وذكرت المصادر، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، أنّ أجندة مباحثات عباس والسيسي تتضمن بحث جهود مصر لإتمام المصالحة الداخلية وتهدئة الأوضاع في قطاع غزة، بالإضافة إلى بحث مستجدات ملف خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن".
وبحسب المصادر، فإنّ "هناك محاولات للإعلان عن جزء من تفاصيل صفقة القرن بعد أن انتهت الانتخابات الإسرائيلية"، مشيرةً إلى "وجود خلافات كبيرة بشأن تلك الصفقة؛ سواء على المستوى الفلسطيني أو المستوى العربي".
ويتعزّز الاعتقاد بقرب إعلان الصفقة، بعدما نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر طلب عدم الكشف عن اسمه، قوله إنّ جاريد كوشنر، مستشار البيت الأبيض، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حثّ مجموعة من السفراء أول من أمس الأربعاء، على التحلّي "بذهن منفتح" تجاه الصفقة. كما نقل المصدر عن كوشنر قوله، أمام نحو 100 سفير من أنحاء العالم في "بلير هاوس"، وهو قصر الضيافة الرئاسي المقابل للبيت الأبيض: "سيكون علينا جميعاً النظر في تنازلات معقولة تتيح تحقيق السلام".
وتتألف خطة الإملاءات الأميركية من شقين رئيسيين: شق سياسي يتناول القضايا السياسية الجوهرية مثل وضع القدس المحتلة، وشقّ اقتصادي ضمن نظرية السلام الاقتصادي الذي تنشده إسرائيل وأميركا لاحتواء الفلسطينيين. وبحسب هذا المصدر، فقد اعترض كوشنر خلال تصريحاته على فكرة أن الخطة تتركز في معظمها حول الحزمة الاقتصادية، قائلاً إن المكوّن السياسي "واضح التفاصيل تماماً". وأضاف المصدر: "قال (كوشنر) إنّ الخطة ستتطلب تنازلات من الجانبين، لكنها لن تعرّض أمن إسرائيل للخطر". ولفت إلى أن الصفقة تتطلب "من الجميع التعامل بذهن منفتح".
في غضون ذلك، لفتت المصادر المصرية التي تحدّثت لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "الموقف الأردني لا يزال حجر عثرة كبيراً في وجه تلك الخطة، إذ رفضت عمّان ما طُرح عليها بشأن تلك الصفقة، والذي يتضمن توطين الأردن نحو مليون لاجئ فلسطيني في أراضيه، وتبادل أجزاء من الأراضي الأردنية بأخرى سعودية لصالح إسرائيل"، على حد قول المصادر.
وبحسب المصادر نفسها، فإنّه على الرغم من تضمّن الخطة الأميركية، حزمة مساعدات اقتصادية ضخمة للأردن، إلا أنّ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أبدى تحفّظاً شديداً، عند اطلاعه على التفاصيل التي تخصّ بلاده ضمن خطة التسوية.
وقد شهد يوم الثلاثاء الماضي تصريحات لأبرز المسؤولين الأردنيين حول خطة الإملاءات الأميركية، بما في ذلك تأكيد وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، المتحدثة الرسمية باسم الحكومة، جمانة غنيمات، أنّ "المعلومات حول صفقة القرن حتى الآن هي مجرد تسريبات غير مؤكدة، لكن الأردن لن يتراجع عن موقفه تجاه القضية الفلسطينية، وسيبقى صامداً لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية". وجاءت تصريحات غنيمات لتكون بمثابة ردّ غير مباشر على ما كشفه موقع "أكسيوس" الأميركي، أخيراً، من معلومات تفيد بغضب الملك عبد الله الثاني بسبب عدم إفصاح إدارة دونالد ترامب له عن تفاصيل الصفقة، وعدم مكاشفته بالجزء الأهم منها، وهو الجانب السياسي.
وتولّى العاهل الأردني، بدوره، يوم الثلاثاء، وتحديداً خلال لقائه كتلة "الإصلاح" النيابية، وهي الكتلة الممثلة لتحالف حزب "جبهة العمل الإسلامي"، الذراع السياسية لحركة "الإخوان المسلمين" مع بعض المستقلين، تأكيد أنّ الأردن لن يقبل بأن يمارس عليه أي ضغط بسبب مواقفه من القضية الفلسطينية والقدس المحتلة. وشدد خلال اللقاء، الذي يعدّ علامة فارقة في علاقة النظام الأردني بحركة "الإخوان المسلمين" خلال السنوات الأخيرة، على أنّ "المنطقة تمرّ بظروف استثنائية تتطلب من الجميع العمل بحسّ وطني عالٍ"، مؤكداً أن لا حلّ للقضية الفلسطينية إلا من خلال حلّ الدولتين، الذي يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
في موازاة ذلك، شدّد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الثلاثاء أيضاً على أنّ "السلام طريقه واضحة، جسدتها مبادرة السلام العربية التي تشكّل الطرح الأكثر شمولية لتحقيق السلام الدائم".
وفي السياق نفسه، قالت المصادر المصرية، إنّ القاهرة عادت مجدداً للحديث عن مبادرة السلام العربية، كتصوّر حلّ معتمد عربياً للصراع. وأرجعت المصادر ذلك إلى عودة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لتصدّر المشهد في المملكة العربية السعودية، وتحجيمه صلاحيات نجله ولي العهد محمد بن سلمان، في هذا الملف تحديداً.
وبحسب المصادر، فإنّ الموقفين الإماراتي والسعودي (ممثلاً في محمد بن سلمان)، يعدّان الأخطر ضمن التحركات الخاصة بـ"صفقة القرن"، إذ إنّ الجانبين لديهما ما تُمكن تسميته بـ"موقف انفتاحي للغاية".
وأوضحت المصادر أنّ أحد التصورات الخاصة بشكل فلسطين ضمن "صفقة القرن"، تضمّن إقامة "تجمع بشري" فلسطيني على شريط يمتدّ من أجزاء من سيناء المصرية ورفح الفلسطينية وحتى الحدود الأردنية، مؤكدة أنّ ذلك التصوّر كان مطروحاً في وقت من الأوقات، ودارت بشأنه مناقشات مطولة، انتهت إلى رفضه من جانب مصر وحركة "حماس" المسيطرة على قطاع غزة، والأردن. مع العلم أنّ رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، إسماعيل هنية، أكد في حديث له يوم الثلاثاء الماضي أيضاً، أنّ الخرائط المنتشرة عن دولة لغزة ممتدة في سيناء ما هي إلا "خزعبلات غير موجودة في ذهن أصغر طفل فلسطيني". وأضاف أنّ "لا صفقات ولا مال ولا حروب، يمكن أن تدفعنا كي نقبل بما لا يمكن أن يقبله شعبنا"، مؤكداً أنّ "غزة ستتمدّد شمالاً في فلسطين (الأراضي المحتلة عام 1948)، ولن تتمدّد في سيناء شبراً واحداً".
وبرأي المصادر، فإنّ "الحديث عن صفقة القرن أمر معقد ومرتبك للغاية"، موضحةً أنّ "غالب الظنّ أنّ تلك الخطة لن ترى النور، والجميع يراهن على عدم استمرار ترامب في البيت الأبيض طويلاً. ومن أجل ذلك، تحاول الدوائر العربية كافة إطالة أمد المفاوضات أو المشاورات بشأن تلك الخطة، بحيث تحقّق مصالحها الآنية، وتحصل على الدعم الأميركي في ملفاتها الداخلية، من دون أن يتم الإعلان عن خطوات حقيقية متعلقة بالصفقة".