عد عكسي للانتخابات التشريعية الإيرانية: محافظون منقسمون وإصلاحيون غير متحمسين

18 فبراير 2020
تتنافس قوائم عدة داخل التيار الواحد (فرانس برس)
+ الخط -

انطلق العد التنازلي في إيران تمهيداً لانتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بدورتها الحادية عشرة، التي تُجرى يوم الجمعة المقبل الموافق 21 فبراير/شباط الحالي. وتكتسب هذه الانتخابات أهمية كبيرة، كونها تجري في ظروف تعتبرها السلطات الإيرانية "حساسة للغاية"، لم يسبق أن مرّت بها البلاد منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ووسط برودة "إصلاحية" بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور عدداً من مرشحي هذا التيار.

وبدأت الحملات الانتخابية لانتخابات "الشورى" يوم الخميس الماضي، وتستمر أسبوعاً، إلى ما قبل 24 ساعة من فتح صناديق الاقتراع، عند الساعة الثامنة من صباح يوم الجمعة بالتوقيت المحلي، لاستقبال أصوات الإيرانيين الذين يحق لهم الاقتراع، والبالغين سنّ الثامنة عشرة، وهم 57 مليوناً و918159 شخصاً، منهم 29 مليون إيراني وأكثر من 28 مليون إيرانية. وتستمر عملية الاقتراع 10 ساعات، قابلةً للتمديد بقرار من وزير الداخلية الإيراني عبد الرضا رحماني فضلي.

يتنافس في السباق الانتخابي التشريعي في إيران لهذه الدورة 7157 مرشحاً، حازوا الأهلية من قبل مجلس صيانة الدستور، المناط إليه في الدستور موضوع الرقابة على الانتخابات والمصادقة على أهلية المرشحين، وذلك من أصل 16033 شخصاً قدموا طلباتهم للتنافس على 290 مقعداً برلمانياً. ورفض "صيانة الدستور" ترشح 8876 شخصاً، مستبعداً أكثر من نصف المرشحين، من بينهم 75 نائباً في البرلمان الحالي، معظمهم من الإصلاحيين والمقربين مما توصف بحكومة "المعتدلين". ويبلغ عدد النساء المرشحات في الانتخابات 782 امرأة و6375 رجلاً.

وفي محافظة طهران البالغ عدد مقاعدها البرلمانية 35، منها 30 مقعداً للعاصمة نفسها، وافق مجلس صيانة الدستور على أهلية 1578 مرشحاً من بينهم 1453 في دائرة طهران الانتخابية، وذلك من أصل 2097 ترشحوا للانتخابات.

وتعني هذه الأرقام أن كل 24 مرشحاً، كمعدل، سيتنافسون على كل مقعد من مقاعد البرلمان الإيراني الـ290. وفي محافظة طهران، يصل المعدل إلى 45 مرشحاً بحسب ما نقلته وكالة "إرنا" عن المحافظ أنوشيروان محسني بندبي. إلا أن التيار الإصلاحي وأنصار حكومة حسن روحاني يشكون من رفض معظم مرشحيهم، معتبرين أن الانتخابات التشريعية "غير تنافسية".
ونقل موقع "اعتماد أونلاين" الإصلاحي، في وقت سابق من الشهر الحالي، عن وزير الداخلية الأسبق في عهد حكومة الرئيس محمد خاتمي، نائب رئيس المجلس الأعلى للإصلاحيين، عبد الواحد موسوي لاري، قوله "لا إمكانية للتنافس في 160 دائرة انتخابية"، من أصل الـ208، لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني أشار، خلال مؤتمره الصحافي الأحد الماضي، إلى أن عدد الدوائر غير التنافسية تراجع من 70 دائرة إلى 44 دائرة، بعد المصادقة على ترشح مرشحين رفضت أهليتهم سابقاً.

روحاني الذي وجّه انتقادات حادة لمجلس صيانة الدستور خلال الأسابيع الأخيرة، لرفضه عدداً كبيراً من المرشحين الإصلاحيين و"المعتدلين"، محذراً من تحويل الانتخابات إلى "أمر شرفي" في البلاد، ليّن موقفه أخيراً، مرجعاً انتقاداته السابقة إلى وجود 70 دائرة غير تنافسية. وقال روحاني إن ذلك "أقلقني"، لكنه أضاف أنه "سعيد لأن العدد تقلص إلى 44"، داعياً الإيرانيين إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات "حتى في الدوائر غير التنافسية"، معتبراً أن انتقاداته كانت منتجة، في إشارة غير مباشرة إلى تأكيد أهلية عدد من المرشحين كان "صيانة الدستور" قد رفضهم في وقت سابق.

