مصر تدخل مرحلة "الانتشار غير المُدار" لكورونا

القاهرة

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
05 ابريل 2020
132FFE0D-8D25-4E06-A9D3-21046FD257F8
+ الخط -
يتسارع تفشي وباء كورونا في مصر، مع إعلان الكشف عن 120 إصابة جديدة أول من أمس الجمعة، في أكبر حصيلة يومية من الإصابات وارتفاع عدد المصابين إلى أكثر من ألف شخص، لتدخل مصر رسمياً المرحلة الثالثة من انتشار الوباء. وتزامن الأمر مع الإعلان رسمياً عن إصابة 17 شخصاً من فريق الأطباء والتمريض في المعهد القومي للأورام التابع لجامعة القاهرة، بعدما كانت النية تتجه داخل إدارة الجامعة للتعتيم على تلك الإصابات، إذ لم يُعترَف بوقوعها إلا بعد بيانين أصدرتهما الجامعة في ساعة متأخرة من مساء الجمعة، للإشارة إلى إغلاق جزئي للمعهد لتعقيمه، واستمرار العمل بالعيادات الخارجية به فقط. غير أن توالي نشر الشهادات من الأطباء والممرضين على مواقع التواصل الاجتماعي في هجوم على مدير المعهد وإدارة المستشفيات الجامعية، أجبر الجميع على الاعتراف بنقل المصابين إلى مستشفى العزل بالعجوزة في الجيزة، وعزل باقي الأطباء والممرضين ذاتياً في منازلهم، في مشهد عكس فوضى إدارة الموقف في المؤسسات الرسمية، وغياب التنسيق بين الوزارات المختلفة، خصوصاً أن لا علاقة لوزارة الصحة بالمستشفيات الجامعية، فضلاً عن ارتفاع عدد المصابين في الفرق الطبية إلى 98 شخصاً.

في السياق، أفادت مصادر طبية حكومية في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، أن البحث جارٍ حالياً بواسطة فرق الترصد المشتركة بين الوزارة ومعهد الأورام، عن الحالة الأساسية التي نقلت المرض إلى مصابي المعهد، والدلائل موجّهة إلى سيدة تجاوزت سنّ الـ80، وقد جاءت بمفردها للمعهد وهي في حالة سيئة، اعتقاداً منها أنها تعاني من مضاعفات لأورام سرطانية مصابة بها سلفاً، قبل أن تتبيّن لاحقاً إصابتها بفيروس كورونا، وبالتالي يستدعي الأمر إجراء عملية كشف لمخالطيها السابقين في مرحلة ما قبل التوجه إلى المعهد.

هذه الفوضى وانعدام وسائل التعرّف الحاسمة إلى المخالطين، دفعا المصادر إلى الحديث عن دخول مصر فعلياً مرحلة من "الانتشار غير المدار للمرض"، أي مرحلة ما قبل الجزم بدخول مصر مرحلة التفشي التي تعيشها دول عديدة في العالم، أبرزها إيطاليا. الفوضى ذاتها مع الخشية من انتشار الوباء، دفعت المسؤولين الذين يحاولون إخفاء تلك المعلومة، وكذلك المصادر، إلى تأكيد صعوبة الفترة الراهنة، ولا سيما مع استمرار الأنشطة الاقتصادية وعدم تنفيذ حظر التجول بشكل حاسم في العديد من المناطق، وانتشار ظاهرة إخفاء الإصابات وعدم الإبلاغ عنها، وخصوصاً في الأقاليم، فضلاً عن التعامل مع المرض باعتباره وصمة اجتماعية، في ظلّ انخفاض صدقية الحكومة بالنسبة إلى المواطنين وفشل الحملات التوعوية بخطورة المرض.

