الاعتداءات الإرهابية في العراق تعيد المطالبات بإصلاح المؤسسة العسكرية

07 يونيو 2020
تغييرات داخل المؤسسة العسكرية(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
بالتزامن مع تزايد الاعتداءات الإرهابية لتنظيم "داعش"، في عدد من المحافظات العراقية، الشمالية والغربية منها على وجه التحديد، التي باتت تسجل أعمال عنف شبه متكررة أوقعت خلال الأسابيع الأربعة الماضية عشرات الضحايا والمصابين من قوات الأمن والمدنيين، يشير مسؤولون عراقيون إلى أن خطط مواجهة بقايا التنظيم لا تشمل فقط الهجمات أو العمليات الاستباقية والتفتيش، بل تتعدى إلى إجراء تغييرات كبيرة في الإدارات العسكرية بقيادات العمليات بالجيش في المحافظات كافة، ضمن توجه إصلاح داخل مفاصل عدة في المؤسسة العسكرية، بسبب قرارات خاطئة اتخذت في زمن حكومة عادل عبد المهدي السابقة.

وتنفذ القوات العراقية عمليات عسكرية يومية، في محافظات كركوك وصلاح الدين وديالى، وهي المحافظات الأكثر تدهوراً في الملف الأمني، إلا أن تلك العمليات لم تُنهِ نشاط التنظيم، الذي لا يزال ينفذ عمليات كر وفر في عدد من مناطق تلك المحافظات.

وشملت تلك العمليات، عمليات تمشيط في المناطق التي أشارت معلومات استخبارية إلى وجود جيوب للتنظيم الإرهابي فيها، فضلاً عن عمليات دهم وتفتيش واعتقالات في المناطق السكنية، التي تشهد تدهوراً أمنياً، وتعد عملية (أبطال العراق – نصر السيادة) التي جرت في كركوك، والتي انتهت، يوم الخميس، آخر تلك العمليات الواسعة، وقد أسهمت بتمشيط 738 كيلومتراً مربعاً، وتدمير أوكار لـ"داعش" وتفتيش 31 قرية، وفقاً لبيان أصدرته قيادة العمليات المشتركة.

وبحسب مسؤول رفيع في بغداد، تحدث لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، فإن جانباً من خطط مواجهة بقايا تنظيم "داعش"، ستكون إجراء تغييرات في الهياكل العسكرية بقيادات العمليات في المحافظات المحررة ومناطق أخرى جنوبي البلاد، فضلاً عن تفعيل آلية النقل والمعايشة بين الوحدات العسكرية، وكذلك التحقيق مع القيادات الميدانية التي تتكرر في مناطق مسؤوليتها الاعتداءات الإرهابية لتنظيم "داعش"، بما يؤشر على وجود خلل لديها.

ولفت إلى أن رئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة بصدد هذا التوجه قريباً ضمن استراتيجية شاملة لمواجهة خطر تنظيم "داعش".

وخلال الشهر الأول من حكومة رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، الذي صادف أمس السبت، أجرى تغييرات عدّة في قيادات عسكرية رفيعة بالجيش، كان أبرزها تسمية الجنرال قاسم المحمدي قائداً للقوات البرية، واللواء أحمد سليم لقيادة عمليات الجزيرة والبادية على الحدود مع سورية، كذلك أقال المتحدث العسكري السابق اللواء عبد الكريم خلف لأسباب تتعلق باستعدائه المتظاهرين في الأشهر الماضية، وأعاد تعيين العميد يحيى رسول مجدداً متحدثاً عسكرياً باسمه، بعد تجميده من قبل الحكومة السابقة.

وأكدت لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، أن مهمة التخلص من بقايا تنظيم "داعش"، تتطلب البدء بعملية إصلاح للمؤسسة العسكرية، وفق أسس مهنية، بحسب عضو اللجنة، سعران الأعاجيبي، الذي تحدث عن وجود فساد وولاءات متعددة لجهات سياسية.

ويضيف الأعاجيبي: "يجب أن تكون هناك رؤية لتطوير عمل المؤسسة العسكرية، خاصة في المرحلة الحالية، فهناك فساد وولاءات متعددة لجهات مختلفة من أحزاب وغيرها داخلها، يحتّم ذلك على الحكومة أن تتحرك نحو عملية إصلاح شاملة حفظاً لأمن البلاد".

