"نداء تونس": جولات ماراثونية للملمة كتلته واتهامات بإغراء النواب

07 يونيو 2016
يعوّل "نداء تونس" على عودة النواب المستقيلين(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
يسعى حزب نداء تونس، أخيراً، إلى استعادة موقعه كأكبر كتلة نيابية في البرلمان، إذ لا تدخر الكتلة جهداً لإقناع النواب المستقيلين منها لتعزيز صفوفها مجدداً. كما لا ينفك رئيسها الجديد، سفيان طوبال، يردد أن "نداء تونس" سيسترد قريباً موقعه الذي خسره إثر الانشقاقات، ما يشير إلى أن نقاشات هامة ومفاوضات جارية مع نواب عدة بهدف ضمهم إلى كتلة "النداء".

ولم يتقبّل "النداء" التراجع الذي شهده أشهراً عدة إثر فوزه في الاستحقاقَين الانتخابيَّين الرئاسي والتشريعي. وعلى الرغم من أن الخلافات كانت على أشدها إبان وضع القائمات الانتخابية بين قياداته، قام زعيمه المؤسس، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، بدور مهم في فض هذه النزاعات والتخفيف من حدتها، لينفرط عقد الحزب سريعاً إثر انتقاله إلى قصر الرئاسة في قرطاج ويصبح، وفق ما عبّر عنه مراقبون، جزءا من الخلاف، بسبب ما سمّوه انحيازه لفئة دون أخرى في الحزب.

وواصل "النداء" تراجعه ليخسر ثلث نوابه، ويتأخر بذلك إلى المرتبة الثانية، فيما قفزت حركة النهضة إلى المركز الأول، والذي رفضته ضمنياً لاعتبارات عدة، إذ لم تطالب "الحركة" بنصيبها في قيادة البرلمان أو هياكله، ولم تدع إلى الترفيع في حصتها من الوزارات والمحافظات. وتركت الحركة بذلك "الوضع على ما هو عليه". وأكدت "الحركة" في تصريحات متتالية أن "لا الفرقاء السياسيون داخل البلاد، ولا اللاعبون الإقليميون والحلفاء الدوليون، يقبلون بأن تكون الحركة في مقدمة قيادة البلاد. كما أن مطالبتها بالحقوق المترتبة على تراجع النداء وتقدّمها قد يعقّد الوضع ويعيدها مرة أخرى إلى واجهة صراعات ستنهكها أكثر، لكنها متمسكة بما أفرزته الانتخابات من توازن سياسي، وتصرّ بوضوح على احترامه على الرغم من المتغيرات.

ويعوّل رئيس كتلة "النداء"، سفيان طوبال، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على عودة النواب الذين استقالوا من "النداء"، وتوجُّه معظمهم إلى كتلة الحرة التي يقودها محسن مرزوق، الأمين العام المتنحي من قيادة "النداء"، وعلى الجزء الآخر الذي بقي على الحياد، ولم يعد ينتمي لكتلة "النداء" ولم يتوجه بدوره إلى "الحرة". ويعتبر طوبال أن الاتصالات واللقاءات التي تجمع الكتلة بالنواب الذين غادروها تنبئ بعودة قريبة لأغلبهم، "طالما أن الأسباب التي أدت إلى انشقاقهم قد انتهت الآن. فالكتلة صارت مستقلة القرار ولم تعد مهمّشة داخل الحزب، بالإضافة إلى أن معظمهم كان على خلاف مع رئيس الكتلة السابق، وقد تنحى"، على حد قوله.

وسجّلت كتلة نداء تونس عودة نائبَين مستقيلَين منها، الأسبوع الماضي، ليرتفع عدد أعضائها إلى 62. وأعلن كل من النائبة صابرين قوبنطيني المستقيلة من "النداء" والنائب محمد الراشدي عضو كتلة الحرة عودتهما، رسمياً، إلى كتلة نداء تونس، في إطار تعزيز صفوفها لتستعيد مرتبتها الأولى. وضمّت "النداء" أربعة مستقيلين من المجموعة النيابية للاتحاد الوطني الحر، ما نتج عنه اندلاع نزاع بين الحزبين لم يحل بعد، إذ علّق "الوطني الحر" مشاركته في الائتلاف الحاكم، مشيراً إلى أن نوابه تم إغواؤهم بالرشى والمال الفاسد لينضموا لـ"النداء". فيما قدّم حزب "النداء" دعاوى قضائية ضد قيادات من "الوطني الحر" بتهمة القذف والادعاء الباطل والتشويه.

