تحوّل رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون إلى أبرز متصدري لائحة المرشحين في سباق الانتخابات الرئاسية في الجزائر، المقررة في 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، لصناعة حالة استقطاب مع المرشح البارز، رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، غير أن تبون دخل السباق مع خصم ثلاث نقاط أثرت سلباً في صورته الانتخابية. يكرّر تبون مسار المرشح الرئاسي في الانتخابات المصرية عام 2012 أحمد شفيق، فقبل سنين قليلة كان تبون رئيساً للحكومة ما قبل الأخيرة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، بعدما قضى 17 سنة في الحكومات المتعاقبة، ومع ذلك لم يتردد في الترشح رغم الحالة الثورية التي تشهدها الجزائر ضد كل ما يرمز للنظام السابق ولنظام بوتفليقة خصوصاً. مع العلم أن المسار الإداري لتبون في السلطة والإدارة كموظف سياسي بدأ في مرحلة ما قبل وصول بوتفليقة إلى سدة الرئاسة عام 1999، وبعد تخرّجه من المدرسة العليا للإدارة عمل رئيس دائرة ثم والياً في منطقة أدرار جنوبي الجزائر وعدد من الولايات. بعدها، تم انتدابه من قبل الرئيس السابق ليامين زروال كمساعد لوزير الداخلية مكلف بالبلديات، وارتقى بعدها تبون إلى مصاف الوزراء، فكان وزيراً للإعلام والتجارة والسكن، قبل أن يُعيّن رئيساً للحكومة. ويسجل التاريخ السياسي للجزائر أن تبون هو رئيس أقصر حكومة، إذ لم يستمرّ في منصبه سوى 81 يوماً، بين 15 مايو/ أيار 2017 و15 أغسطس/ آب من العام عينه، قبل أن تتمّ إطاحته من قبل بوتفليقة ودائرته، بعد إطلاقه حملة ضد تغلغل رجال المال في مؤسسات الحكومية وتأثيرهم في القرارات السيادية، وانخراطه في صراع مع الكارتل المالي الذي كان يقوده رئيس منتدى المؤسسات حينها، علي حداد، المسجون حالياً بتهم فساد.
وعلى الرغم حالة الطرد السياسي والإقالة السريعة من رئاسة الحكومة وانتصار بوتفليقة ومحيطه لصالح الكارتل المالي، إلا أن تبون لحظة خروجه من القصر الحكومي يوم إقالته ظلّ متمسكاً بدعمه لبوتفليقة، حتى إنه لم يتردد لاحقاً في تأييد ترشحه لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل/ نيسان الماضي قبل إلغائها. إن مجموع هذا المسار يجعل من تبون في نظر الجزء الغالب من الجزائريين رمزاً من رموز نظام بوتفليقة ومرشح السلطة بشقها السياسي والعسكري. كذلك تُستغل صورته الضاحكة مع قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح والتي التقطت قبل سنتين، في تأكيد وتغذية هذا الشعور.
ليس هذا فقط، فالالتحاق المستمر لمجموعة من الجمعيات والأحزاب السياسية الموالية للسلطة والجيش، التي كانت تدعم بوتفليقة خلال سنوات حكمه، بتبون وإعلانها دعمها السياسي له كمرشح للرئاسة، يعزز هذه الفرضية. في السياق، أعلنت أحزاب الإصلاح وأحزاب فتية كالسلام وحزب فضل والاتحاد الوطني من أجل التنمية وحركة الوفاق الوطني دعمها لتبون. كما أنه من المتوقع أن يحصل تبون مع قرب الموعد الانتخابي على دعم أحزاب أخرى فاعلة مثل التحالف الجمهوري ومنظمات المزارعين والعمال وغيرها، لكن رئيس الحكومة الأسبق ما زال يراهن على الحصول على دعم حزب جبهة التحرير الوطني، كحزب مركزي للسلطة، بالاستناد إلى عضويته في اللجنة المركزية في الحزب. وكشف قياديون في الحزب لـ"العربي الجديد" احتمال أن تعلن قيادة جبهة التحرير عن دعمها تبون في الفترة الأخيرة التي تسبق الاقتراع.
