يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال ساعات، نظيره الأميركي دونالد ترامب، ضمن أهم فعاليات زيارته إلى واشنطن، وذلك بعدما كان التقى خلال اليوم الأول من الزيارة وزير الخارجية مايك بومبيو، وكبير مستشاري ترامب وصهره، جاريد كوشنر، في مقر إقامته.
وبحسب الرئاسة المصرية، فقد أكد السيسي خلال اللقاءين حرص بلاده على تدعيم وتعميق الشراكة الاستراتيجية الممتدة مع الولايات المتحدة، والتي تمثل ركيزةً مهمة للحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، معرباً عن التطلع لتعظيم التنسيق والتشاور مع الجانب الأميركي خلال الفترة المقبلة، بشأن مختلف الملفات السياسية والأمنية ذات الاهتمام المشترك.
وبحسب بيان للرئاسة، عبّر بومبيو عن ثقته في أن مباحثات السيسي مع ترامب ستدعم مسيرة العلاقات بين البلدين على نحو بناء وإيجابي، خاصةً في ظلّ التزام الإدارة الأميركية بتعزيز أطر التعاون المشترك مع مصر فى مختلف المجالات، مشيداً بما وصفه بـ"جهود السيسي لمكافحة الإرهاب وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة في مصر والمنطقة".
واحتلت القضية الفلسطينية ومستجدات التخطيط لما يسمى "صفقة القرن" مكاناً بارزاً في محادثات السيسي مع المسؤولين الأميركيين. وبحسب الرئاسة المصرية، إن بومبيو قد أعرب عن "تقدير بلاده البالغ" للجهود المصرية الأخيرة في احتواء الوضع في قطاع غزة ومنع تفاقم الموقف، مبدياً تطلعه لاستمرار التشاور مع مصر في هذا الشأن.
وذكرت الرئاسة المصرية أن كوشنر، بدوره، عبّر عن "الأهمية البالغة" التي توليها بلاده للتشاور مع مصر في إطار "الصفقة"، باعتبار القاهرة مركز ثقل لمنطقة الشرق الأوسط، ولما لديها من خبرات طويلة ومتراكمة في التعامل مع كافة الأطراف المعنية في هذا الخصوص.
ونقلت الرئاسة عن السيسي تأكيده موقف مصر الثابت في هذا الصدد، بالتوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة وفق المرجعيات الدولية.
كما نقلت تأكيده أن مصر ستظل داعمة لأي جهد مخلص يضمن التوصل إلى حلٍّ عادل ودائم للقضية الفلسطينية، استناداً إلى قرارات ومرجعيات الشرعية الدولية وحل الدولتين وما تضمنته المبادرة العربية، على نحو يحفظ الحقوق الأصيلة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي من شأنه صياغة واقع جديد بمنطقة الشرق الأوسط يحقق تطلعات شعوبها في الاستقرار والبناء والتنمية والتعايش في أمن وسلام.
وفي ظلّ غياب أي حديث رسمي عن وضع القدس المحتلة، وإعلان ترامب تبعية الجولان السوري المحتل لإسرائيل، تحدث السيسي أيضاً عن ضرورة تفاعل المجتمع الدولي لإنهاء المعاناة الإنسانية في سائر أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصةً قطاع غزة، وموضحاً الجهود المصرية المركزة أخيراً لاحتواء الأوضاع في غزة وتخفيف المعاناة عن سكان القطاع، فضلاً عن الجهود الرامية لتحقيق المصالحة الوطنية.
أما بشأن القضايا الإقليمية الأخرى في ليبيا واليمن وسورية، فقد نقلت الرئاسة المصرية عن السيسي قوله إن "لا سبيل لتسوية تلك الأزمات إلا من خلال الحلول السياسية، بما يحافظ على وحدة أراضي دولها وسلامة مؤسساتها الوطنية، ومن ثم يوفر الأساس الأمني لمكافحة التنظيمات الإرهابية ومحاصرة عناصرها للحيلولة دون انتقالهم إلى دول أخرى بالمنطقة".