وتحدث عن "ضرورة العودة إلى السياقات العسكرية، ومنها تغيير القادة العسكريين كل 4 سنوات، إذ لا يمكن استمرار عمل القادة الى وقت غير محدد. يجب البحث عن كفاءات جديدة، وألا نترك المجال للبعض لأن يستأثروا بالمناصب القيادية في المؤسسة عبر الفساد والدعم الحزبي الذي يحظون به"، مشيراً إلى أن "القضاء على داعش ومسؤولية حفظ أمن البلاد يحتّمان إصلاح المؤسسة العسكرية".

في المقابل، أكد القيادي في "القائمة الوطنية"، عضو البرلمان السابق، حامد المطلك، لـ"العربي الجديد"، أن "المخاطر الأمنية التي تواجهها البلاد من النشاط المتزايد لداعش وغيرها، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخلل في المؤسسة العسكرية العراقية"، مبيناً أن "بقاء القيادات الأمنية على حالها منذ 17 عاماً أمر خطير. يجب أن يكون هناك تغيير في القيادات العسكرية، ووضع خطط عاجلة لإصلاح المؤسسة وفقاً لأسس مهنية لا تهمّش أي جهة أو مكون".

وأضاف أنه "يجب الإقرار بوجود جهات فاسدة وسيئة ابتعدت ابتعاداً كاملاً عن الواجب الوطني والأخلاقي والمهني داخل المؤسسة العسكرية، وهذا كله منح داعش وغير داعش فرصة للتحرك وتنفيذ أهدافها في البلاد، الأمر الذي يحتم معالجة الموضوع بشكل عاجل، وهذا من مسؤولية الحكومة التي يجب أن تتحرك وفقاً لذلك".

وشدد على أن "المؤسسة العسكرية تحتاج الى إصلاح حقيقي وتغيير جذري وكلي، وألا يتوقف على تغيير بعض القيادات، بل تتطلب تحركاً وخطة واضحة من قبل حكومة الكاظمي لإعادة بناء المؤسسة على أسس مهنية"، مبيناً أن "القضاء على داعش وغير داعش متوقف على وجود مؤسسة عسكرية مهنية مبنية على أسس الكفاءة والنزاهة والوطنية".

وكان المتحدث العسكري باسم الحكومة، العميد يحيى رسول، قد تحدث في وقت سابق من الأسبوع الماضي عمّا وصفه "استراتيجية جديدة في محاربة الإرهاب"، مبيناً في حديث نقلته وكالة الانباء العراقية (واع)، أن القوات الأمنية حققت النصر على الجماعات الإرهابية، لكن هناك مناطق صحراوية شاسعة وكبيرة تمتد من غرب نينوى باتجاه الأنبار وصلاح الدين وكربلاء والنجف والسماوة، ومن الممكن أن تكون هناك بعض الخلايا التي لم تستطع الهروب، واتخذت من المناطق الصحراوية ملاذاً لها". ولفت إلى أن "القوات الامنية تركز على العمل النوعي، خاصة في المناطق الصحراوية باتجاه الحدود مع سورية".

مراقبون أكدوا أن ملاحقة عناصر "داعش" تتطلب حراكاً موازياً لإصلاح الخلل في مفاصل المؤسسة العسكرية، لنتمكن من القضاء على تحركات التنظيم، وإعادة بناء المؤسسة العسكرية.

وقال الخبير الأمني، محمد الحياني، لـ"العربي الجديد"، إن "القضاء على تنظيم داعش لا يتطلب ملاحقة عسكرية وهجمات فقط، بل إصلاحاً شاملاً أيضاً في مفاصل المؤسسة العسكرية، إذ إن هناك قيادات ما زالت تعمل في مناصب مهمة وثبت فشلها، بل وقسم منها متهم بالفشل في إدارة مرحلة 2014 عند احتلال تنظيم "داعش" لمدن عراقية عدة".

وأكد أهمية "إعادة تفعيل منظومة إعداد الضباط الأركان، وإعداد القادة الميدانيين كما كان معمولاً بها سابقاً، وإبعاد المراتب المكتسبة المعروفة محلياً بضباط الدمج، وهم الذين لم يتخرجوا من الكليات العسكرية العراقية، وزُجُّوا في الجيش بعد الغزو الأميركي للبلاد بدعم من أحزاب معروفة".

وشدد على أن "إصلاح المؤسسة العسكرية بات ضرورة يفرضها النشاط المتزايد للتنظيم، الذي يتطلب تحركاً ميدانياً يوازيه تحرك إصلاحي داخل المؤسسة العسكرية".

المساهمون