أسبوع حاسم في تونس: ترقب عودة السبسي ومصير الانتخابات

30 يونيو 2019
عادت الحركة بشكل طبيعي سريعاً إلى شوارع العاصمة (Getty)
+ الخط -
يمكن اعتبار الأسبوع المقبل في تونس حاسماً، ستتحدد خلاله ملامح المرحلة المقبلة بملفاتها الدستورية والانتخابية، وتأثيرها على استكمال المسار الديمقراطي. وينتظر التونسيون أن يتعافى الرئيس الباجي قائد السبسي من وعكته الصحية، التي كانت الرئاسة وصفتها أولاً بالحادّة، ثم تتالت الطمأنات بشأن بداية تعافيه وتحسّنه، أبرزها بيان لحزب "نداء تونس" أكد أن الرئيس التونسي التقى الجمعة كلاً من رئيس الحكومة يوسف الشاهد ونجله حافظ قائد السبسي، وتصريح المتحدثة باسم الرئاسة سعيدة قراش، حول مكالمة للسبسي مع وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ما يفيد بأنه تجاوز مرحلة الخطر، وربما يعود لعمله تدريجياً، إذا تواصل هذا التحسن.

وحملت استقالة أحد الأطباء المشرفين على متابعة صحة الرئيس، ذاكر لهيذب، من حزبه "التيار الديمقراطي" (المعارض) تأكيداً جديداً على تعافي الرئيس، إذ جاء في نص الاستقالة المنشور على صفحته الرسمية، "أعلن للعموم أنني لست الطبيب الخاص لرئيس الدولة لكنني كنت ضمن فريق طبي متعدد الاختصاصات ساهم في مداواة القائد الأعلى للقوات المسلحة… أقدم استقالتي بعد تأكد الجميع من شفاء القائد الأعلى للقوات المسلحة وبطلان الإشاعة". وأكد لهيذب أنّ قراره شخصي وأنه "لم يخضع لأيّ ضغوط مهنية أو سياسية من أيّ طرف"، مفسراً استقالته بأنها "حتى لا تختلط الأمور وحتى لا تطغى السياسة على الوطنية وحب تونس، وحتى أرد على الاتهامات بالاستغلال السياسي لمهنتي التي أعتبرها من أنبل المهن في العالم، أعلن أمام أصدقائي استقالتي من حزب التيار الديمقراطي، وإنهاء الاهتمام بالشأن السياسي... واستقالتي هي حماية لحزب أعتبره قارب النجاة الوحيد لهذه البلاد ويعتبر مخبراً للديمقراطية ونكران الذات".

وبقطع النظر عن الجانب السياسي في هذه الاستقالة، فإنها حملت تأكيداً جديداً ومهماً على أن صحة الرئيس التونسي تتحسن. غير أن الوقت الضروري اللازم لشفاء السبسي وعودته لمباشرة أعماله، يصطدم بضغط زمني دستوري، إذ إن الانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تستوجب دعوة رئيس البلاد للناخبين قبل ثلاثة أشهر من ذلك، ما يوافق 6 يوليو/ تموز المقبل، أي نهاية الأسبوع المقبل.
ويتساءل المراقبون والأحزاب، وخصوصاً هيئة الانتخابات المستقلة، إذا ما كان الرئيس التونسي سيتعافى سريعاً ويعود إلى عمله، ويتولى هذا الإجراء الضروري لاستكمال الروزنامة الانتخابية كما تم تحديدها، لأن العكس قد يدفع إلى البحث عن تأويلات دستورية وربما إرباك العملية الانتخابية.

وعلى الرغم من الطمأنات المهمة بشأن تعافي السبسي، وهو ما يأمله الجميع في تونس بسبب علاقة التونسيين الخاصة به من ناحية، وبسبب المحافظة على الاستقرار السياسي من ناحية أخرى وتجنيب البلاد فرضيات هي في غنى عنها بسبب هشاشة الأوضاع السياسية والاقتصادية، فإن السؤال يبقى مطروحاً دائماً حول نوعية هذا التعافي، وإذا ما كان سيعيد الأمور إلى طبيعتها السابقة بسرعة أم سيطرح فرضيات دستورية، وخصوصاً ما يتعلق بالفراغ المؤقت الذي ينتج عنه تفويض السلطة لرئيس الحكومة لمدة شهرين، وهو نقاش حقيقي يجري بالفعل في الكواليس ويتم تداوله بين الأطراف السياسية.

