من هو السفير الروسي الذي ورّط إدارة ترامب؟

04 مارس 2017
يفضل كيسلياك الابتعاد عن الأضواء (كارفين أوسلر/Getty)
+ الخط -
لطالما كان سيرغي كيسلياك، رجل بوتين المؤتمن في واشنطن، حريصًا على الابتعاد عن دائرة الضوء، منذ تعيينه سفيرًا لروسيا لدى الولايات المتّحدة. لكنّه وجد نفسه، أخيرًا، في قلب العاصفة التي زعزعت أركان الإدارة الأميركية الجديدة، وعلى رأسها دونالد ترامب، بعد اتّهام مسؤولين في فريقه الحكومي، وفي مقدّمتهم وزير العدل، جيف سيشنز، بإجراء اتصالات مع كوسلياك والتستّر عليها، الأمر الذي عزّز الشكوك حول العلاقة المشبوهة بين ترامب وروسيا، وأعطى زخمًا إضافيًّا للتحقيقات التي يعقدها مجلس الشيوخ الأميركي في هذه القضيّة.

وبينما دفعت المحادثات مع السفير الروسي مستشار الأمن القومي السابق، مايكل فلين، إلى الاستقالة؛ فقد خيّر سيشنز النأي بنفسه عن التحقيقات حول التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية، إلا أنّه ما زال يواجه، على الرغم من ذلك، دعوات تطالب باستقالته.

وفي هذا السايق، أشار تقرير لصحيفة "ذي غارديان" البريطانية إلى أن الضربة الثانية التي تلقّتها الإدارة الأميركية الحاليّة، بعد استقالة فلين، تزامنت مع ارتفاع أسهم ترامب، نسبيًّا، بعد أن لاقى أوّل خطاب له في الكونغرس استقبالًا حسنًا، ودفع للاعتقاد أن المشكلة الروسيّة ما هي إلا سحابة عابرة فوق إدارته.

وتعلّق نائبة مدير مركز "دينو باتريشيو أوراسيا" التابع لـ"المجلس الأطلسي" في واشنطن، ألينا بولياكوفا، على ذلك للصحيفة قائلة: "كيسلياك كان يتصرّف بشكل استراتيجي لإشراك أفراد رأت فيهم الحكومة الروسية حلفاء رئيسيين في الإدارة الأميركية المستقبليّة"، مستدركةً بأن "ما كان مفاجئًا في كلّ ذلك هو حجم النجاح الذي حققته. سيشنز كان الرجل الثاني الذي حاولت السفارة الروسية التغطية على اتّصالاته، ولن أكون متفاجئة إذا كان هناك المزيد في المستقبل".

درس كيسلياك (66 عامًا) الهندسة في موسكو، وتخرّج من الأكاديمية السوفييتية للتجارة الخارجية، قبل أن يلتحق بوزارة الخارجية عام 1977. رحلاته الأولى، بصفته مبعوثًا إلى الولايات المتّحدة، سيّرت بين عامي 1985 و1989، حينما أطلق الرئيس السوفييتي في حينها، ميخائيل غورباتشوف، سياسة "البيرسترويكا" والـ"غلاسنوست"، اللتين تضمّنتا إصلاحات جوهريّة أفضت إلى إعادة هيكلة اقتصاد الاتّحاد السوفييتي، واعتماد نهج أكثر شفافيّة، ولاحقًا، إلى تفكّك الاتحاد السوفييتي مع نهاية عام 1991.



ويستذكر المسؤول السابق في الخارجيّة الأميركية، ومدير مبادرة الرقابة على الأسلحة ومنع الانتشار النووي في معهد "بروكينغز" للأبحاث، بأنّ كيسلياك كان يعمل في حينها على "تحسين العلاقات السوفييتية الأميركية، ومحاولة إحراز تقدّم في الحدّ من التسلّح"، مردفًا: "لم ألاحظ لديه كرهًا عميقًا للولايات المتّحدة، على عكس دبلوماسيين سوفييت آخرين".

