تتصاعد حمى الاحتجاجات في تونس، والليلية منها خصوصاً، وبدأت تتسع رقعتها بين المدن، ووصلت، ليلة الثلاثاء - الأربعاء، إلى ضواحي العاصمة التونسية في مدينة طبربة، التي شهدت قبل ذلك احتجاجات كبيرة، حين خرج العشرات في شارع الحبيب بورقيبة، وسط العاصمة، رافعين شعارات تُسمع لأول مرة بعد الثورة، من قبيل "الشعب يريد إسقاط النظام"، وشهدت سيدي بوزيد وجبنيانة وطبربة والقصرين أهم هذه الاحتجاجات.
وخلّف حرق المصور الصحافي عبر الرزاق الزرقي نفسه احتجاجاً على وضعه الاقتصادي البائس، حالة من الاحتقان الكبيرة في القصرين، وأصدرت الجمعية التونسية للمحامين الشبان بياناً قوياً دعت فيه إلى إسقاط الحكومة، واصفة إياها بـ"اللاوطنية والفاشلة التي وجب إسقاطها كإسقاط النظام الذي يدعمها". وقالت إن "تونس تشهد موجة من الاحتجاجات غير المسبوقة تتبعها حملة من الإيقافات في ظل مضي الحكومة في انتهاج سياسة الهروب إلى الأمام ومواجهة التحركات المشروعة باستعمال القوة المفرطة وآلة القمع وذلك لتغطية فشلها الذريع"، مشددة على ما سمّته "تواطؤ الحكومة ضد شعبها وسعيها المحموم للرجوع إلى مربع الدكتاتورية والاستبداد، ما دفع بشباب تونس ونخبها إلى الانتحار حرقاً لانسداد الآفاق وتفشي حالة اليأس" (في إشارة إلى انتحار الزرقي حرقاً في القصرين).
هذه المؤشرات تعكس الأوضاع القائمة، ليضاف إليها تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، بأن شهر يناير/ كانون الثاني المقبل سيكون مخيفاً إذا لم ينتبه الجميع ويثوب إلى رشده، على حد قوله. ويبدو أن الجميع متفق على أن الأوضاع مضطربة اجتماعياً، ولكن منسوب الخلافات السياسية وصل إلى درجة تنبئ بالخطر، مع تصاعد الخلاف بين رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، والحكومة، من جهة، وسقوط التوافق بين السبسي وزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، من جهة أخرى.
ويؤكد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بنفسه أن علاقته بالسبسي، الذي جاء به إلى الحكومة، يحكمها الدستور فقط، ما يعني أن خطوط التواصل انقطعت تماماً بين رأسي السلطة، وهو مؤشر كافٍ وحده لتصوير الوضع السياسي في تونس وتداعيات الأزمة وما يمكن أن تقود إليه. وفي خضم هذه العواصف، تقف حركة "النهضة" في قلب المشهد، محاولة إبراز نوع من الثبات والهدوء، ولكن مراقبين يعتبرون أنه هدوء ظاهر لا غير، وأن هناك توتراً كبيراً يسود داخل الحركة ومخاوف من أن تتحمّل مسؤولية ونتائج هذا الوضع، خصوصاً أنها ساهمت فيه بشكل كبير بانتصارها لرئيس الحكومة في صراعه مع رئيس الدولة.
وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن مجلس الشورى الأخير لحركة "النهضة" الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي، شهد نقاشات سياسية معمّقة بهذا الخصوص، واعتبرت بعض القيادات أن خيار الاستقرار الحكومي الذي دافعت عنه "النهضة" بشدة لم يتحقق، بل إن ما حصل هو العكس تماماً، إذ تردّت الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وزاد خصوم الحركة ولم تجنِ شيئاً من هذا الخيار، بالإضافة إلى ما ينتظرها وينتظر التجربة التونسية من تهديدات حقيقية على المسار.
وجاء بيان المجلس حاملاً لجديد مهم في العلاقة بين الحركة والشاهد، إذ دعا البيان إلى أهمية الاستقرار الحكومي لمجابهة المخاطر والتحديات الماثلة وضمان المناخ الملائم لاستكمال المسار الديمقراطي، مع الالتزام التام بتحييد أجهزة الدولة ومؤسساتها وفي مقدمتها رئاسة الحكومة، عن التوظيف الحزبي.
