لم يمر تفويض رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد صلاحياته إلى وزير الوظيفة العمومية كمال مرجان إلى حين الانتهاء من حملته للانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، من دون أن يثير جدلاً في الأوساط السياسية، وحتى لدى مختصين في القانون الدستوري. فالتفويض بحسبهم لا يتم إلا في حالات لا يمكن فيها لرئيس الحكومة أن يؤدي مهامه، والحملة الانتخابية لا تدخل ضمن الأعذار التي قد تحول دون أداء الشاهد لمهامه.
وفي الوقت الذي يرى فيه عدد من السياسيين أن الشاهد لم يغادر بهذا التفويض الحكومة، بل إن المغادرة شكلية ومسألة وقت، وأنه قد يستعمل أجهزة الدولة أثناء حملته الانتخابية التي ستنطلق بعد بضعة أيام، يرى آخرون أن خيار الشاهد كان الأنسب، وأن استقالته تعني استقالة الحكومة في ظرف تمر فيه البلاد بانتخابات وبوضع يحتاج إلى الاستقرار.
وأكد الأمين العام لحزب "التيار الشعبي" زهير حمدي، لـ"العربي الجديد"، أنّ الانتخابات لا تدخل في إطار الوضعيات والأعذار، كالمرض والسفر، والتي تتيح لرئيس الحكومة تفويض صلاحياته لأحد وزرائه، معتبراً أن "الخيارات محدودة أمام رئيس الحكومة لحل هذا الإشكال، لكن تبقى استقالته من منصبه هي الأفضل لضمان حظوظ جميع المرشحين في الحملة الانتخابية، في ظل الحديث عن غياب تكافؤ الفرص بين المرشحين". وأوضح حمدي أنه "كان من المفترض أن يستقيل رئيس الحكومة منذ عدة أشهر، طالما كانت لديه النية للترشح للرئاسية، وترك متسع من الوقت لتكليف رئيس حكومة يؤلف مجلس وزراء جديداً، غير مشارك في الانتخابات، ما يضمن الحياد"، مشيراً إلى أن "حدة مثل هذه الإشكاليات ستزداد مع اقتراب الحملة الانتخابية، إذ إنه، وللمرة الأولى، ستكون هناك حكومة معنية بالانتخابات، وكذلك رئيس حكومة مرشح للانتخابات الرئاسية". وأكد أن "تونس نجحت في 2011 و2014، لأن الحكومة حينها لم تكن معنية بالانتخابات، وكانت الأمور أكثر سلاسة ونزاهة وشفافية. لكن في الوضع الحالي فإننا أمام رئيس حكومة مرشح للرئاسية وأمام اختبار حقيقي للديمقراطية". وقال إن "الشاهد، حتى بالتفويض الذي قام به واختياره لوزير منصهر مع حزبه، لم يغادر فعلياً الحكومة، والمخاوف الموجودة اليوم هي استعمال مكونات الدولة في الحملة الانتخابية"، مضيفاً أن "الشاهد ربما اختار من يعوضه شكلاً، لكن فعلياً لا يزال رئيس حكومة".
وأشار القيادي في التيار الديمقراطي غازي الشواشي إلى أنّهم لم يكونوا "من دعاة استقالة رئيس الحكومة، لأن ذلك يعني استقالة الحكومة برمتها، ولا يمكن في مثل هذا الظرف الدقيق الحديث عن استقالة للحكومة". واعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "كان هناك ضغط كبير من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لكي لا يمزج الشاهد، باعتباره مرشحاً للانتخابات الرئاسية، بين صفته كرئيس حكومة وصفته كمرشح للرئاسية، فاختار اللجوء إلى الفصل 92، وتحديداً الفقرة الأخيرة منه، التي تنص على تفويض صلاحياته إلى أحد وزرائه، وهذا الخيار يأتي لكي لا يكون هناك خلط بين المنصبين، وهو حل من بين عديد الحلول الموجودة، وقد يكون مناسباً في مثل هذه الوضعية".