وقالت قوبنطيني، في تصريحات إعلامية، أخيراً، إنها قدّمت طلباً للانضمام إلى كتلة نداء تونس، نظراً لما لمسته من جدية في مسار الإصلاح داخل الحزب والكتلة، ورغبة في تدعيم الكتلة وإعادتها إلى مرتبتها الأولى، وذلك ليتسنى للنواب الالتفات إلى الوفاء بوعودهم الانتخابية وخدمة جهاتهم بعدما ألهتهم الخلافات طيلة السنة الماضية عن العمل. وبيّنت قوبنطيني أنّ مغادرة رضا بالحاج رئاسة الهيئة السياسية لحزب النداء، تعتبر مؤشراً إيجابياً يحفّز على العودة إلى الحزب. وبرّرت ذلك بأن بلحاج كان وجهاً من وجوه الأزمة التي أدت إلى انقسام الحزب وتفككه، بحسب تعبيرها. ولم تختلف تبريرات النائب محمد الراشدي عن الأسباب التي دفعت قوبنطيني إلى العودة للكتلة الأم، إذ أكّد أن الالتحاق بالمجموعة النيابية لـ"النداء" هدفه المساهمة في إعادة التوازن للمشهد البرلماني بعدما اختلت بانقسامه وتخلّفه إلى المرتبة الثانية.

ويرجح مراقبون للمشهد البرلماني أن تشهد الفترة المقبلة استرداد كتلة "النداء" نوابا عدة، في مقدمتهم فاطمة المسدي، ومحمد الطرودي، وبشرى بلحاج حميدة، وألفة السكري، خصوصاً أن هؤلاء النواب فقدوا تأثيرهم في جهاتهم وقدرتهم على التحرك والفعل بعدما غادروا الحزب الحاكم. ويُضاف إليهم نواب غير منتمين لكتل، مثل نواب المبادرة وبعض المستقلين.
ويفسر مراقبون ذلك بالنقاشات الماراثونية التي تجريها "الكتلة" مع النواب المذكورين وسعيها لاستقطابهم وإلحاقهم بصفوفها، بالإضافة إلى محادثات خارج البرلمان بين الأحزاب تجري بهدف ضم نوابهم لـ"النداء".

وأصبحت بذلك كتلة "الحرة" مهدّدة بتناقص عدد نوابها في ظل الإغراءات التي يحاول الندائيون تقديمها للراغبين في العودة. وتعلّق مصادر من كتلة "الحرة" على ذلك، في حديث لـ"العربي الجديد، قائلة إن "الفترة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لكتلة الحرة، إذ سيتبيّن من التحق بها من أجل مبدأ ورغبة في تأسيس مشروع جديد، وبين من التحق بحثاً عن موقع أو منصب. وهؤلاء الأخيرون سيسارعون للعودة إلى النداء في ظل ما يروّج عن تشكيل حكومة وحدة وطنية سيتم إعادة توزيع المقاعد الوزارية والوظائف العليا في إطارها على الأحزاب المشاركة فيها.

ولا يعتبر مراقبون أن استعادة كتلة "النداء" موقعها الأول سيؤثر كثيراً، فطالما لم يتجاوز الحزب خلافاته، فإن الكتلة تبقى مهددة بالانقسامات، خصوصاً أن الحزب لم يُبنَ على ميثاق سياسي بين أعضائه، وإنما على أساس التعاطف مع الرئيس المؤسس ومقارعة حزب النهضة، الذي أضحى الشريك الرئيسي لـ"النداء"، والحريص على وحدته أكثر منه، وفقاً للمراقبين.

وبحسب هؤلاء المراقبين، لا يمكن الحديث عن وحدة في حزب "النداء" طالما لم يتم وضع الهياكل والآليات لفض نزاعاته الداخلية والحسم فيها، وطالما لا يتم اختيار قيادة ترضى بها جميع الأطراف، ولم تتورط في المال الفاسد الذي سعى بدوره للسيطرة على الحزب وجعله أداة للتأثير على الساحة السياسية.

المساهمون