وقال رئيس مجلس شورى حركة "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، إثر انعقاد المجلس، إن "النهضة" ليست في تحالف مع يوسف الشاهد، مؤكداً أن دفاعها عن حكومة الشاهد كان دفاعاً عن الاستقرار الحكومي، قائلاً: "لو كانت على رأس الحكومة أي شخصية أخرى لدعمناها كما دعمنا الشاهد انطلاقاً من حرصنا على الاستقرار السياسي في البلاد". وأوضح الهاروني أنّ الشراكة بين "النهضة" والشاهد مبنية على شروط، أهمها احترام حياد الإدارة واحترام القانون والنظر في كل التعيينات لضمان هذا الحياد. وتابع أن مؤسسات حركة "النهضة" بما في ذلك مجلس الشورى، يطالبون الشاهد بضمان تحييد الإدارة وعدم توظيف مؤسسات الدولة في خدمة الحسابات الانتخابية.
اقــرأ أيضاً
ويأتي هذا الشرط الجديد لـ"النهضة" ليعوّض شرطاً قديماً تم التخلي عنه، وهو عدم ترشح الشاهد للانتخابات الرئاسية، أما وقد أعلن أن ذلك لا يغريه، على حد قوله، فقد تحوّل الشرط إلى تحييد الحكومة عن العمل الحزبي، بعدما أفصح الشاهد عن نواياه بتأسيس حزب جديد. ويتساءل مراقبون كثيرون عن نوايا الشاهد الحقيقية، وما إذا كان سيدير هذا الحزب الجديد علناً وهو رئيس للحكومة، أو أنه سيبقى خلف الستار. كما يُطرح سؤال حول نوايا "النهضة" نفسها، وإن كان هذا الشرط الجديد سيكون كسابقه مجرد مطلب سيتم تجاوزه والتنازل عنه، وهو في الحقيقة سؤال حول الأرضيّة والاتفاق الذي جمع الإثنين، وإن كان شراكة حقيقية ومشروعاً سياسياً على أسس واضحة، أو مجرد التقاء في الزمان والمكان فرضته ظروف القطيعة مع السبسي، وسؤال حول مستوى الثقة المتبادلة بين الحركة ورئيس الحكومة.
وتعتبر شخصيات عديدة من داخل "النهضة" وخارجها، أن القطيعة بين السبسي والغنوشي قد تتسبّب في كارثة على المسار الديمقراطي في تونس، وأن هناك نوعاً من الاستهتار والتقليل من حجم هذا الصراع الذي يمكن أن يدمر كل شيء، وأن المحيطين بالرجلين من الجهتين لا يقيّمون حقيقة النتائج التي يمكن أن تترتب على استمراره، بل إن بعضهم يعمل على مزيد من تأجيجه. ويتبيّن من تسريبات المعسكرين أن هناك نوعاً من العناد السياسي قد يقود إلى معركة كسر عظام بدأت مؤشراتها في الظهور تدريجياً، وربما تتطور أكثر في الفترة المقبلة ومع اقتراب موعد الانتخابات. ويتساءل كثيرون عما إذا كان الشيخان على استعداد لنسف المسار برمته بسبب خلافات سياسية، نسبية في نهاية الأمر.
ويرى مراقبون أن حل الأزمة يكمن في إعادة جمع الرجلين وطرح وساطة تخفف من منسوب الاحتقان، متسائلين عن مدى إمكانية تحقيق ذلك بعدما قطع كل منهما خطوات كثيرة في الاتجاه المعاكس، وعلى قاعدة تضمن ماء الوجه لهما معاً وتحافظ على الاستقرار الذي تدعو إليه "النهضة"، ونزع فتيل الأزمة الذي يدعو إليه السبسي. ويعتبر محللون أنه قد يجري تأزيم الأوضاع أكثر ليتم إنضاج الظروف نفسها التي قادت إلى اجتماع باريس (بين السبسي والغنوشي في أغسطس/ آب 2013)، ولكن كلفة ذلك قد تكون كبيرة على الجميع وقد تهرب وقائع الشارع من أصابع الاثنين معاً، خصوصاً أن اللاعبين في الميدان تكاثروا في الفترة الأخيرة، من الداخل والخارج.
هذه المؤشرات تعكس الأوضاع القائمة، ليضاف إليها تصريح الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، بأن شهر يناير/ كانون الثاني المقبل سيكون مخيفاً إذا لم ينتبه الجميع ويثوب إلى رشده، على حد قوله. ويبدو أن الجميع متفق على أن الأوضاع مضطربة اجتماعياً، ولكن منسوب الخلافات السياسية وصل إلى درجة تنبئ بالخطر، مع تصاعد الخلاف بين رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، والحكومة، من جهة، وسقوط التوافق بين السبسي وزعيم حركة "النهضة" راشد الغنوشي، من جهة أخرى.
