وتحتفظ الجزائر بعلاقات جيدة مع قطر، بعيداً عن الاستياء الذي تبديه تجاه "قناة الجزيرة"، كما تحتفظ أيضاً بعلاقات متوازنة مع الإمارات، رغم تحفظها على الدور الإماراتي في ليبيا، إضافة إلى علاقات طبيعية مع السعودية، مع بعض الخلافات التي حدثت قبل سنتين بشأن أزمة أسعار النفط، حيث تعتبر الجزائر أن الرياض تلعب دوراً في إغراق السوق بالإنتاج النفطي بما ينعكس على خفض الأسعار.
ولم يدفع ذلك الجزائر للإمساك بزمام المبادرة السياسية والقيام بخطوة وساطة بين الدول الخليجية، في محاولة لرأب الصدع بين الفرقاء، كما هو الحال في أزمات إقليمية وعربية ودولية سابقة لعبت فيها الجزائر دوراً دبلوماسياً.
ويلفت الصحافي في مؤسسة "الخبر" الجزائرية، محمد سيدمو، النظر إلى أن "الموقف الجزائري من أزمة الخليج جيد من الناحية النظرية، لكنه يخلو من أي فعالية"، موضحاً أن "الفعالية هنا تكون في تحويل هذا الحياد الذي يضمن علاقات مع كل الأطراف إلى وساطة ديبلوماسية مكثفة، حتى وإن لم تسهم في حل الأزمة فإنها تعطي للبلاد مكانة وتجعلها محور اهتمام دولي".
ويعتبر سيدمو في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "مرض بوتفليقة يعد أبرز عائق في اتجاه تفعيل دور دبلوماسي جزائري.. الجزائر للأسف لا تستطيع القيام بذلك، لأن الوساطات على هذا المستوى يجريها الرؤساء وملوك الدول، بينما الرئيس الجزائري مريض ولا يقوى على هذا الدور".
ويتابع "في السابق كان لديبلوماسية الجزائر معنى، عندما كانت ترفض التدخل في شؤون الآخرين لكنها تلقي في الوقت ذاته، كامل ثقلها، بثقة، في حل الأزمات الدولية كالعراق وإريتريا، أما اليوم فصارت الجزائر متقوقعة".
ومن الواضح أن الاحتباس السياسي الذي مسَّ الجزائر في السنوات الأخيرة، خاصة منذ مرض بوتفليقة وإصابته بوعكة صحية في إبريل/نيسان 2013، دفع الجزائر إلى التقوقع الداخلي والاشتغال فقط على الأزمات المتعلقة بعمقها الاستراتيجي كالنيجر ومالي وتونس وليبيا، كما أفقد هذا الوضع الجزائر كثيراً من المعالم السياسية، خاصة وأن طبيعة النظام السياسي في الجزائر تضع كل القرار الدبلوماسي في يد الرئيس.
وفي هذا السياق يقدر المحلل السياسي مروان الوناس في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "حالة الفراغ السياسي الداخلي وغياب الرئيس بوتفليقة بداعي المرض، وعدم اتضاح الرؤية السياسية، أفقد الدبلوماسية الجزائرية قوة الحضور والقدرة على التأثير، وهذا عامل حاسم جداً في جعل الجزائر غير مقنعة بنظر الأطراف المعنية بالأزمة الخليجية الجديدة"، مضيفاً "في اعتقادي أن الجزائر، التي دعت إلى حوار والتفاوض لحل الخلافات بين الأشقاء، تحاول الإبقاء على موقعها كدولة تملك علاقات حسنة مع كل الأطراف في الخليج، وإن كانت في الحقيقة هي محسوبة أكثر على معسكر إيران ونظام الأسد من الناحية السياسية والدبلوماسية، لذلك فهي تبدو بنظر الدول المقاطعة منحازة".
ويشير إلى أن "ما يقال بشأن قدرة الجزائر على لعب أدوار الوساطة كما حصل في الثمانينيات في لبنان وحتى في أزمة الرهائن الأميركيين بطهران، أصبح جزءاً من التاريخ، لأن الدور الجزائري حالياً يواجه صعوبات وعراقيل جمة في إنهاء الأزمة في مالي مثلاً، ويجد صعوبات أكبر في دفع الحل السياسي في ليبيا أيضاً، بل إن الجهود الجزائرية الأخيرة في هذا البلد تصطدم بدور مناقض تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة، بمعنى أن الظروف الإقليمية والدولية لا تساعد الجزائر على القيام بأي وساطة، طالما أن واشنطن وهي القوة الكبرى تقف خلف الستار وهي المسؤولة عن تحريك الأحداث وتوجيهها".
بدوره يقول المحلل السياسي محمد شراق عن هذه القراءة السياسية، ويعتقد في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر فقدت سياقها التاريخي المتصل بالوساطات التي كانت تقوم بها، من أجل حلحلة الأزمات الدولية لأسباب داخلية وأخرى خارجية، تتعلق بأداء الدبلوماسية الجزائرية وموقف الجزائر من عديد القضايا المطروحة".
ويقول: "بالنسبة لأزمة الخليج، لا أعتقد أن وساطة تقوم بها الجزائر بإمكانها الدفع إلى تفكيك ألغام عدة مرتبطة دولياً ومتشابكة، ما يعني أن الأزمة أكبر من أن تحلها الجزائر، ثم إن مسألة الحياد إزاء النزاعات الدولية، وضعت الجزائر على الهامش، بدليل عدم مضي الليبيين والماليين في الاتفاقات التي ساهمت فيها الجزائر، وآخر إنجاز قامت به الجزائر هو حل الخلاف الإثيوبي الارتيري، وبالمحصلة فإن الجزائر التي نعيشها حالياً ليست تلك الجزائر التي حلحلت أزمة الرهائن في طهران، ولا تلك التي خاضت في أزمة اختطاف وزراء النفط في اجتماع أوبك في فيينا".
ويعتبر شراق أن "الجزائر ليست متحكمة في خيوط المشهد الخليجي بما يكفي للقيام بالوساطة" ويتابع: "السياق الخليجي أعقد بكثير من أزمات عرفتها أفريقيا وساهمت الجزائر في حلها، ذلك لارتباط الخليج بدوائر صنع القرار الدولي من خلال علاقاته مع الولايات المتحدة الأميركية وتشكيله لوبي مالياً صار محور تعاملات دولية مصلحية بالأساس".
وحتى الآن تبدو الجزائر أكثر انشغالاً بالأزمة في ليبيا وباستقرار الأمن في مالي من جهة، والحفاظ على مواقفها الثابتة الملتصقة بدبلوماسية المبادىء، بالرغم من الانتقادات التي توجه لهذه الدبلوماسية وضرورات مراجعتها وفقاً لمصالح الجزائر، التي تتأخر في بعض الأحيان لصالح الحفاظ على نفس المبادىء.