تحشيد في إدلب: إيران تدفع لاستئناف العمليات العسكرية

18 ابريل 2020
يتخوّف أهالي إدلب من عودة المعارك (محمد سعيد/ الأناضول)
+ الخط -
تعيش محافظة إدلب، ومناطق شمالي غرب سورية، حالة ترقب، في ضوء التحشيد والتصعيد الميداني لقوات النظام، والمليشيات المدعومة من إيران، واللذين ينذران باستئناف العمليات العسكرية في المنطقة، على الرغم من اتفاق الهدنة الساري مفعوله منذ شهر ونصف الشهر، بناء على تفاهمات تركية – روسية. ويُلحظ الدور النشط لإيران ومليشياتها في تحريض النظام السوري على خرق الهدنة، فضلاً عن دور إماراتي مماثل، كانت قد كشفت عنه بعض وسائل الإعلام الدولية أخيراً.

وقالت شبكات محلية إن قوات النظام استهدفت، صباح أمس الجمعة، بالرشاشات الثقيلة، قريتي كفرتعال وكفرعمة غرب حلب من مواقعها في "الفوج 46" وريف المهندسين، في حين ساد هدوء حذر محاور الاشتباك في محافظة إدلب، بعد يوم من التصعيد خلّف قتلى وجرحى في صفوف فصائل المعارضة، جرّاء استهداف آلياتهم بقنابل من طائرة مسيرة مجهولة. وقتل مدني إثر قصف مدفعي لقوات النظام في "الفوج 46"، استهدف قرية كفرتعال في ريف حلب الغربي، وأصيبت ثلاث نساء أثناء عملهن في الأراضي الزراعية بالقرب من بلدة تفتناز شرق إدلب، جراء استهداف قوات النظام المنطقة بالرشاشات الثقيلة.

كذلك قصفت قوات النظام في وقت سابق مناطق آفس وكنصفرة وكفرعويد والفطيرة ومجازر والصالحية وفليفل في ريف إدلب، وقريتي كفر تعال والقصر غرب حلب، وقرية العنكاوي غرب حماة، فيما تمكن مقاتلو المعارضة من إسقاط طائرة مسيّرة تابعة للمليشيات الإيرانية.

وبحسب مصادر إعلامية في المعارضة السورية، فقد استهدف التصعيد أول من أمس الخميس اغتيال أحد أهم رماة الصواريخ الموجهة لدى المعارضة، وهو ماهر كوجك، الذي يقول ناشطون إنه مسؤول عن تدمير نحو 150 هدفاً لقوات النظام والمليشيات الرديفة منذ التحاقه بصفوف المعارضة المسلحة قبل سنوات. وكان كوجك من أمهر الرماة على مجموعة من الصواريخ الموجهة (تاو - فاغوت - كورنيت - كونكورس)، وعمل مع كل الفصائل بدون تمييز، على الرغم من انتسابه لـ"الفرقة الثانية الساحلية" التابعة للجيش الحر، وسبق أن قتل شقيقاه في معارك الساحل السوري.


ويعتبر هذا الاستهداف الأول من نوعه الذي تستخدم فيه طائرات مسيّرة، بعد هدنة وقف إطلاق النار التي وقعت بين تركيا وروسيا في الخامس من شهر مارس/ آذار الماضي، والتي تضمنت تسيير دوريات مشتركة روسية - تركية على الطريق الدولي حلب - اللاذقية "إم 4"، وهو ما لاقى رفضاً من قبل المدنيين والعسكريين في إدلب، الذين نظموا اعتصامات مفتوحة على الطريق لمنع مرور الدوريات الروسية، قبل أن تعمد القوات التركية إلى فضّها بالقوة.

وكان من نتائج الاتفاق التركي الروسي تهميش الدور الإيراني في شمالي غرب سورية، وتكريس الهيمنة الروسية على القرار العسكري في المنطقة، من خلال الاتفاقات مع تركيا الداعمة لفصائل المعارضة، وهو ما حذا بإيران، بحسب مراقبين، إلى دفع النظام ومليشياتها من أجل استقدام تعزيزات للمنطقة خلال الأسابيع الماضية، خصوصاً على جبهة جورين بريف إدلب، وسط تخوف من عودة المعارك. كذلك زادت تعزيزات المليشيات الإيرانية في محاور ريف حلب الغربي، لكنها ما زالت دفاعية في المرحلة الحالية، بحسب مصادر عسكرية في المنطقة.

