تستعد السلطة القضائية العراقية، لخوض غمار حراك هو الأول من نوعه، للتخلّص من سلطة الأحزاب السياسية التي تسعى لفرض أجنداتها على القضاء، مستغلةً نفوذها في البرلمان. وبحسب قاض في مجلس القضاء الأعلى، فإنّ "السلطة القضائية بدأت اتخاذ خطوات فعلية للتخلّص من أي قيود قد تؤثر على عملها المهني"، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "هناك فقرات دستورية منحت الأحزاب الكبيرة فرصة التحكم بقرارات السلطة القضائية، من خلال التعيينات، وتمكّنت من خلالها من فرض المساومات لأجل التحكم بهذه السلطة".
وأوضح القاضي أنّ "السلطة القضائية تعمل حالياً على تشكيل لجان خاصة، لإعداد مسودة سيتم عرضها على البرلمان، تنصّ على الفصل بين السلطات". وأكد أنه "ما يهمنا اليوم، هو أن يكون عمل القضاء منفصلاً بشكل تام، وألا تتدخّل فيه أي جهة، سواء في التعيينات أو بالقرارات الصادرة عنه"، لافتاً إلى أنّ "المسودة التي هي في طور الإعداد الآن، ستكون حدّا فاصلاً بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)".
ورجح القاضي "نجاح هذا المسعى لما له من أهمية كبيرة، في تحصين السلطة القضائية من أي محاولات للتدخل فيها وفرض الأجندات السياسية عليها".
اقــرأ أيضاً
ورجح القاضي "نجاح هذا المسعى لما له من أهمية كبيرة، في تحصين السلطة القضائية من أي محاولات للتدخل فيها وفرض الأجندات السياسية عليها".
من جهته، قال رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، في تصريح متلفز، إنّ "القضاء العراقي، مستقل، لكنّه يحتاج إلى التخلّص من بعض النصوص الدستورية التي كبلته بإجراءات التعيين"، موضحاً أنّ "تعيين القضاة والمناصب العليا في المجلس، يتم عبر البرلمان حصراً". وأضاف "لاحظنا، من خلال التجربة العملية، أنّ البعض يتدخّل ويستغل ذلك، من خلال رفض العديد من الشخصيات المهنية التي رشحناها لعدد من المناصب في المجلس. فقد اعترضت تلك الجهات داخل البرلمان على مرشحينا للمناصب، وحالت دون تعيينهم"، مؤكداً أنّ "الرفض بني على مواقف شخصية وحتى سياسية". وشدّد زيدان على أنّ "الحلّ الأمثل لتخلّص السلطة القضائية من تلك القيود، يكمن في تغيير النصوص الدستورية التي تسمح بتدخل الأحزاب بعمل القضاء".
ويؤكد قادة سياسيون صعوبة نجاح هذه الخطوة. وفي هذا السياق، قال القيادي الكردي، النائب السابق محمود عثمان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الدستور العراقي كتب بأيدي الأحزاب والكتل السياسية، وكان من المفترض أن يكتب من قبل القضاء ومن ثمّ يطّلع عليه السياسيون، لكن في العراق تم ذلك بشكل عكسي، لذلك هناك ثغرات كبيرة فيه، والقضاء مطّلع عليها ويرى ضرورة لتعديلها، لأجل مهنية وسهولة عمله". وأكد عثمان "صعوبة إجراء هذه التعديلات، لكن من الممكن أن يقترح مجلس القضاء الأعلى التعديلات على الكتل السياسية وإقناعها، ومن ثم التحرك بهذا الإطار".
وفيما انتقد مسؤولون تأخّر السلطة القضائية بتوجهها هذا، إلا أنهم لم يقللوا من أهمية الحراك الحاصل، وحاجة البلاد له. وفي هذا الإطار، قال عضو تحالف "الإصلاح"، علي العامري، لـ"العربي الجديد"، "نحتاج لهذا الحراك رغم تأخره. القضاء العراقي يجب أن يكون قضاءً مستقلاً وحاسماً، وغير خاضع لأي جهة سياسية"، معرباً عن تأييده لهذه الخطوة، "والتوجه نحو تفعيل مبدأ الفصل بين السلطات، وتحصين المؤسسة القضائية".
في المقابل، قال الخبير في القانون الدستوري، معد العبيدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الكتل السياسية استطاعت أن تتغلغل في تفاصيل المؤسسات كافة، قاضيةً على مبدأ الفصل بين السلطات".
ورأى العبيدي أنّ "محاولة السلطة القضائية التخلّص من قيود الأحزاب باتت صعبة للغاية، خصوصاً أنّها تحتاج إلى تعديل نصوص دستورية، لذا فإنّ الأمر غير ممكن من دون حصول توافقات سياسية حتى يتم المضي به"، لافتاً إلى أنّ "الكتل السياسية وضعت ثغرة في طريق عمل لجنة التعديلات الدستورية، التي شُكّلت بحسب المادة 142 من الدستور". وأوضح أنّ "الثغرة نصّت على أن أي قرار تتخذه تلك اللجنة، لا يتم إلّا من خلال إجماع أعضائها، وهذا أمر صعب بل مستحيل حصوله في البرلمان العراقي، في ظلّ الخلافات والأجندات السياسية المتناقضة. لذلك لم يتم أي تعديل على الدستور، ولم تحقّق لجنة التعديلات الدستورية أي شيء، رغم تشكيلها قبل سنوات عدة".
اقــرأ أيضاً