إلا أن هذه الانعطافة للرئيس الإيراني، قد يكون سببها ما تعرّض له قبل أسبوعين من انتقاد غير مباشر من المرشد علي خامنئي، عندما لمّح الأخير إلى روحاني إليه بقوله "فلان مسؤول حكومي بارز"، داعياً إياه ومنتقدي مجلس صيانة الدستور إلى عدم إحباط الشارع من المشاركة في الانتخابات. واعتبر خامنئي أن "مهاجمة مجلس صيانة الدستور من أسوأ الأعمال"، مع توجيه الانتقاد لمن "تولوا مناصب بالانتخابات لكنهم يشككون فيها"، متسائلاً "عندما تكون الانتخابات لصالحكم، فهي صحيحة، لكنها عندما ليست لصالحكم فهي باطلة؟".

وجلب رفض مرشحين إصلاحيين ومحسوبين على الحكومة "المعتدلة"، انتقادات واسعة لمجلس صيانة الدستور بين أبناء هذا التيار، مع إطلاق البعض اتهامات ضده بـ"هندسة الانتخابات"، إلا أن المجلس ومعه التيار المحافظ يرفضان هذه الاتهامات. ويعتبر المحافظون أنها "مبررات مسبقة للإخفاق الانتخابي".



خريطة الانتخابات
وبعد الإعلان عن المرشحين النهائيين وانتشار القوائم الانتخابية، بدأت تتضح ملامح مشهد التنافس في هذا الاستحقاق الانتخابي التشريعي، إذ إن خريطة القوائم واللوائح المحسوبة على التيارات السياسية والمستقلين تشير إلى أن التنافس يجري على المقاعد الـ290 على النحو التالي:

1ـ التيار المحافظ

شكّل التيار المحافظ غالبية مقاعد البرلمان الإيراني خلال دورات أربع من عمر هذا البرلمان، آخرها الدورة الراهنة، ومن المرجح أيضاً أن يسيطر بأغلبية مطلقة على مجلس الشورى المقبل، لتنامي فرص فوزه مقابل الإصلاحيين، لأسباب متعددة وأصبحت معروفة، أهمها عدم وجود منافسة حقيقية مع التيار الإصلاحي في معظم الدوائر الانتخابية، بحسب التيار نفسه، وعزوف محتمل لقواعد إصلاحية عن التصويت، والانقسامات وتعدد القوائم الإصلاحية في دوائر مهمة مثل العاصمة، فيها نوع من التنافس، ولها رمزية خاصة.

ويشارك التيار المحافظ في السباق الانتخابي الحالي بقوة، وبالأساس يجري التنافس الانتخابي داخله بين معسكرين، المعسكر التقليدي والمعسكر الجديد المتشدد. كما يخوض التيار المحافظ الاستحقاق بقوائم متعددة في المدن والدوائر الانتخابية الكبرى، لا سيما في العاصمة طهران، ما يشي بانقسامات داخله حالت دون تقديم قوائم موحدة، على الرغم من محاولات بذلت في هذا الاتجاه. لكن البعض يعزو السبب إلى السعي لتسخين الانتخابات، في ظلّ القناعة بعدم وجود فرص كبيرة لفوز التيار الإصلاحي المنافس، كما أن آخرين يعتبرون أن سبب الخلافات هو تحديداً كثرة عدد المرشحين للتيار.

ويشارك التيار المحافظ بقائمتين رئيستين في هذه الانتخابات، بالإضافة إلى قوائم صغيرة ومرشحين مستقلين محسوبين عليه:

- قائمة "إيران الشامخة" (إيران سربلند)

شكّل مجلس تحالف القوى الثورية، المشكل عام 2018، والمعروف اختصاراً بـ"شانا"، قائمة "إيران الشامخة"، التي تعتبر أهم قائمة للتيار المحافظ في الانتخابات الراهنة. وأصدر المجلس قائمة دائرة طهران، يوم الجمعة الماضي، برئاسة المرشح الرئاسي السابق محمد باقر قاليباف، وهو قيادي سابق في الحرس الثوري الإيراني، وكان رئيس بلدية طهران السابق. كما أنه مرشح محتمل لخلافة علي لاريجاني، رئيس البرلمان الحالي، والذي لم يترشح لهذه الدورة. وتتضمن القائمة أيضا أسماء محافظة بارزة، وهي ترفع شعار "إنقاذ الاقتصاد الإيراني"، باعتبار أن الاقتصاد يشكل الشغل الشاغل للإيرانيين وأهم تحدٍ أمام البلاد.

