مصر: تسريب روايات جديدة بشأن مقتل ريجيني

07 ابريل 2016
من الاعتصامات الإيطالية المُطالبة بجلاء قضية ريجيني (Getty)
+ الخط -

تعيش السلطات المصرية حالة من التخبّط والتداخل، في انتظار قرار إيطالي، وربما أوروبي، بشأن قضية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، في القاهرة، والعثور على جثته في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي. وذلك قبل الاجتماعات المقررة بين القضاة والمحققين المصريين والإيطاليين، في روما، اليوم الخميس وغداً الجمعة، لعرض ما تم التوصّل إليه من عناصر في التحقيقات التي قامت بها السلطات في القاهرة في مقتل ريجيني.

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن "جهود الوساطة، ومحاولة التودّد لدى إيطاليا، فشلت في الحدّ من التداعيات المحتملة إذا ما ثبت تورّط جهاز أمني مصري في الحادث". مع العلم أن الأجهزة الأمنية المصرية تابعت إنتاج رواياتها المسرّبة بشأن واقعة مقتل ريجيني، في محاولة منها للخروج من الأزمة الدبلوماسية التي سبّبتها الحادثة، بعدما صعّدت روما من لهجة تصريحاتها ضد القاهرة في ظل عدم جدية النظام المصري في الإعلان عن الفاعلين الأساسيين، مع توصّل فريق البحث الإيطالي إلى قناعة مفادها أن "جهازاً أمنياً هو من يقف وراء مقتل مواطنهم".

ومع تصاعد الموقف الإيطالي، بدأت وسائل إعلام مصرية الترويج لرواية أمنية جديدة بشأن مقتل ريجيني، تفيد بأنه "لم يُقتل تحت وطأة التعذيب، وأن ما بدا على الجثمان عند العثور عليه في منطقة نائية بمدينة السادس من أكتوبر، يرجع لكونه دُفن لنحو 14 ساعة، وهو ما تسبّب في تيبّس الجثة وظهورها بحالة رثّة".

ونقلت صحيفة "البوابة نيوز" عن مصادر أمنية تابعة لجهاز الأمن الوطني، أن "عدداً من الأشخاص بمنطقة أكتوبر، عثروا على الجثمان مدفوناً في صحراء المدينة، بعدما نبشتها كلاب ضالّة. وخوفاً من المساءلة القانونية قاموا بإلقاء الجثمان بالقرب من الطريق، حتى يراه أي شخص عابر ويقوم بالإبلاغ عنه". وبحسب المصادر الأمنية التي تحدثت للصحيفة، فإن "تلك الرواية تدعم مقتل ريجيني في حادث جنائي، لا سياسي، على أيدي جهاز أمني أو حتى تعذيبه قبل الوفاة".
وتنضمّ الرواية الجديدة إلى عدد من الروايات التي يقف خلفها جهاز الأمن الوطني، بدءاً من تقدم مواطن للنيابة وإعلانه امتلاكه شهادة متعلقة بمقتل ريجيني، مدّعياً بأنه "شاهده خلف القنصلية الإيطالية بمنطقة وسط البلد، وهو يتشاجر مع زميل أجنبي له". مع العلم أن سيارة تابعة لجهاز الأمن الوطني، نقلت "المواطن" إلى استوديو قناة "صدى البلد"، حيث يبثّ برنامج الإعلامي أحمد موسى، ليروي شهادته، قبل أن تكتشف النيابة بعد ذلك كذبه، وتعتبره "شاهد زور"، وتحرّك بلاغاً ضده لدى النائب العام بتهمة "الشهادة بالزور".

أما الرواية الأخرى، فمتعلقة بقتل خمسة أفراد من أعضاء عصابة تخصصت في سرقة الأجانب بالإكراه، والعثور على مقتنيات ريجيني كاملة في مسكن شقيقة أحدهم. وهي الرواية التي ثبت كذبها أيضاً، ووصفتها وسائل إعلام إيطالية بـ"الساذجة". وما بين تلك الروايات ظهرت أخرى غير رسمية سعت أجهزة أمنية لتسريبها عبر كتّاب محسوبين عليها، ومنها أن مقتل ريجيني يرجع لعلاقات نسائية، وهي الروايات التي نفاها أيضاً أصدقاء ريجيني والمقرّبون منه بالقاهرة.