وأضاف الشواشي أنه "بقطع النظر عن القراءات العديدة للفصل 92، الذي يتحدث عن تعذر أداء رئيس الحكومة لمهامه، واللجوء إلى التفويض، فإن تفسير مصطلح تعذر المهام لا ينطبق على موضوع حملة انتخابية. ومع ذلك تبقى هناك العديد من القراءات والتفسيرات الممكنة"، مؤكداً أنه "لا يمكن الطعن في هذا القرار في ظل غياب المحكمة الدستورية". ورأى أن "قرار الشاهد يبقى حلاً معقولاً، لكنه غير كافٍ، وخصوصاً أن الشاهد اختار شخصية منتمية إلى حزبه، تحيا تونس، ما يطرح العديد من التساؤلات حول حيادية الحكومة من عدمها، وخصوصاً أن القرارات التي تقدمها الحكومة ذات طابع شعبوي، وبعضها موجه للطبقات الضعيفة، وأخرى لاستمالتها، ما يطرح إشكاليات عديدة"، موضحاً أن "من الإشكاليات الأخرى، ترشح العديد من أعضاء الحكومة للانتخابات التشريعية" التي ستجرى في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وبين القيادي في التيار الديمقراطي أن "الشروع في الحملة الانتخابية، التي ستنطلق في 2 سبتمبر/ أيلول (المقبل)، ستكشف عما إذا كان رئيس الحكومة تخلى فعلاً عن منصبه أم أنه تخلى عن ذلك شكلاً، وخصوصاً أن صفة رئيس حكومة سترافقه أثناء القيام بالحملة الانتخابية"، مشيراً إلى أن "انتقال مرشح عادي إلى محافظة ما للقيام بحملته لن يكون مثل انتقال رئيس حكومة، وما يرافق هذا الأمر من إجراءات، وبالتالي لا يمكن المقارنة بين المرشحين"، مشدداً على "ضرورة متابعة مصادر تمويل الحملات الانتخابية ومظاهرها، بما في ذلك حملة الشاهد".
من جهتها، رأت أستاذة القانون الدستوري سلوى الحمروني أنّ "رئيس الحكومة لجأ إلى الفصل 92 من الدستور في هذا القرار، لكن الإشكالية تكمن في عبارة التعذر التي لم يحددها هذا الفصل صراحة. لكن جرت العادة أن يكون التعذر سببه حالات موضوعية تمنع رئيس الحكومة من مواصلة أعماله، لكن في مثل هذا الوضع هناك إرادة واضحة من قبل رئيس الحكومة لكي لا يواصل مهامه بهدف القيام بحملته الانتخابية، وبالتالي هناك إشكالية في وجود تعذر يحيل إلى التفويض". واعتبرت، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الحكومة لم يكن ملزماً قانوناً بالاستقالة، ولا بتفويض صلاحياته لأحد وزرائه، لكنه اختار هذا الأمر برغبة منه". ولفتت الحمروني إلى "أنه كان من الممكن عدم اللجوء إلى هذا الفصل تماماً والذهاب إلى حكومة تصريف أعمال، أو البقاء في الوضع ذاته، لكن لن تكون هناك أريحية في القيام بالحملة الانتخابية من دون استعمال وسائل الدولة وأجهزتها"، مشيرة إلى أن "الشاهد قد يكون أراد تفادي إشكاليات، واختار التفويض على أن يبقى رئيس الحكومة في الوقت ذاته، لأن التفويض مسألة وقتية لا غير". وأشارت إلى أن "الشاهد ربما أراد بقراره هذا تفادي النقد الذي سببه له ترشحه للرئاسية، وجمعه بين صفة مرشح للانتخابات ورئيس الحكومة. لكن حتى هذا الحل قد لا يكون ذكياً، لأنه أدى لتوجيه انتقادات له، وفتح جدلاً حول قانونية التعذر الذي بمقتضاه فوض صلاحياته إلى أحد وزرائه".