- قائمة "جبهة الصمود" (جبهه بايداري)

هذه الجبهة الأصولية مقربة من رجل الدين المحافظ مصباح يزدي، الذي كان مقرّباً في السابق من الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. وقدمت الجبهة بعد فشل مشاوراتها مع مجلس تحالف القوى الثورية، قائمة مستقلة باسم "المجلس القوي والثوري"، يترأسها في طهران رجل الدين مرتضى آقا طهراني، علماً أن هناك أسماء مشتركة بين القائمتين المحافظتين.

بالإضافة إلى هاتين القائمتين، ثمة قوائم محافظة أخرى، تشارك في السباق الانتخابي، أهمها قائمة "تحالف الشعب"، التي شكلها وزراء ومسؤولون في حكومتي نجاد، وهم محسوبون على التيار "النجادي" المحافظ، إلا أن الأخير لم يعلن بعد دعمه لهذه القائمة.

وعلى الرغم من الانقسامات بين المحافظين، إلا أنه يصعب أن تؤدي إلى تشتت أصواتهم لصالح التيار الإصلاحي، وإن كان لها مفعول في هذا الصدد، فسيكون محدوداً جداً، وفي دوائر تشهد نوعاً من التنافس بين التيارين. ويعود السبب في ذلك، إلى أن الإصلاحيين لا يشكلون خلال هذه الدورة خطراً كبيراً، وإنما ستشتت الأصوات على الأغلب بين المعسكرين المحافظين، ما يعني أن تعدد قوائم المحافظين سيكون له مردود إيجابي عليهم، ويحقق مشاركة أكبر قدر ممكن من شرائحهم.

ويبقى التحدي الأكبر أمام التيار المحافظ هو حثّ أصحاب الأصوات "الرمادية" على المشاركة في الانتخابات في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يواجهها الإيرانيون هذه الأيام. لذلك يسعى مرشحو هذا التيار من خلال التركيز على رفع شعارات اقتصادية، إلى تحقيق هذا الهدف، لكن مفاعيل هذه الشعارات والوعود ستبقى مؤجلة التنفيذ نظراً إلى صعوبة المرحلة الراهنة.




2ـ التيار الإصلاحي

لم يبد التيار الإصلاحي هذه المرة على عكس الدورات السابقة، حماسته المعهودة للترشح للانتخابات التشريعية، ما أدى إلى امتناع وجوه بارزة عن الترشح، مثل النائب محمد رضا عارف، والذي يتولى رئاسة المجلس الأعلى للإصلاحيين. وتتعدد أسباب هذا الامتناع، في مقدمتها تداعيات المشاكل التي تعرّض لها هذا التيار منذ احتجاجات عام 2009 على خلفية الموقف من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وكذلك الانقسامات داخله بشأن الموقف من العملية الانتخابية ترشحاً ومشاركةً. لكن على الرغم من حالة العزوف والانقسام هذه، ترشح عددٌ لا بأس به من الإصلاحيين. إلا أن المجلس الأعلى للإصلاحيين أعلن، الشهر الماضي، أن 90 في المائة منهم رفضت أهليتهم.

وبناءً عليه، كشف المجلس، في الرابع من الشهر الحالي، أنه "لن يقدم قائمة موحدة" في هذه الانتخابات، ليعزو بعض المراقبين السبب إلى قلة عدد مرشحي التيار، وإلى أن الكثير منهم غير معروفين. إلا أن المجلس الإصلاحي الأعلى، وفي ظلّ وجود انقسام داخل الأحزاب الإصلاحية بين موافق ومعارض بشأن إصدار قوائم انتخابية من عدمه، أعطى موافقته لأي حزب يرغب في تقديم قائمة مستقلة باسمه. وهو ما حصل بالفعل، إذ ظهرت في طهران حتى الآن ثلاث قوائم إصلاحية، يترأسها كلها عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام، مجيد أنصاري. القائمة الأولى لحزب "كوادر البناء" المقرّب من الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني، وتعرّف عن نفسها بقائمة "أصحاب هاشمي". وفي تعليقها على القائمة، ذكرت صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، الأسبوع الماضي، أن 11 فقط من أعضاء القائمة البالغ عددهم 30 لاحتلال مقاعد طهران، معروفون. والقائمة الثانية هي لتحالف ثمانية أحزاب إصلاحية، 18 من أعضائها مشتركون مع قائمة "كوادر البنّاء". كما أن الإصلاحيين كشفوا عن قائمة ثالثة لطهران، مساء الأحد الماضي، حملت اسم "أصحاب الإصلاحيين"، بعضوية 17 شخصاً، يترأسها أنصاري.