في هذا السياق، يبدو أن قائمة "المرشح المحتمل" للتضحية به كـ"كبش فداء"، لاسترضاء الحكومة الإيطالية، تطاول مدير مباحث الجيزة اللواء خالد شلبي، والذي تشير دوائر إعلامية وأمنية، إلى أنه المتهم الرئيسي في تعذيب ريجيني وقتله.

مع العلم أنه قبل ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 وبعدها، عُرف شلبي بين أبناء الجيزة، والتي تولّى منصب حكمدار (حاكم) مديرية الأمن فيها، بـ"الجزّار"، نظراً لانتهاكاته بحق المتهمين في القضايا الجنائية، حين كان ضابطاً بمباحث المحافظة. وبحسب بعض أبناء المحافظة، فإن شلبي لم يعرف سوى لغة التعذيب والضرب للحصول على اعترافات من المتهمين، والذين يضطرون للاعتراف بأي شيء تحت وطأة التعذيب الذي كان يصل إلى درجة استخدام الصعق بالكهرباء في الأماكن الحساسة. كما يظهر في سجل شلبي الوظيفي حكم بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، في قضية مقتل مواطن بسبب التعذيب، وهي القضية التي حملت رقم 67909، لسنة 2000 قسم المنتزه بالإسكندرية.

ويبرز اسمه أيضاً في ملف مقتل المواطن سيد بلال، والذي وجّهت له أجهزة الأمن اتهاماً بالتورط في تفجير كنيسة القديسين، قبل ثورة يناير بأيام قليلة. وتدخل شلبي في حينه من موقعه بإدارة المباحث لتهديد أهالي بلال، والذي لقي مصرعه تحت وطأة التعذيب، مهدداً إياهم بالتنكيل بهم في حال اتخذوا أي خطوات تصعيدية ضد ضباط الأمن الوطني الذين قاموا بقتل ابنهم.

انتقل شلبي بعد ذلك إلى مديرية أمن الجيزة، وعُيّن وكيلاً لإدارة المباحث بها. ومع تسلّمه منصبه، بدأت مراحل إلقاء القبض على شباب صغار وشيوخ، للظهور على شاشة التلفزيون المصري، وإعلانهم، بعد تعرّضهم التعذيب، عن تورّطهم في "تكوين خلايا إرهابية"، قبل أن تتم تبرئتهم بعد ذلك عند تقديمهم للقضاء، ليتضح أن الاعترافات انتُزعت منهم في سلخانات التعذيب، بحسب أحد أعضاء هيئة الدفاع عن المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً بـ"كتائب جنوب الجيزة".

وأمام الإنجازات الوهمية لشلبي بتلفيق الاتهامات للأبرياء، تمّت ترقيته لمنصب رئيس مباحث الجيزة، بعد أن كان وكيلاً لها، وهو المنصب الذي يتولاه حتى الآن، وهو المنصب الذي من خلاله خرج شلبي بعد ساعتين فقط من العثور على جثة ريجيني، ليُعلن أن الإيطالي لقي حتفه جراء حادث سير عادي، من دون انتظار تقرير الطب الشرعي.

مع العلم أن صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، ذكرت أمس الأربعاء، أنها "حصلت على رسالة تلقّتها من شخص يزعم أنه يعمل في الاستخبارات المصرية". وأضافت الصحيفة أن "الرسالة تكشف تفاصيل عن تورّط الأمن المصري في تعذيب وقتل ريجيني". ووفقاً للصحيفة الإيطالية، غير الحكومية، فإن الرسالة وصلت باللغة العربية، من شخص لم يفصح عن هويته، ويسرد فيها تفاصيل بشأن ما جرى لريجيني منذ اختفائه، وحتى العثور على جثته ملقاة في 4 فبراير/شباط. ويزعم مرسل الرسالة أن "قرار إلقاء القبض على ريجيني جاء من اللواء خالد شلبي، أثناء تواجد الشاب الإيطالي في حي الدقي التابع لمدينة الجيزة مركز المحافظة".
المساهمون