مصر: ضغوط استخبارية لمحاولة حلحلة أزمة سد النهضة

09 مارس 2019
سبق أن اتفق السيسي وديسالين لإنشاء منطقة صناعية بإثيوبيا(الأناضول)
+ الخط -
كشفت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية، لـ"العربي الجديد"، أن لجنة من المخابرات وبعض أجهزة الدولة المعنية بملف الاستثمارات الخارجية برئاسة اللواء عباس كامل، عقدت اجتماعات متتالية مع عدد من رجال الأعمال والمستثمرين في قطاعات صناعية وتجارية عدة، خلال الشهرين الأخيرين، لتوجيههم لإقامة مشاريع مختلفة في دولة إثيوبيا، مع تقديم ضمانات مالية لهم برعاية المخابرات مباشرة، وضمانات أمنية من الجانب الإثيوبي.

وأضافت المصادر أن القطاعات التي تحاول مصر تشجيع مستثمريها لدخول السوق الإثيوبية من خلالها، هي الزراعة واستصلاح الأراضي، ومنتجات الألبان، وتصنيع الأخشاب، والبناء والتشييد، والحديد والصلب، والكهرباء والطاقة. وبحسب المصادر، يأتي ذلك كجزء من خطة طويلة الأجل تم الاتفاق عليها مبدئياً بين القاهرة وأديس أبابا لإنشاء منطقة صناعية مصرية حرة في إثيوبيا، تكون معفاة من بعض الضرائب والرسوم التي كانت تقف عائقاً أمام استثمار المصريين في أقاليم الاتحاد الإثيوبي. وسبق أن نوقش هذا الأمر على نطاق واسع خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرسمية إلى أديس أبابا عام 2015 ثم في زيارتي رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي أبي أحمد والسابق هايلي مريام ديسالين إلى القاهرة.

ولم تنجح ضمانات الأجهزة في تشجيع عدد كبير من المستثمرين على خوض هذه التجربة، لكن تم إبلاغهم بشكل واضح بأن هذه التجربة تأتي بتكليف مباشر من السيسي، ولن يسمح بفشلها، وأن الهدف المباشر منها محاولة ملء الفراغ الذي نشأ في السوق الإثيوبية أخيراً نتيجة خروج عشرات الشركات من الصين ودول الخليج منها بعد أحداث الشغب التي شهدتها مناطق مختلفة من البلاد، فضلاً عن خروج شركات صغيرة أخرى كانت تساهم في أكبر مشروع قومي في البلاد حالياً وهو سد النهضة، ما أدى إلى تأخر معدلات الإنجاز المقررة للمشروع.
ونفت المصادر أن تكون الشركات المصرية "موجهة" للمشاركة بأي شكل في مشروع سد النهضة، لكن هذه التجربة تبدو تحضيرية لخطوات لاحقة في سياق الاستفادة المشتركة من مشروع السد، وهو المقترح الذي كان قد قدمه ديسالين لأول مرة منذ عامين كمحاولة للتقارب مع مصر وتقليل مخاوفها من السد.

وأشارت المصادر إلى أن السيسي يراهن على أن الإقدام على هذه الخطوة بفاعلية قد يؤدي بشكل إيجابي إلى استجابة إثيوبيا للمطالبات المصرية بشأن تمديد فترة الملء الأول للخزان بعد اكتمال أعمال السد، ريثما تعد القاهرة عدتها للتصدي للنقص الحاد المتوقع في مواردها المائية بتدبيرها من مشاريع استخراج المياه الجوفية التي تعمل على الاقتراض لإتمامها من السعودية والإمارات ودول أوروبية مختلفة.


وتوقعت المصادر أن تجرى جولة مباحثات تجارية بين البلدين خلال النصف الأول من هذا العام لرسم معالم مشروع الاستثمارات المشترك، وذلك بالتزامن مع الجولة التساعية المقررة للاجتماع حول سد النهضة بين وزراء الخارجية والري والمخابرات في مصر والسودان وإثيوبيا، والتي سيسبقها بالضرورة اجتماع ثلاثي بين وزراء خارجية الدول الثلاث، كان من المقرر عقده مطلع الشهر الحالي لكن تم تأجيله بطلب سوداني ودعم مصري.

وكانت مصادر مصرية قد أكدت في حديث سابق مع "العربي الجديد" أن دائرة السيسي تشعر بالارتياح للتعثر الإثيوبي الأخير بشأن إنجاز سد النهضة، لكنها تحاول تأمين مسألتين قبل نهاية العام الحالي، أولاهما الحصول على قروض أو مساعدات حقيقية وليس مجرد وعود من دول خليجية وأوروبية لإنهاء تجهيزات مشاريع تحلية المياه ببعض مناطق الجمهورية لتعظيم الاستفادة من مياه البحر وتعويض أكبر جزء من الخسائر المتوقع تكبّدها بعد دخول سد النهضة حيز التشغيل. أما المسألة الثانية، فهي المتعلقة بحسم فترة سنوات ملء الخزان الرئيسي للسد، والتي تُعتبر حتى الآن المشكلة الرئيسية بين القاهرة وأديس أبابا، إذ تحاول الأولى إرغام الثانية على قبول الملء خلال فترة لا تقل عن 7 سنوات، كما تضغط لإطالة فترة الملء على 7 سنوات أيضاً بقرارات مشتركة بين مصر والسودان وإثيوبيا بناء على التغيرات المناخية وكمية الأمطار السنوية في هضبة الحبشة، أما الإثيوبيون فيرفضون حالياً وبشكل مطلق أخذ التغيرات المناخية في الاعتبار عند احتساب فترة الملء، ويتمسكون بإتمامها بين 4 و5 سنوات.

وكان السيسي قد صرّح مطلع 2018 بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سد النهضة"، مخالفاً بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، وميل الخرطوم إلى مواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي، في ظل استمرار أعمال بناء السد التي وصلت إلى 65 في المائة بحسب المسؤولين الإثيوبيين، وصولاً إلى صدور تصريح من وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي في يناير/ كانون الثاني الماضي بدخول السد مرحلة التشغيل الكامل في ديسمبر/ كانون الأول 2020.

وبدأت القاهرة وأديس أبابا في منتصف العام الماضي مباحثات بشأن المشروع الذي سبق أن اتفق عليه السيسي مع ديسالين لإنشاء منطقة حرة صناعية مصرية في إثيوبيا، على غرار المناطق الحرة الصينية هناك، وتم الاتفاق على توسيع أعمال شركة المقاولين العرب الحكومية وكذلك شركة السويدي للكابلات، وكلتاهما تعمل في مجال المقاولات والإنشاءات المعمارية.