ولكن هذه الفرضيات سابقة لأوانها كما أكدت قراش، وسينتظر التونسيون خلال الأيام المقبلة مآل الأحداث قبل الخوض في كل هذه التفاصيل، وهو ما دعت إليه أغلب الشخصيات والأحزاب التي أظهرت درجة عالية من ضبط النفس، عكست نضجاً واضحاً في التعامل مع الأحداث، التي شكلت الخميس الماضي بعد الهجمات الإرهابية ودخول السبسي إلى المستشفى، اختباراً دقيقاً وجديداً للمشهد التونسي، الشعبي والمؤسساتي والحزبي. وتخلّت الأحزاب والشخصيات الكبرى عن مشاحناتها وخلافاتها المتواصلة منذ سنوات، ودعت إلى الوحدة ورصّ الصفوف، مؤكدة في الوقت ذاته أهمية احترام الدستور التونسي والتقيّد بأحكامه في التعامل مع التطورات، ما يعني وجود رد فعل سياسي تلقائي عام يعود بسرعة إلى النص الديمقراطي ليحتكم إليه حتى في أشدّ الأزمات، وهو ما يقود تدريجياً إلى تماسك وصلابة الجسم الديمقراطي الوليد، ويعكس هذه الخبرة التونسية المتراكمة في الحفاظ على التجربة وحمايتها من خصومها في الداخل، وخصوصاً في الخارج.


وفي هذا السياق، أكد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، أنه لا خوف على تونس التي ستبقى بفضل إرادة شعبها رائدة في مجال الحرية والديمقراطية، وقادرة على تجاوز الأزمات وعلى تحويل النكسات إلى نجاحات. وأضاف الطبوبي لدى إشرافه على اجتماع نقابي، أن الاتحاد سيكون بالمرصاد لكل من تسوّل له نفسه الانحراف بمسار البلاد عن خياراتها الوطنية الكبرى، وسيبقى صمام أمان للبلاد، وخصوصاً أن هذه المنظمة هي ملك للشعب وتربّت على الروح الوطنية وعلى المسؤولية العالية. وعلّق على ما راج من أخبار عن وفاة السبسي بالقول: "ما من أحد معصوم من المرض أو الموت، وليس من الأخلاق استباق الموت لأي كان والقيام بذلك هو في باب الانحطاط الأخلاقي". وشدد على أن تونس في حاجة إلى كل مؤسساتها الدستورية لتتجاوز هذه المرحلة بسلام، والوصول إلى الاستحقاقات الانتخابية التي تشكّل أكبر تحدّ للإرهابيين ولأعداء الديمقراطية.

من جهته، دعا حزب "التيار الديمقراطي" المعارض في بيان له، إلى التماسك والانتصار لتونس الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية، معتبراً أن "تونس تعيش خلال هذه المرحلة ظرفاً دقيقاً، إثر تزامن تنفيذ العصابات الإرهابية عمليات إجرامية استهدفت المواطنين والأمنيين والمنشآت الوطنية، وتعرّض رئيس الجمهورية لوعكة صحية حادّة". وتمنى الحزب، الذي يُعتبر من أشد المعارضين للسبسي وللحكومة، "الشفاء العاجل لرئيس الجمهورية وعودته القريبة لأداء مهامه"، داعياً في الوقت ذاته "كافة مكوّنات المجتمع التونسي إلى الوحدة الوطنية من أجل حماية المسار الديمقراطي وإنجاح استحقاقاته في آجالها وتيسير انتقاله وفق مقتضيات الدستور"، مشيداً بـ"التفاف التونسيين حول الدولة ومؤسساتها وتماسكهم عند الشدائد والأزمات، وبردّة الفعل الإيجابية التي تبعث الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل يكون فيه الانتصار لتونس الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية".

كما أدان رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، الإشاعات التي تحاول ضرب الاستقرار في تونس، ودعت حركته في بيان لها، إلى ضرورة احترام مقتضيات الدستور وآجاله المنصوص عليها بخصوص الانتخابات.

وشهدت الساحة التونسية في الأيام الأخيرة موجة كبيرة من الشائعات والتأويلات، طاولت كل المؤسسات، ما دفع البرلمان إلى إصدار بيان ينفي فيه عقد رئيس مجلس النواب محمد الناصر، سلسلة من اللقاءات مع سفراء دول عظمى (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا) في مقر إقامته. ونبّه البرلمان إلى أن كل ما تم ترويجه أو تداوله، يدخل في خانة حرب الإشاعات وحملات التشكيك في مؤسسات الدولة. وأوضح البيان أن "كل طلبات لقاء رئيس مجلس النواب من قبل سفراء الدول الصديقة والشقيقة، تقدم بالتنسيق مع وزارة الشؤون الخارجية ويتم الإعلان عنها للعموم".