وتنتشر في محيط كفرنبل ما يعرف بقوات (313)، وهي قوات ممولة ومدعومة من قبل إيران، وتضم مقاتلين سوريين وأجانب. وفي محيط سراقب، تنتشر قوات تسمى بـ"قوات الرضوان"، وهي تابعة لـ"حزب الله" اللبناني، إضافة لانتشار قوات من المليشيات العراقية الموالية لإيران في محيط هذه المدينة. كذلك عزّزت المليشيات الإيرانية نقاط تمركزها في محيط جبل شحشبو شمال غرب حماة، وانتشرت مليشيات تسمى بـ"فوج النبي الأكرم"، وهي موالية لإيران.

وفي المرحلة الحالية، يتطلّع النظام إلى السيطرة على منطقة جبل الزاوية جنوبي الطريق "إم 4"، كونها تطل على الطريق الدولي، ويمكن من خلال السيطرة عليها التحكم بكل المناطق المجاورة نظراً لارتفاعها عنها. ويمثل جبل الزاوية حلقة وصل بين الجنوب والشمال والغرب والشرق، إلى جانب دوره العسكري المتحكم في المناطق المجاورة.

ورأى مراقبون أن إيران تدفع النظام إلى استئناف المعارك في إدلب بغية تخريب الاتفاقات الروسية التركية الأخيرة التي أخرجتها تقريباً من المعادلة، وجعلت مصير تلك المناطق شأناً روسياً تركياً.

وذكرت تسريبات صحافية مؤخراً أن زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الأخيرة (مارس/ آذار الماضي) إلى العاصمة السورية دمشق، حيث اجتمع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، استهدفت على الأغلب حثّ النظام على الالتزام بالهدنة المتفق عليها مع تركيا، وتحذيره من عواقب الانجرار وراء التحريض الإيراني لاستئناف العمليات العسكرية، ذلك أن روسيا لا تريد أيّ خطوات قد تفجر عملها المشترك مع الجانب التركي.

كذلك كشف تقريرٌ إعلامي قبل نحو أسبوع عن دور حاولت الإمارات لعبه، لتعطيل وقف إطلاق النار بين القوات الروسية والنظام السوري والمليشيات التابعة له من جهة، وفصائل المعارضة المدعومة من تركيا في إدلب من جهة أخرى.

في المقابل، فإن الجانب التركي تعهد بالقيام بخطوات تجاه المجموعات المتطرفة في إدلب، خصوصاً أن هذه المجموعات تعرضت للقوات التركية نفسها من خلال تفجير أوقع قبل فترة جنديين تركيين، واتهم تنظيم "حراس الدين" المحسوب على "القاعدة" بالوقوف خلفه.

وقد دخل صباح أمس الجمعة رتل عسكري تركي جديد نحو الأراضي السورية، مكون من 30 شاحنة مغلقة وآلية عسكرية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي أضاف أن تلك الآليات دخلت من معبر كفرلوسين الحدودي، واتجهت نحو المواقع التركية في المنطقة. وبحسب المرصد، فقد بلغ عدد الآليات التركية التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الأخير 2665 آلية، إضافة إلى آلاف الجنود.

وكان دخل رتل عسكري تركي آخر أول من أمس الخميس، من معبر كفرلوسين الحدودي إلى محافظة إدلب، يتكون من آليات عدة تضم عربات مجنزرة وآليات ثقيلة وغرفاً مسبقة الصنع. كما دخل رتل عسكري تركي، الثلاثاء، من المعبر ذاته إلى المحافظة، يضم مصفحتين وحاملتي دبابات وأربع شاحنات فارغة، سبقه دخول 20 قاطرة محملة بمحارس إسمنتية، ترافقها سيارات ذخيرة ومصفحتان.

وقد جددت موسكو القول إنها تعول على أنقرة في "فصل المعارضة المسلحة عن الإرهابيين" في إدلب. وقال السفير الروسي في دمشق ألكسندر إيفيموف إنّ "إعادة تسميتهم لن تغير من طبيعتهم الإرهابية". ونقلت وكالة أنباء "نوفوستي" الرسمية عن إيفيموف قوله إن "الاتفاقات الروسية - التركية ساعدت على تقليص التوتر في منطقة خفض التصعيد في إدلب"، مشدداً على أن الجانب التركي لا يقلل من "أهمية وضرورة مواصلة الحرب ضد الإرهاب" وعودة تلك الأراضي إلى سيادة الحكومة السورية، وفق قوله.

وأشار الدبلوماسي الروسي إلى استمرار الاتصالات بين روسيا وتركيا لضمان الامتثال للاتفاقيات التي تم التوصل إليها، قائلاً "نفترض أن جميع المهام المحددة يمكن حلها، فإن الوجود العسكري التركي المتبقي في منطقة خفض التصعيد سيكون مؤقتاً، وفي نهاية المطاف سيحين الوقت لإنهاء وجوده هناك".

​