وكشفت المصادر عن أن ما يدفعها إلى الحديث عن مرحلة "الانتشار غير المدار للمرض"، تعدد تسجيل حالات غير معروفة المرجع في العديد من المحافظات خلال الأيام الثلاثة الماضية، في القاهرة والجيزة ودمياط والمنيا والدقهلية والمنوفية وأسيوط، على أن الحالة الوحيدة المكتشفة حتى الآن هي في الوادي الجديد. مع العلم أنّ من المفترض وفقاً لتعليمات وزارة الصحة أن يسجل المشتبه في الإصابة بالفيروس أو ذووه، البيانات الخاصة بالمخالطة السابقة لحالات كورونا، في نموذج أعدّ لذلك، لتكون بمثابة شجرة من الحالات على مستوى الجمهورية، تتكامل فيها العناصر المرجعية وحالات العدوى في كل منطقة. ومع فقدان العديد من عناصر تلك الشجرة، نكون أمام احتمال من اثنين: أولهما أن المصاب أو ذويه لا يعرفون تحديداً حالات الاشتباه أو الإصابة السابقة أو المناسبة التي جرت فيها المخالطة، والاحتمال الثاني، وهو الأخطر، أن تكون الحالات المصدّرة للعدوى قد حملت الفيروس وأصيبت ونقلت العدوى وشفيت أو توفيت دون أي إبلاغ. ووفقاً لترجيحات الأطباء المستقبلين للحالات على مستوى الجمهورية، فإن الاحتمال الثاني هو الأقوى والأكثر انتشاراً، بسبب الأفكار السائدة عن وصمة المرض والتخوف من العزل، والصورة "المرعبة" التي تُبَثّ دون قصد من وزارة الصحة للرأي العام عن مستشفيات العزل.



في المقابل، تحاول وزارة الصحة على الصعيد الرسمي إخفاء تلك المعلومات، وتتستر على حقيقة أن نحو 66 في المائة من الإصابات حتى الآن، غير معروفة الحالة المرجعية ولم تكتمل العناصر الخاصة بها في شجرة الحالات، بحسب المصادر الطبية الحكومية المطلعة نفسها، التي أوضحت لـ"العربي الجديد" أن هذه النسبة يمكن أن ترتفع أيضاً إلى نحو 74 في المائة من إجمالي الحالات، إذا أضفنا الحالات العائدة من الخارج، التي أيضاً لا يُعرف على وجه التحديد حالاتها المرجعية، وما إذا كانت قد أصيبت في بلدان أخرى أو المطارات الخارجية أو مطارات مصر، الأمر الذي تحاول الوزارة أيضاً تحجيمه لتبسيط مهمتها في الترصد والاستكشاف، ومحاولة طمأنة الرأي العام.

وينعكس هذا بوضوح في لهجة البيانات الرسمية اليومية التي تصدرها الوزارة، التي تحاول دائماً بث الطمأنينة بالحديث عن أن جميع الإصابات الجديدة من المخالطين للحالات السابقة، أو العائدين من الخارج، الأمر الذي نفته المصادر المطلعة ذاتها بشكل صارم ومستند لأرقام واضحة، في قولها إن "عدد المرضى الذين عُرفت الحالات مصدر العدوى لهم لا تزيد على 170 شخصاً حتى الآن، يمثلون نحو 17 في المائة من إجمالي الإصابات".

أما عن القفزة العددية الأخيرة في مصر، فكشفت المصادر أنه منذ يوم الخميس الماضي، اتُّبعَت سياسة جديدة بتوسيع دائرة الاشتباه بين المخالطين، بدلاً من تضييقها في إطار المخالطين المباشرين فقط، استجابة لتوصيات منظمة الصحة العالمية. غير أن هذا الأمر لم يحدث بصورة ترصّد استباقي للتحليل والكشف على حالات الاشتباه التي ما زالت في المنزل، بل حصل من خلال تخفيف قيود إجراء تحليلات مخبرية على الحالات التي توجهت إلى المستشفيات بالفعل، بعدما كان من المستحيل المبادرة لإجراء التحليل لشخص مخالط لم تظهر عليه الأعراض، أو لشخص ظهرت عليه الأعراض الأولية، وهو غير مخالط، ما أدى إلى رفع عدد الإصابات المسجلة بوضوح. وشدّدت المصادر على أن "العبرة هي بطريقة الكشف والتسجيل، وليس بمدى انتشار الوباء فعلياً"، مشيرة إلى أن من أسباب ارتفاع نسبة الوفيات لإجمالي الحالات في مصر ووصولها إلى 6.7 في المائة، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يدور حول 5 في المائة، عدم التوسع في استكشاف الحالات.

