، فارتدادات معركة طرابلس ستكشف عن وجوه جديدة، يمكن أن تعيد العملية السياسية إلى المربع الأول، وبدء صياغة تفاهمات جديدة ليس من السهل على السراج ولا حفتر فرضها على شركائهما.
واعتمد حفتر في حملته العسكرية على طرابلس، على عدد من الحلفاء المحليين الجدد، على رأسهم قبيلتا ورشفانة وترهونة اللتان لا تزالان على ولائهما للنظام السابق، ولا يبدو أنّ العلاقة الهشة بينهما تزيد عن حد توافق المصالح، ووعود حفتر بحفظ حقهما في العودة لدائرة السلطة ضمن مشروعه العسكري الطامح للحكم.
ويبقى وارداً إمكانية رفض هذه القوى القبلية المسلحة قرار حفتر في حال قبوله بالحلول السلمية، كما يبقى هذا الرفض وارداً أيضاً من قبل قوى قبلية في الجنوب الليبي، على ذات الولاء للنظام السابق، كقبائل القذاذفة والحساونة والمقارحة، التي كانت قد ساندت حفتر في حملته العسكرية للسيطرة على جنوب ليبيا.