وأكد مسؤولون وأعضاء في البرلمان العراقي أن واشنطن تمتلك تفويضاً بالنشاط الحالي العسكري في العراق، ضمن اتفاقية الشراكة الأمنية لعام 2008، موضحين أن البند الثاني من المادة الرابعة منها والمادة السادسة، تنصان على أحقية واشنطن بتنفيذ عمليات عسكرية ضد الجماعات الإرهابية في العراق بما يضمن أمن وسلامة البلد، وهو ما يختلف بشأنه نواب آخرون.
ووسط تقليل مسؤولين أكراد في أربيل وآخرين ببغداد، من أهمية حدث الانسحاب الأميركي من شرق وشمال شرقي سورية إلى إقليم كردستان، على اعتبار أن عددهم لا يتجاوز أكثر من 2500 عنصر في أفضل الأحوال، وانتقادهم ما وصفوه بالتهويل الإعلامي، فإنهم أكدوا أن لا طريق لهم للانسحاب سوى العراق، وتحديداً مثلث فيشخابور العراقي التركي السوري، الواقع حالياً تحت سيطرة قوات البشمركة الكردية، ويتبع محافظة دهوك، أصغر محافظات كردستان العراق. وقال مسؤول كردي رفيع المستوى في وزارة البشمركة، لـ"العربي الجديد"، إن أي جندي لم يصل إلى أربيل، ولا حتى الموظفين المرتبطين بوزارة الخارجية الأميركية أو المتعاقدين معها، مرجحاً أن تتم عملية نقل الجنود والأفراد الآخرين جواً وبراً، وهناك احتمال مغادرة قواتهم الموجودة في منطقة التنف جواً إلى الأردن، على اعتبار أنه الأقرب، فيما سيتم نقل الموجودين في شمال شرق سورية، وتحديداً الحسكة، عبر أربيل أو تركيا. وأشار إلى أن الطريق الأكثر أمناً لنقل المعدات والآليات العسكرية هو عبر إقليم كردستان العراق، وتحديداً عبر مثلث فيشخابور. وأوضح المسؤول الكردي أن "عدد القوات الأميركية الموجود في الإقليم يناهز ما هو موجود في سورية اليوم"، مشيراً إلى أن بعضهم قد يغادر إلى بلاده، وأن عمليات تطوير وتحديث تتم في قاعدة "حرير" الجوية، التي باتت تحوي مدرجاً لهبوط طائرات الشحن العسكرية والمقاتلة أيضاً.
وتوجد القوات الأميركية الى جانب قوات أخرى في عدة مناطق في إقليم كردستان، بينها مطار أربيل الدولي، ومعسكر تدريب صغير في منطقة عين كاوة، وقرب سنجار، بالإضافة إلى معسكر في السليمانية. وتم تأسيس مركز تنسيق مشترك بين البشمركة والتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" مطلع العام 2015، بمنأى عن مركز التنسيق الموجود في بغداد. وقد عقد اجتماع، الإثنين الماضي، حضره وزير البشمركة كريم شنكالي، وممثلون عن التحالف الدولي، تناول، بحسب بيان، "التطورات الميدانية وتحركات خلايا تنظيم داعش". وفي المقابل، تؤكد أوساط سياسية في العاصمة العراقية أنه يتعين على الجانب الأميركي إخطار بغداد بأي عملية نقل لقواته عبر الأراضي العراقية، حتى مع وجود الاتفاقية الأمنية المشتركة السارية المفعول حتى الآن. وبحسب مصادر مقربة من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، فإن الحكومة تلقت إشارات انزعاج إيراني من قاعدة "حرير" الجوية، ووجود القوات الأميركية فيها، والحديث عن أن جزءاً من القوات الموجودة في سورية سينتقل إليها. وأشارت إلى أن استقالة المبعوث الأميركي الخاص إلى التحالف ضد "داعش"، بريت ماكغورك، أربكت المسؤولين العراقيين، كون التفاهم بات مع مسؤولين في واشنطن وليس داخل العراق كما كان يتم في السابق.
في المقابل، قال النائب عن تحالف "الفتح"، وهو الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، حامد الموسوي، لـ"العربي الجديد"، إنه "بما يخص انسحاب القوات الأميركية من سورية، فقد فاتحنا الإخوة الأكراد حول صحة دخول الأميركيين للإقليم، وتحديداً أربيل، وهم بدورهم نفوا ذلك، وقالوا إنهم لن يخطوا خطوة واحدة من دون موافقة بغداد". واعتبر أن "الإقليم لا يحتاج قواعد أميركية، وليس لواشنطن مبرر لإنشاء قواعد، كما أن القوات الأميركية في العراق لم يعد لها حاجة، باعتبار أن داعش قد انتهى". وتابع "لكن حقيقة، فإننا نعتقد أن الأميركيين يخططون لقاعدة عسكرية، والإخوة المسؤولون الأكراد أبلغونا بأنهم لن يثقوا بأميركا مرة أخرى، كونها خدعتهم في الاستفتاء، ولن ينخدعوا مرة أخرى"، كاشفاً عن "أنهم سيقومون خلال الفترة القريبة المقبلة بخطوات فعلية لإعادة النظر بالاتفاقية الأمنية، على اعتبار أن هناك أوضاعاً سياسية وأمنية جديدة تتطلب إعادة النظر بالاتفاقية (مع واشنطن)، وإنهاء صفحة الوجود الأجنبي بالعراق ككل".
