تجدُّد عمليات المقاومة الفردية يربك إسرائيل أمنياً وسياسياً

20 سبتمبر 2016
العمليات الفردية تخلط حسابات الاحتلال (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -
أفرز انفجار عمليات المقاومة الفردية في أرجاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، تحديات أمنية وسياسية وميدانية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي. فقد أحرج هذا التطور رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وكبار وزرائه، بعدما سبق لهم الإعلان عن انتصار إسرائيل على موجة من العمليات الفردية، التي تفجرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. لكن تبين، وبخلاف ما ادعى نتنياهو، أن الإجراءات الأمنية والعقوبات الجماعية، التي نفذتها إسرائيل بشكل منهجي ضد الفلسطينيين، لم تنجح في ردع هؤلاء عن استئناف تنفيذ هذه العمليات بعد فترة توقف استمرت عدة أسابيع.

ويمثل استئناف العمليات أهم تحدٍّ سياسي لوزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الذي تولى مقاليد الأمور في الوزارة في ظل حالة هدوء نسبي. ومما لا شك فيه أن تنفيذ عمليات المقاومة الفردية بهذه الوتيرة يشكل اختباراً صعباً لاستراتيجية "العصا والجزرة" التي أعلن عنها ليبرمان، والتي بموجبها سيتم فرض قائمة من العقوبات الجماعية على الفلسطينيين، الذين يقطنون في كل منطقة يخرج منها أحد منفذي العمليات الفردية. فهناك في إسرائيل من يخشى أن يمثل تطبيق هذه الاستراتيجية محفزاً إضافياً لمبادرة المزيد من الشباب الفلسطيني لتنفيذ مثل هذه العمليات.

في المقابل، سيمثل تجدد العمليات الفردية اختباراً لمخطط ليبرمان الهادف إلى بلورة قيادة فلسطينية محلية جديدة، تكون بديلاً عن قيادة السلطة الفلسطينية. وسبق له أن أعلن عن إجرائه  "مئات" اللقاءات مع شخصيات فلسطينية، جلهم رجال أعمال، بهدف بلورة القيادة الجديدة دون أن يتم الكشف عن اسم واحد من هذه الشخصيات. ولو صحت مزاعمه بوجود فلسطينيين مستعدين للتعاون مع مخططه، فهذا يعني أن العقوبات الشديدة التي توعد بها ليبرمان ضد المناطق التي سيخرج منها منفذو العمليات، ستحرج هذه الشخصيات أمام الجمهور الفلسطيني وسيقلص من قدرتها على التحرك. ولعل التجربة خير دليل على ذلك، لأن الكشف عن مظاهر التعاون الأمني مع إسرائيل يحرج السلطة الفلسطينية، لا سيما في ظل تواصل القمع والاستيطان والتهويد.



تجدر الإشارة إلى أن تفجر عمليات المقاومة الفردية شكل فرصة، لبعض الأوساط الإسرائيلية، لانتقاد الرهان على خيار ممارسة القوة في مواجهة تطلعات الشعب الفلسطيني للتخلص من الاحتلال. وكتب المعلق في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، أن تفجر موجة العمليات يدل على أنه لا يمكن "إجبار الفلسطينيين على التعايش مع الاحتلال وقبوله"، محذراً من أن تواصل الواقع الحالي يمكن أن يستعدي عرباً من خارج الأراضي الفلسطينية ضد إسرائيل. واعتبر في مقال نشرته صحيفة "معاريف"، في عددها الصادر أمس الإثنين، أن الهدوء الذي شهدته الضفة الغربية خلال الأسابيع الماضية "ولّد وهماً لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب بأن الفلسطينيين يمكن أن يقبلوا بأن يواصل المستوطنون التصرف كما لو كانوا سادة الأرض، في الضفة الغربية". وأضاف أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تخشى أن تكون دولة الاحتلال على موعد مع "الأسوأ" في المستقبل.

ورأى ميلمان أن عملية الشاب الأردني، سعيد عمرو، الذي قتل الجمعة الماضية لدى محاولته تنفيذ محاولة طعن في القدس المحتلة، تحمل دلالات خطيرة، إذ إنه جاء بعد عدة أسابيع من تنفيذ شاب أردني آخر عملية طعن أخرى في منطقة غور الأردن. وحذر من أن تواصل الجمود السياسي إلى جانب الاستيطان قد يشجع المزيد من الأردنيين على محاولة تكرار ما قام به عمرو، مما قد يهدد نسق العلاقة القائم حالياً بين إسرائيل والأردن.

وتبين بالنسبة إلى كثيرين في إسرائيل أن تفجر عمليات المقاومة الفردية يشير إلى عدم واقعية الانشغال الإسرائيلي بمواجهة مواقع التواصل الاجتماعي، وتعليق رهانات مبالغ فيها على الخطوات، التي قامت بها حكومة نتنياهو أخيراً، لا سيما نجاحها في إقناع موقعي "فيسبوك" و"يوتيوب" بحذف عشرات الصفحات والحسابات الفلسطينية. وخلال مؤتمر نظم في تل أبيب، أواخر الأسبوع الماضي، حول دور مواقع التواصل الاجتماعي في التحريض على العمليات، قال معلق الشؤون الفلسطينية، آفي سيخاروف، إن التركيز على دور هذه المواقع في التحريض على "العنف مبالغ فيه"، مشيراً إلى أن الفلسطينيين سيواصلون تنفيذ العمليات بغض النظر عن وجود تلك المواقع.

لكن لا يوجد ما يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية معنية بتغيير آلية تعاطيها مع الواقع الفلسطيني. ومن الأدلة على ذلك، القرار المباشر الذي اتخذته قيادة الشرطة بإيعاز من وزارة الأمن الداخلي، القاضي بتكثيف الإجراءات الأمنية داخل القدس المحتلة. وحسب ما كشف عنه موقع "والا" أمس الإثنين، فقد تقرر أن يتمركز قناصة في أرجاء المدينة وأن يتم نشر بوابات الفحص الإلكتروني، إلى جانب زرع آلاف الكاميرات من أجل تحسين قدرة الشرطة على مواجهة العمليات.

إلى ذلك، تبين أن تفجر عمليات المقاومة سيشكل تحدياً ميدانياً للجيش الإسرائيلي. وكانت صحيفة "معاريف" قد كشفت أمس أن 40 بالمائة من جنود جيش الاحتلال يقومون حالياً بأنشطة "شرطية" في أرجاء الضفة الغربية، مما يعني أن تفجر موجة العمليات سيفرض على الجيش استدعاء المزيد من الألوية، للانخراط في الأنشطة الشرطية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقلص من قدرته على إجراء التدريبات والمناورات. ويجزم المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس"، في تعليق نشره موقع الصحيفة أمس، أن الجيش سيكون مضطراً إلى استدعاء المزيد من الألوية والوحدات التي دفع بها أخيراً إلى مثلث الحدود الشرقية الشمالية مع سورية ولبنان.