ويؤكد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بنفسه أن علاقته بالسبسي، الذي جاء به إلى الحكومة، يحكمها الدستور فقط، ما يعني أن خطوط التواصل انقطعت تماماً بين رأسي السلطة، وهو مؤشر كافٍ وحده لتصوير الوضع السياسي في تونس وتداعيات الأزمة وما يمكن أن تقود إليه. وفي خضم هذه العواصف، تقف حركة "النهضة" في قلب المشهد، محاولة إبراز نوع من الثبات والهدوء، ولكن مراقبين يعتبرون أنه هدوء ظاهر لا غير، وأن هناك توتراً كبيراً يسود داخل الحركة ومخاوف من أن تتحمّل مسؤولية ونتائج هذا الوضع، خصوصاً أنها ساهمت فيه بشكل كبير بانتصارها لرئيس الحكومة في صراعه مع رئيس الدولة.
وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، أن مجلس الشورى الأخير لحركة "النهضة" الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي، شهد نقاشات سياسية معمّقة بهذا الخصوص، واعتبرت بعض القيادات أن خيار الاستقرار الحكومي الذي دافعت عنه "النهضة" بشدة لم يتحقق، بل إن ما حصل هو العكس تماماً، إذ تردّت الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وزاد خصوم الحركة ولم تجنِ شيئاً من هذا الخيار، بالإضافة إلى ما ينتظرها وينتظر التجربة التونسية من تهديدات حقيقية على المسار.
وجاء بيان المجلس حاملاً لجديد مهم في العلاقة بين الحركة والشاهد، إذ دعا البيان إلى أهمية الاستقرار الحكومي لمجابهة المخاطر والتحديات الماثلة وضمان المناخ الملائم لاستكمال المسار الديمقراطي، مع الالتزام التام بتحييد أجهزة الدولة ومؤسساتها وفي مقدمتها رئاسة الحكومة، عن التوظيف الحزبي.
وقال رئيس مجلس شورى حركة "النهضة"، عبد الكريم الهاروني، إثر انعقاد المجلس، إن "النهضة" ليست في تحالف مع يوسف الشاهد، مؤكداً أن دفاعها عن حكومة الشاهد كان دفاعاً عن الاستقرار الحكومي، قائلاً: "لو كانت على رأس الحكومة أي شخصية أخرى لدعمناها كما دعمنا الشاهد انطلاقاً من حرصنا على الاستقرار السياسي في البلاد". وأوضح الهاروني أنّ الشراكة بين "النهضة" والشاهد مبنية على شروط، أهمها احترام حياد الإدارة واحترام القانون والنظر في كل التعيينات لضمان هذا الحياد. وتابع أن مؤسسات حركة "النهضة" بما في ذلك مجلس الشورى، يطالبون الشاهد بضمان تحييد الإدارة وعدم توظيف مؤسسات الدولة في خدمة الحسابات الانتخابية.
ويأتي هذا الشرط الجديد لـ"النهضة" ليعوّض شرطاً قديماً تم التخلي عنه، وهو عدم ترشح الشاهد للانتخابات الرئاسية، أما وقد أعلن أن ذلك لا يغريه، على حد قوله، فقد تحوّل الشرط إلى تحييد الحكومة عن العمل الحزبي، بعدما أفصح الشاهد عن نواياه بتأسيس حزب جديد. ويتساءل مراقبون كثيرون عن نوايا الشاهد الحقيقية، وما إذا كان سيدير هذا الحزب الجديد علناً وهو رئيس للحكومة، أو أنه سيبقى خلف الستار. كما يُطرح سؤال حول نوايا "النهضة" نفسها، وإن كان هذا الشرط الجديد سيكون كسابقه مجرد مطلب سيتم تجاوزه والتنازل عنه، وهو في الحقيقة سؤال حول الأرضيّة والاتفاق الذي جمع الإثنين، وإن كان شراكة حقيقية ومشروعاً سياسياً على أسس واضحة، أو مجرد التقاء في الزمان والمكان فرضته ظروف القطيعة مع السبسي، وسؤال حول مستوى الثقة المتبادلة بين الحركة ورئيس الحكومة.
ويرى مراقبون أن حل الأزمة يكمن في إعادة جمع الرجلين وطرح وساطة تخفف من منسوب الاحتقان، متسائلين عن مدى إمكانية تحقيق ذلك بعدما قطع كل منهما خطوات كثيرة في الاتجاه المعاكس، وعلى قاعدة تضمن ماء الوجه لهما معاً وتحافظ على الاستقرار الذي تدعو إليه "النهضة"، ونزع فتيل الأزمة الذي يدعو إليه السبسي. ويعتبر محللون أنه قد يجري تأزيم الأوضاع أكثر ليتم إنضاج الظروف نفسها التي قادت إلى اجتماع باريس (بين السبسي والغنوشي في أغسطس/ آب 2013)، ولكن كلفة ذلك قد تكون كبيرة على الجميع وقد تهرب وقائع الشارع من أصابع الاثنين معاً، خصوصاً أن اللاعبين في الميدان تكاثروا في الفترة الأخيرة، من الداخل والخارج.