"إخوان" الأردن: تهدئة الخطاب تزرع بذور خلافات جديدة

27 أكتوبر 2016
خطاب "الإخوان" خلق حالة تململ (صلاح مالكاوي/الأناضول)
+ الخط -

الدهشة التي يثيرها الانقلاب المفاجئ في خطاب جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وذراعها السياسي حزب جبهة العمل الإسلامي، منذ مطلع العام الحالي، لا تقتصر على المراقبين، بل تمتد لتشمل كوادر في التنظيم والحزب، وتخلق حالة تململ مقلقة. ويجد الخطاب المعتدل الذي يردده قادة في الحركة الإسلامية (الجماعة والحزب) أصداءً إيجابية لدى المراقبين، ويبعث رسائل طمأنة لمراكز صنع القرار، لكنه يعجز عن وضع حد لحالة التشظي التي تعيشها الحركة، والذي ترجم مؤخراً ببذور انشقاق جديد، يضاف إلى الانشقاقات الكبيرة المتوالية منذ عامين.

الخطير أن الخطاب الذي يعكس تغيراً جذرياً في منطلقات وتوجهات الحركة بهدف إعادة صياغة علاقاتها مع السلطة السياسية والقوى الاجتماعية والحزبية، يقابل بمقاومة من قطاعات واسعة داخل الأطر التنظيمية، حسب ما تكشف مصادر لـ"العربي الجديد"، والتي تتخوف من أن تجد الحركة نفسها أمام تمرد يقوده المحسوبون على "تيار الصقور" (المتشددون)، بعد الانشقاقات التي قادها قياديون في "تيار الحمائم" (المعتدلون). ويؤرخ لانقلاب خطاب الحركة الإسلامية بخروج القيادي زكي بني أرشيد من السجن، في 4 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أن قضى عاماً ونصف العام خلف القضبان، بتهمة تعكير صفو علاقات المملكة مع الإمارات.

وتعلّق على خروج الرجل القوي، والذي يُحَمّل مسؤولية توتير علاقة الحركة الإسلامية مع السلطة، وصولاً إلى القطيعة، آمال شباب الحركة خصوصاً المواصلة على نفس النهج، بعد أن خسروا في غيابه مقاتلاً شرساً. لكن بني أرشيد فاجأ الجميع بخطاب لم يألفوه، خطاب تصالحي في مواجهة الخصوم الذين قادوا الانشقاق الأخطر في تاريخ الجماعة، عندما رخصوا في مارس/آذار 2015 جمعية سياسية باسم "جمعية جماعة الإخوان المسلمين"، نُظر إليها على أنها ممثل شرعي لجماعة "إخوان" الأردن. وصنفت الجماعة التاريخية منذ ذلك الحين جماعة غير مرخصة، وأغلقت مقراتها لاحقاً. كما وجه خطاباً مماثلاً إلى جماعة "إخوانية" كانت تحضر لانشقاق جديد، هدفه لم الشمل ووقف نزيف الانشقاقات.




وعلى غير عادته، لم يقدم الرجل القوي على توجيه نقد لاذع للسلطة السياسية، وهو الذي كان لا يتورع سابقاً عن انتقاد رأس الدولة، خاصة في فترة الاحتجاجات الأردنية التي جاءت متأثرة بالانتفاضات العربية، والتي أوكلت إليه الحركة مسؤولية إدارتها. وفهم انقلاب الرجل القوي، الذي كان يتقلد منصب نائب المراقب العام للجماعة، بأنه لا يتعدى كونه تكتيكاً مرحلياً، لكنه اليوم يبدو استراتيجية ومنهاج عمل. ويرجعه بني أرشيد، في حوار سابق مع "العربي الجديد"، إلى المراجعات التي قامت بها الحركة الإسلامية، وهي، كما قال، "مراجعات جاءت استجابة لقراءة الظروف الحالية والمتغيرات الإقليمية والدولية، ودفعت لإعادة التموضع والنظر في مواقفنا السابقة".

ترشيد الخطاب تجاه الخصوم والمنشقين، والمراجعات لإعادة تموضع الجماعة وصولاً إلى مشاركة ذراعها السياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي) في الانتخابات النيابية التي جرت في 20 سبتمبر/أيلول الماضي، بعد مقاطعتها لدورتين انتخابيتين متتاليتين، أصبحت مثار جدل ونقاش داخل الأطر التنظيمية، إذ ترى كوادر في الجماعة والحزب، محسوبة على "تيار الصقور"، أنها لم تحقق نتائج إيجابية، بل جعلت الحركة الإسلامية تظهر ضعيفة أمام خصومها ومنصاعة للسلطة، كما تقول مصادر "العربي الجديد". وتشير المصادر إلى أن رافضي الاستمرار في النهج الجديد يسوقون حججاً تؤيد موقفهم، منها استمرار الانشقاقات داخل الجماعة، والتي ترجمت مؤخراً بتوجه قيادات من "تيار الحمائم" فيها لتأسيس حزب سياسي جديد بعد تقديم استقالتهم من حزب جبهة العمل الإسلامي، وإصرار السلطات على رفض التعاطي مع جماعة "الإخوان" التاريخية أو إعادة ترتيب العلاقة معها.

وبدأت بوادر الخلاف حول توجهات الحركة الإسلامية الجديدة، والتي تأتي انعكاساً للمراجعات، تطفو أخيراً على السطح، فخلال الانتخابات النيابية تمرد عدد من كوادر الحزب والجماعة على قرار المشاركة، وروجوا للمقاطعة، في سلوك غير مسبوق، يضع تساؤلات حول مدى الالتزام التنظيمي الذي امتازت فيه الحركة طويلاً. وفي تعبير آخر عن انتقال التململ من التوجهات الجديدة إلى مستويات أعلى، وزع الحزب، قبل أسبوع بياناً، يطلب فيه من الإعلاميين عدم نسب تصريحات قيادات الحركة الإسلامية إلى الحزب، معتبرين أن تصريحات تلك القيادات تعبر عن رأيها ومواقفها إزاء القضايا المتداولة. المثير أن البيان الذي لم يحدد المقصودين من قيادات الحركة، كان يستهدف بشكل مباشر عراب المتشددين في الحركة سابقاً، ووجهها المعتدل حالياً زكي بني أرشيد، كما يؤكد مصدر في الحزب، وهو البيان الذي أعقب مقابلة مع بني أرشيد جدد فيها إعلان تأييد الحركة الإسلامية لمفهوم الدولة المدنية، وخالف فيها رفض قيادات في الحركة للمفهوم استناداً إلى أسس شرعية، ما يجعل من إعادة التموضع، المبنية على المراجعات عنصر تأزيم جديد داخل الحركة التي لا ينقصها المزيد من عناصر التأزيم، وسط تخوف من أن يأخذ أبعاداً أكبر مستقبلاً.