وأوضحت المصادر أن "غرفة عمليات الأزمة في وزارة الصحة تبحث حالياً المبادرة بإجراء فحوصات عشوائية في 20 قرية وضاحية على مستوى الجمهورية، في محافظات القاهرة والجيزة ودمياط والمنيا والمنوفية وبورسعيد والدقهلية والغربية وبني سويف والإسماعيلية وأسيوط، لمحاولة رصد تأثير الفيروس ومدى انتشاره". وأشارت إلى أن هذه التجربة تأخرت كثيراً حتى الآن، قياساً بسابقة تسجيل عدد كثيف من الإصابات في تلك المناطق، وريفية بعضها وانغلاقها، وسابقة فرض عزل على بعضها ومنع الدخول والخروج منها، مما كان يسمح باتخاذ هذا الإجراء من قبل، فضلاً عن تلقي المستشفيات من بعض المصابين في أعمار متوسطة معلومات "خطيرة ومقلقة"، تشير إلى تحركهم في الأسبوعين الماضيين بين العديد من المحافظات المصابة.

وأدت هذه المعلومات إلى طرح توصيات جديدة من وزارة الصحة للمخابرات والشرطة ومجلس الوزراء بضرورة تشديد حظر التجول واتخاذ إجراءات أكثر صرامة، تبدو الدولة مترددة في اتخاذها حتى الآن بسبب الضغوط من المستثمرين لاستمرار أنشطتهم الاقتصادية التي ستتعطل حال فرض حظر تجول نهاري، وستتضرر بالتأكيد حال فرض عزلة بين المحافظات. الأمر الذي أشار رئيس الحكومة مصطفى مدبولي لصعوبة تحقيقه "بفرض عزل كامل لمناطق حضرية، مقابل إمكانية عزل مناطق ريفية".

في السياق، نوّه مصدر شرطي بالأمن العام في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك مؤشرات لأن تتضمن القرارات المرتقبة بعد دخول مصر المرحلة الثالثة من انتشار الوباء، زيادة ساعات الحظر، وعزل مدن أو مراكز كاملة داخل المحافظات، وتقليص عدد ساعات عمل القطارات ومترو الأنفاق. يذكر أن حظر التجول المفروض حالياً في مصر لمنع انتشار الفيروس يسري من السابعة مساء وحتى السادسة صباحاً، وكل المحال التجارية تُغلَق بدءاً من الخامسة مساء، فضلاً عن إغلاق كل المطاعم وأماكن التجمع والترفيه، طوال اليوم، عدا الصيدليات ومحال البقالة والمستشفيات والمستوصفات. لكن مدبولي أصدر قراراً استثنى فيه عدداً إضافياً من أنشطة النقل للسلع والبضائع والحاصلات الزراعية والأدوية والمستلزمات الطبية، كي لا تشهد السوق قفزة استثنائية للأسعار، بعد رصد الحكومة ارتفاع سعر العديد من السلع الغذائية بعد قرار الحظر بساعات معدودة. ووفقاً لبيانات وزارة الصحة، فقد ارتفعت حالات الشفاء إلى 216 شخصاً بعد تطابق سلبية تحاليلهم مرتين خلال 48 ساعة، وفقاً لنظام العمل المقر من منظمة الصحة العالمية.



ذات صلة

الصورة
قناة السويس من جهة الإسماعيلية، 10 يناير 2024 (سيد حسن/Getty)

سياسة

دعت جهات مصرية إلى منع مرور السفن الحربية الإسرائيلية في قناة السويس بعد توثيق مشاهد عبور سفينة حربية إسرائيلية فيها أخيراً، وسط غضب شعبي مصري.
الصورة
مرفأ الإسكندرية، 31 أغسطس 2023 (Getty)

سياسة

قدمت السلطات المصرية روايات متضاربة حول السفينة كاثرين التي تحمل متفجرات لإسرائيل. فبعد نفي لمصدر مصري استقبال السفينة صدر بيان لوزارة النقل يثبت وجود السفينة.
الصورة
هدم قبة مستولدة محمد علي في مقابر الشافعي في القاهرة (فيسبوك)

منوعات

ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بموجة غضب واسعة، إثر انتشار صور تظهر هدم قبة مستولدة محمد علي باشا التاريخية في مقابر الإمام الشافعي في قلب القاهرة.
الصورة
تطالب جمعيات رعاية الحيوان بتعامل رحيم مع الكلاب (فريد قطب/الأناضول)

مجتمع

تهدد "كلاب الشوارع" حياة المصريين في محافظات عدة، لا سيما المارة من الأطفال وكبار السن التي تعرّض عدد منهم إلى عضات استدعت نقلهم إلى المستشفى حيث توفي بعضهم.
المساهمون