وواجهت هذه الأحزاب انتقادات من أوساط إصلاحية رفضت تقديم قوائم انتخابية، لينال حزب "كوادر البناء" الذي بدا الأكثر حماسة لخوض السباق الانتخابي، القسط الأكبر من الانتقاد. هذا السجال وكذلك تقديم ثلاث قوائم، وقوائم أخرى قد تتشكل خلال الأيام القليلة المقبلة، يعكس حجم الانقسام الذي آل إليه التيار الإصلاحي. وعلى الرغم من أن تحليلات لا تستبعد أن تتوحد الأحزاب الإصلاحية المشاركة في قائمة واحدة في نهاية المطاف، إلا أنها وإن فعلت ذلك، فستظل فرص فوزها بمقاعد طهران أقل من المحافظين.

تكتسب الانتخابات البرلمانية المرتقبة في إيران أهمية كبيرة لجهة توقيتها ودلالاتها، كونها الأولى التي تجري في البلاد منذ بداية الأزمة المتصاعدة مع الولايات المتحدة على خلفية انسحابها من الاتفاق النووي في الثامن من مايو/أيار 2018، الأمر الذي وضع طهران أمام أزمات وتحديات، داخلية وخارجية. فعلى الصعيد الداخلي، تأتي الانتخابات على وقع ظروف اقتصادية صعبة يواجهها المواطن الإيراني، سببها الرئيسي يعود إلى العقوبات الأميركية الشاملة "غير المسبوقة"، بحسب السلطات الإيرانية. هذه العقوبات استهدفت شرايين الاقتصاد الإيراني، ما تسبب في ارتفاع هائل في الأسعار والخدمات، وتبعاً لذلك بتراجع حاد في القوة الشرائية للإيرانيين، لتفجّر الأزمة الاقتصادية احتجاجات في إيران مرتين خلال العامين الأخيرين، الأولى نهاية عام 2017 وبداية عام 2018، والثانية، وهي كانت الأوسع والأكثر شمولاً، اندلعت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وعلى وقع ذلك، ستشكل نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بعد أيام تحديا للسلطات الإيرانية، التي تدعو إلى "المشاركة القصوى" في الاستحقاق، للرد على "الضغوط الأميركية القصوى".

أما على الصعيد الخارجي، فتنظم إيران انتخاباتها التشريعية في خضم النزاع المتنامي مع الإدارة الأميركية وحلفائها في المنطقة، الذي يأتي في سياق الصراع القديم المتجدد مع واشنطن، والذي بلغ أشده خلال الأشهر الأخيرة نتيجة تراكم العداوات ودخوله أخطر مراحله منذ قيام الثورة. هذا النزاع مرشح لمزيد من التصعيد خلال المرحلة المقبلة على ضوء انسداد الأفق السياسي والدبلوماسي، ما سيفاقم من حجم التحديات التي تواجهها الجمهورية الإسلامية في ظلّ انقسامات في الرؤى والتوجهات بين التيارات والقوى السياسية، المشاركة في الحكم أو غير المشاركة فيه، حول إدارة هذه المرحلة الحساسة. وفيما أصبح التيار المحافظ "الثوري" يتخذ موقعاً متشدداً تجاه أي تفاوض مع الولايات المتحدة، لم يفقد الإصلاحيون والحكومة الإيرانية، وأنصارها المعروفون بـ"المعتدلين"، أملهم في الدبلوماسية والتفاوض مع الغرب خصوصاً واشنطن. ويخفي هؤلاء رغبتهم في "التعامل البنّاء" مع الغرب، وتكرار تجربة التفاوض مع واشنطن، على الرغم من حالة الانهيار التي أصابت الاتفاق النووي الذي يعتبر أبرز إنجازاتهم. ويأتي ذلك على الرغم من تبنّي رفض التفاوض كموقف رسمي للبلاد، محسومٍ من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي، إلا أن ما بين السطور في تصريحات أركان الحكومة يشي بشيء آخر.