وتدفقت الحشود البشرية منذ صباح اليوم على شوارع وساحات التظاهر وسط العاصمة الجزائرية، في الجمعة الـ30 من الحراك الشعبي.
وزادت مخلفات الفيضانات التي تسببت في تعطل حركة السير، وتوقف وسائل المواصلات العامة، كالمترو والترامواي، من حنق الجزائريين على السلطة والحكومة، ووجدوا في ذلك فرصة سانحة لتجديد المطالبة برحيل حكومة نور الدين بدوي، ورفض استمرارها أو إشرافها على الانتخابات المقبلة، خاصة أن الخطاب الأخير لقائد الجيش الذي كال مديحاً للحكومة وثمّن إنجازاتها، لم يكن موفقاً في علاقة تعرية الأمطار والفيضانات لسوء التخطيط، وفضائح بالجملة لمشاريع أنجزتها الحكومة، بما فيها المطار الدولي الجديد الذي لم يدخل الخدمة بعد، ومع ذلك اجتاحته الأمطار.
ورفع المتظاهرون شعارات ونادوا بهتافات مناوئة أيضاً لرئيس الدولة عبد القادر بن صالح "بدوي وبن صالح لازم يتنحاو" (يجب أن يرحلوا)، "والله مارانا حابسين" (لن نتوقف عن المظاهرات)، لكن أكثر مواقف الحراك الشعبي بروزاً في مظاهرات اليوم الجمعة، كانت تتعلق برفض المسار الانتخابي الذي يسعى الجيش والسلطة لفرضه، وطالبوا بتمدين الحكم ورفض هيمنة الجيش على القرار السياسي، عبر شعارات "دولة مدنية وليس عسكرية".
وعبرت المظاهرات، الجمعة، عن رفض قطعي للانتخابات الرئاسية المقرر أن يدعو إليها رئيس الدولة بضغط من الجيش الأحد المقبل، وتنظم في شهر ديسمبر/ كانون الأول.
وهتف المتظاهرون طويلاً "لن نذهب إلى انتخابات ولن نتوقف عن التظاهر"، كما طالب بعض المتظاهرين برحيل كل رموز النظام السابق، وتحديداً رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، وقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.
وكان بن صالح أبرز الشخصيات التي كانت محل استهداف واضح من قبل المتظاهرين، سواء بالهتافات أو الشعارات.
وقال الناشط البارز في الحراك الشعبي لـ"العربي الجديد"، إن "قائد الجيش يحاول فرض انتخابات رئاسية قبل توفير أية ضمانات بالنسبة لنا"، مضيفاً أن "الحراك والشعب والطلبة وكل فئات المجتمع التي خرجت للتظاهر منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، حين كان قائد الجيش يدعم العهدة الخامسة الكارثية التي كان بوتفليقة يقود البلد إليها، لم يعودوا يخافون من أية سلطة".
وحضرت صور عدد من الناشطين السياسيين الموقوفين من قبل السلطات، كالقيادي الثوري لخضر بورقعة، والناشط السياسي كريم طابو، الذي اعتقل ظهر الأربعاء، بسبب مواقفه من الجيش.
وقال الناشط والمحلل السياسي أحسن خلاص إن حملة الاعتقالات التي طاولت بعض الناشطين، آخرهم كريم طابو، أفرزت حملة تعاطف كبيرة لصالحهم، مشدداً على أن "مثل هذه التوقيفات لم تكن لتخيف الجزائريين، ولن تثنيهم عن مطالبهم السياسية المتعلقة بإنجاز تغيير جذري".
وشكك المتظاهرون في عمليات ملاحقة وتوقيف الناشطين من قبل العدالة، واتهموا المؤسسة القضائية بالخضوع للضغوطات من قبل السلطة والجيش، ورفعوا شعارات تتحدث عما يعتبرونه "عدالة الهاتف"، في إشارة إلى استمرار تبعية القضاء للسلطة، وتنفيذ توقيفات وملاحقات ضد ناشطين ومدونين على خلفية مواقفهم وكتاباتهم دون أي مبرر.
ورفع المتظاهرون من مستوى العتب على الصحافة ووسائل الإعلام "التي أدارت في الفترة الأخيرة ظهرها للحراك الشعبي"، وأظهرت تحاملاً على الناشطين، وأعادت إنتاج نفس طريقة معالجة الأحداث لصالح السلطة، على حساب المواقف والرؤى المخالفة لها، وتمجيد الجيش وقائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، بالطريقة نفسها التي كان يتم بها تمجيد الرئيس المستقيل بوتفليقة.
وعلى غرار باقي الجمعات، استمرت السلطات في التضييق على حركة الدخول إلى العاصمة الجزائرية، كما استمرت في التضييق على الصحافيين ووسائل الإعلام، وحصر مساحات التظاهر.
وضيّقت السلطات الأمنية من مساحات التظاهر، حيث ركنت، منذ الصباح الباكر، سيارات ومركبات الشرطة على أطراف الشوارع والساحات، ونشرت أعداداً من قوات وعناصر الأمن والشرطة بالزي الرسمي والمدني، واعتقلت في الصباح عدداً من المتظاهرين نقلتهم إلى مراكز أمنية بسبب هتافات وشعارات ضد قائد الجيش والحكومة.
وبحسب المحلل السياسي أحسن خلاص، فإن هذه المظاهرات، التي تأتي بالتزامن مع إنهاء غرفتي البرلمان عملية المصادقة واستصدار قانون استحداث أول هيئة للانتخابات، تفتح الباب واسعاً أمام احتمالات تحول الموقف إلى حالة صدام بين السلطة التي تسعى لفرض الانتخابات، وبين الحراك الشعبي الذي يرفض التوجه إلى المسار الانتخابي من دون ترتيبات جدية وحقيقية تضمن القطيعة مع ممارسات النظام السابق.