وفي إطار الزيارة، قالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد" إن السيسي ناقش مع بومبيو وكوشنر، كما سيناقش مع ترامب، مسألتين تحتلان صدارة الاهتمام الأميركي حالياً في ما يخص التجهيز لـ"صفقة القرن"، وهما غزة، والعلاقات العربية-الإسرائيلية.
وتتعلق المسألة الأولى بتنسيق الملف الأمني في غزة والسيطرة على حركة "حماس" وتحجيم قوتها العسكرية، وهي المهمة التي كان ترامب قد أوكلها إلى السيسي لتقدم في إطار ما وُصف بـ"الجهود المصرية لإتمام المصالحة الفلسطينية" والتي شهدت انتكاسة كبرى في الشهور الأخيرة.
وتناقش المسألة الثانية مستقبل العلاقات العربية-الإسرائيلية، حيث تربط إدارة ترامب إمكانية حدوث انفراجة في ما يتعلق بالأوضاع الإنسانية في غزة، وتمكين الفلسطينيين من إقامة دولة قابلة للحياة، بضرورة انخراط أكبر عدد ممكن من الدول العربية في علاقات حية ومستدامة مع الإسرائيليين، الأمر الذي لا يرفضه السيسي بالطبع، لكنه يختلف مع ترامب في ترتيب الأولويات، ويرى أن الأوضاع قد تنفجر فتستحيل السيطرة عليها في غزة تحديداً.
إلى ذلك، أوضحت المصادر أن بومبيو تحدث مع السيسي عن تطورات التعديلات الدستورية في مصر، وأنه تلقى إجابات عامة مثل أن لا صلة بين الرئاسة والتعديلات، وأنه من غير المعروف ما إذا كانت النصوص ستمرر كما هي أم ستطرأ عليها تعديلات، في إطار محاولة السيسي اصطناع مؤسسية للنظام المصري.
وأكدت المصادر أن التعديلات الدستورية واقتصاد الجيش ومستقبل العمل الأهلي والمدني هي الموضوعات الرئيسية التي تسيطر على لقاءات السيسي ومساعديه بدوائر صنع القرار ووفود مراكز الأبحاث الأميركية التي سيلتقيها خلال الزيارة، والذين عبروا في اتصالات مختلفة، أخيراً، مع الخارجية المصرية والاستخبارات العامة بضرورة تأمين الجبهة الداخلية بضمانات حقيقية لعدم حدوث هزة كبيرة في المستقبل من جراء العبث بالدستور.
ووزعت الخارجية المصرية على الصحافيين الأميركيين ونواب الكونغرس وممثلي الوفود المختلفة التي التقت السيسي أو أعضاء الوفد المرافق له، تقارير "إيجابية" عن ملفين داخليين رئيسيين آخرين؛ الأول هو مستقبل العمل الأهلي في مصر. إنها مسألة يهتم بها ترامب شخصياً، وقد طرحها تقرير الخارجية الأميركية السلبي عن مصر الصادر الشهر الماضي بشكل واسع، لأنها مجال أساسي لإنفاق ملايين الدولارات سنوياً من جهات مانحة حزبية وأكاديمية، وهي كانت سبباً في قرار واشنطن السابق في صيف 2017 بتجميد نحو 290 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر لمدة 13 شهراً، على خلفية إصدار قانون الجمعيات الأهلية في مايو/ أيار من ذلك العام، وظهور دعوة حجب المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة وربطها بإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان.
أما الملف الثاني فهو الخاص بالإصلاح الاستثماري وتطوير وسائل التعامل مع رؤوس الأموال الأجنبية، وهي أمور يرد من خلالها النظام بشكل غير مباشر على مسألة تغول الجيش على مصالح المستثمرين المحليين والأجانب في مجالات متعددة.