وأكد النائب والقيادي في التحالف الكردستاني، ديار برواري، أن "هناك توافقاً بين بغداد وأربيل على أن الموضوع اتحادي، ومتعلق بقرار الحكومة في بغداد أولاً". وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "وزارة البشمركة تنسق حالياً مع وزارة الدفاع في بغداد حول الموضوع، لكن الأميركيين لم يفاتحوا حتى الآن أي جانب عراقي بالموضوع". وأضاف "أعتقد أن الجيش الأميركي في سورية هو جزء من منظومة الحرب على الإرهاب، وهنا يجب مراعاة ذلك، فمهمة القضاء على داعش مصلحة مشتركة للجميع"، معتبراً أن "الحديث عن دخول البشمركة العراقية إلى سورية غير واقعي"، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن "المقصود هم متطوعون سوريون أكراد من بين النازحين الأكراد السوريين الذين جاؤوا إلى إقليم كردستان وتطوعوا داخل الإقليم، وهم مجموعة مدربة وقد تتم الاستعانة بهم".
وقال عضو حزب التغيير الكردستاني المعارض، هوشيار عبد الله، إنه بحسب المعلومات التي لديه، "فإن حكومة كردستان رمت المسؤولية على بغداد في الموافقة على ذلك من عدمها"، مشيراً إلى أن "هناك أنباء تتحدث عن قاعدة أميركية أو مخطط لقاعدة أميركية دائمة في أربيل، لكن لم نجد كلاماً رسمياً حتى الآن بهذا الخصوص"، معتبراً أنه "ستكون لانسحاب أميركا من سورية انعكاسات على الوضع الكردي السوري بكل تأكيد". وأوضح الخبير في الشأن السياسي العراقي، أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، أن "الحديث عن قاعدة أميركية في أربيل يأتي ضمن سياق الحرب النفسية والإعلامية بين الأميركيين والإيرانيين، وحالة الشد والجذب داخل العراق، وهو ما يدفع للقول إنه لا أمل بانسحاب الأميركيين من العراق الآن على أقل تقدير". وأضاف "عملياً الجيش الأميركي موجود الآن في عين كاوة، قرب أربيل، وله معسكر ضخم، وتحط به طائرات، وهو يبعد نحو 130 كيلومتراً عن الحدود الإيرانية. لكن الحديث عن قاعدة حرير هو الحدث الذي يهم الإيرانيين اليوم، وخصوصاً أنها قريبة من مناطق التمرد الكردي داخل إيران". ورجح أن "يكون طريق أربيل من بين عدة طرق لسحب القوات الأميركية من سورية، هذا إن تم سحبها فعلاً ولم يتراجع (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب عن خطوته بسبب الضغوط الحالية الداخلية عليه بفعل خطوته التي يمكن اعتبارها ارتجالية وغير مدروسة".
ويبدو أن القوات الأميركية وضعت خطة احتياطية للبقاء على مقربة من الحدود السورية، إذ كشف عضو مجلس محافظة الأنبار، فرحان الدليمي، لوكالة "الأناضول"، عن قيام الجيش الأميركي بإنشاء قاعدتين عسكريتين جديدتين في الأنبار. وأوضح أن "القاعدة الأولى تقع شمالي ناحية الرمانة التابعة لقضاء القائم على حدود سورية، فيما تقع الثانية إلى الشرق من مدينة الرطبة، على بعد 310 كيلومترات غرب الرمادي، وأقل من 100 كيلومتر عن الحدود السورية. يشار إلى أن الرطبة تمتاز بموقع استراتيجي، إذ تشكل نقطة التقاء طرق رئيسية قادمة من ثلاثة معابر حدودية، هي عرعر مع السعودية، وطريبيل مع الأردن، والوليد مع سورية. وأشار الدليمي إلى أن الهدف من إنشاء القاعدتين يتمثل في "مساعدة القوات العراقية في السيطرة على حدود البلاد، لمنع تسلل عصابات داعش، وعدم دخول التنظيم إلى المدن المحررة". وأوضح أن "العشرات من الجنود الأميركيين موجودون في القاعدتين، فضلاً عن طائرات مسيّرة ومعدات عسكرية أخرى". وبذلك يرتفع عدد القواعد العسكرية الأميركية في محافظة الأنبار إلى أربع، إذ تتمركز قوات أميركية في قاعدتي "الحبانية" و"عين الأسد".