ورغم النفي المتكرر لتبون بأنه ليس مرشح السلطة ولا صلة له بأي دعم من الجيش، إلا أنها ليست المسألة الوحيدة التي تحسب ضده فقط، بل أيضاً إخفاقه في تنفيذ مشاريع برنامج الإسكان المسمى "عدل"، والذي لم يحصل المسجلون فيه على شققهم منذ عامي 2001 و2002، فضلاً عن نكثه الوعود بإسكان الآلاف من هؤلاء المسجلين الذين ينظمون وقفات احتجاجية أمام مقر وزارة السكن والوكالة المكلفة ببرنامج الإسكان. وبدأت هذه القضية بالتحول إلى حملة مضادة لتبون على مواقع التواصل الاجتماعي، تدفعه في كل مناسبة أو حوار صحافي إلى محاولة التهرب من هذه القضية ومحاولة تبريرها بأنها جزء من العراقيل التي كانت تختلقها دوائر من خصومه في الحكومة والكارتل المالي لإعاقته.
ليس هذا فقط، بل ثمة مسألة تضع تبون في موقع دفاع سياسي، مرتبطة بتورط نجله خالد في قضية تهريب كوكايين وسُجن بسببها، وما زال، فضلاً عن اتهامه بأن له علاقة مع بارون المخدرات المعروف كمال البوشي، على خلفية ما عرف بقضية تهريب 701 كيلوغرام من الكوكايين في شحنة لحوم قادمة من البرازيل في نهاية مايو/ أيار 2018. ويعتقد تبون في تصريحاته المتصلة بالقضية أن اتهام نجله وتوريطه في هذه القضية كان جزءاً من استهدافه من قبل خصومه في السلطة والانتقام منه من قبل الكارتل المالي.
قبل بدء الحملة الانتخابية تعرّض تبون لخسارة مؤثرة بعد استقالة مدير حملته الانتخابية سفير الجزائر السابق لدى الأمم المتحدة عبد الله باعلي، وغيابه عن تجمعات شعبية كانت مبرمجة في اليوم الأول للحملة، لكنه يحاول تجاوز ذلك ويبني صورته الانتخابية في ثلاث أبعاد. البعد الأول هو المظلومية السياسية التي لحقت به بعد إطاحته من رئاسية الحكومة في أغسطس 2017، التي قال بشأنها في تصريح إنه تعرّض للمضايقات والمراقبة من قبل محيط بوتفليقة، وإن هؤلاء كانوا يبحثون له عن ملفات فساد أو قضايا يمكن إدانته وتهديده بها. وذكر أن رغبة الكارتل المالي والسياسي في الانتقام منه بلغت حدّ نزع صورته كرئيس حكومة سابق من الجدار الذي يضم صور رؤساء الحكومات السابقين منذ الاستقلال. البعد الثاني، هو رسم تبون لنفسه صورة رجل مكافحة الفساد والتغوّل المالي، بالاستناد إلى معركته مع رجال المال والأعمال والكارتل المالي في الفترة القصيرة لرئاسته الحكومة، أو خلال تولّيه وزارتي التجارة والسكن. البعد الثالث متعلق بتبنيه خطاباً حدياً ضد فرنسا، بمحاولته استغلال ملف التاريخ والذاكرة الدامية لفرنسا الاستعمارية في الجزائر، واستقطاب الناخبين عبر خطاب انتخابي كهذا، تحديداً في الظروف الراهنة التي يتبنّى فيها الحراك الشعبي نفس المواقف الحدية ضد فرنسا ولوبياتها السياسية ومصالحها المالية والاقتصادية في الجزائر.