ويصفه المتحدّث ذاته، أثناء مقابلته مع الصحيفة البريطانية، بأنّه "ذكي، ويتحدّث الإنكليزية بطلاقة، ويظهر روح الدعابة أحيانًا. وفي الوقت نفسه، يستطيع تمثيل بلاده بشكل جيّد، حتّى لدى طلب شهادته في بعض المواقف السيّئة والمحرجة، ومنها، على سبيل المثال، تدخّل بلاده في أوكرانيا. هو وفيّ لروسيا. أتصوّر أن لديه بعض التواصل مع بوتين، لكن ليس من داخل دائرة الاستخبارات المقرّبة إليه، ولا من دوائر سان بطرسبرغ".

وقبل أن يعيّن سفيرًا روسيًّا للولايات المتّحدة، بعد وقت قصير من انتخاب الرئيس السابق، باراك أوباما، عام 2008، شغل كيسلياك منصب السفير الروسيّ لدى "حلف شمال الأطلس" (الناتو) منذ عام 1998، ثم نائب وزير الخارجية منذ عام 2003، وخلال فترة شغله المنصب، وتحديدًا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدر أوباما أمرًا بطرد 35 موظّفًا من زملاء كيسلياك في السفارة.

وعلى الرغم من حديثه عن "السلام" في أحد مؤتمراته الصحافية النادرة العام الماضي، حينما قال: "لقد تمكّنا من إنهاء الحرب البادرة، ولكنّنا على الأرجح لم نتمكّن من بناء سلام ما بعد الحرب"؛ إلّا أن ثمة تقارير تدّعي أنّه يعدّ كبير مسؤولي التجنيد في الاستخبارات الروسية الخارجية، وهو ادّعاء رفضته موسكو بوصفه تعبيرًا عن "البارانويا الأميركيّة"، بينما يعقّب السفير الأميركي السابق في أوكرانيا، ستيفن بيفر، على ذلك قائلًا: "هذا يبدو لي غريبًا بعض الشيء. كلّ ما رأيته أمامي هو أنّه كان دبلوماسيًّا روسيًّا".

غير أن بولياكوفا، من ناحيتها، تختلف مع هذا الطّرح، فهي ترى أنّ ذلك الادّعاء "ممكن بالتأكيد، لا سيّما أن السفارات خلال أيام السوفييت كانت تخدم هذا الغرض"، وتضيف أن كيسلياك، "بوصفه مبعوثًا للدولة التي يمثّلها، يعتبر داهية من منظور آخر؛ فهو مراوغ إلى حدّ ما، وشنيع في بعض طرقه".

في مقابل ذلك، يظهر مسؤول السياسات الروسيّة في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" بعض الاحترام للسفير الروسي أثناء حديثه للصحيفة البريطانيّة، واصفًا كيسلياك بأنّه "نشيط، وواسع الاطّلاع، وذكيّ... يتعامل بلباقة حينما يدخل في مناظرة سياسيّة، لكنّه لن يتزحزح عن موقفه."

وبالرّغم من كل ذلك، يظلّ كيسلياك، بحسب وصف الصحيفة، واحدًا من أفضل "الطّهاة" وسط "المطبخ الدبلوماسي" في واشنطن، فهو دائمًا ما يسارع إلى إظهار الفخر بتراثه الأوكراني، حينما يقدّم لضيوفه ومحاوريه المشروبات المشتقّة من المطبخ الروسي الحديث، وقد بادر، أيضًا، إلى ربط مجموعات "رقص الباليه" الروسية مع مركز كينيدي، حتى إنّه استضاف بعض حفلاتهما داخل سفارته.

لكن الوزير الذي تلاحقه "ورطة" السفير الروسي حاليًّا، جيف سيشنز، كان قد أشار في مؤتمره الصحافي العاجل، الخميس الماضي، إلى حديث خاضه مع كيسلياك حول زيارة أجراها إلى روسيا برفقة مجموعة كنسيّة عام 1991، وقد أبدى السفير الروسي "سعادته بأن يكون ثمّة روّاد كنائس يزورون بلاده، رغم أنّه ليس مؤمنًا"، كما يصف سيشنز، قائلًا للصحافيين في القاعة: "كنت أعتقد أنّه، إلى حدّ ما، من طراز السفرات السوفييت القدماء".