صفقة روسية أميركية إسرائيلية بشأن سورية: فرص وعوائق

10 مايو 2020
صعّد الاحتلال عملياته ضد الإيرانيين في سورية(جلاء مرعي/فرانس برس)
+ الخط -

بات مؤكداً أن زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لإسرائيل يوم الأربعاء المقبل، تهدف إلى التباحث مع قادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، التي من المرجح أن تعلن في اليوم نفسه، حول سبل مواجهة السياسات الإيرانية في سورية والمنطقة، وهو ما يعني أن واشنطن وتل أبيب قد تتجهان إلى إحداث تحوّل على آليات العمل التي تعكفان عليها حتى الآن، لمواجهة وجود إيران في المنطقة، وتحديداً في سورية. ويأتي الحراك الأميركي الإسرائيلي في أعقاب الإحباط السائد في كل من تل أبيب وواشنطن من نتائج الاستراتيجية الهجومية التي تنتهجها إسرائيل ضد الوجود الإيراني في سورية منذ ثلاث سنوات.

وبخلاف التسريبات التي تُنسَب إلى "مصدر عسكري إسرائيلي كبير"، يرجّح أنه وزير الأمن نفتالي بينيت، والتي تحاول تكريس انطباع مفاده أن الهجمات التي تشنّها إسرائيل في العمق السوري، والتي كان آخرها الغارة التي استهدفت "مركز الأبحاث العلمية" في حلب أثبتت نجاعتها، وأن إيران بدأت بالفعل الانسحاب من سورية، فإن قناة "12" الإسرائيلية نقلت عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين وعن المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية السفير جيمس جيفري، قولهم إنه لم يحدث أي تحوّل في توجهات إيران للبقاء في سورية وعزمها على مواصلة توظيفها كمحطة لنقل السلاح النوعي إلى حزب الله.

ومما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة إلى إسرائيل تحديداً، حقيقة أن الهجمات داخل سورية باتت تحمل في طياتها طاقة كامنة لانفجار مواجهة شاملة. فقد دقّ إقدام حزب الله على إحداث ثغرات في الجدار الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة، رداً على قصف إسرائيل سيارة تقلّ عدداً من قادته الميدانيين داخل سورية، الشهر الماضي، على الرغم من أنّ الجيش الإسرائيلي حرص على إنذار هؤلاء القادة كي يغادروا السيارة قبل تدميرها، ناقوس الخطر في تل أبيب.

وبسبب المخاوف من انفجار مواجهة مع حزب الله بسبب الهجمات داخل سورية، أشار المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، أخيراً، إلى أن إسرائيل التي لا تتردد في أن تؤدي غاراتها إلى قتل جنود سوريين، تحرص في المقابل على ألا تؤدي هذه الغارات إلى مقتل عناصر من حزب الله، خشية القيام بالرد على ذلك، وهو ما يكرس معادلة ردع متبادل. ومن الواضح أن الدور الأميركي في إسناد إسرائيل في مواجهة إيران لم يسهم حتى الآن في إحداث تحول على صعيد موازين القوى داخل سورية، فأشارت الصحيفة نفسها إلى أن واشنطن تساعد إسرائيل في مواجهة التمركز الإيراني في سورية، وتسهم في الجهود الهادفة إلى إحباط مشروع الصواريخ الدقيقة الذي يعكف عليه حزب الله.

من هنا، هناك ما يؤشر على أن كلاً من واشنطن وتل أبيب تحاولان إحداث تحوّل على استراتيجية مواجهة إيران في سورية والتصدي لحزب الله، وذلك عبر محاولة دفع روسيا إلى أداء دور أكبر في هذا المخطط. وهذا ما يفسّره إقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على الاتصال بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس الجمعة، للتباحث معه في الوضع بسورية عشية وصول بومبيو إلى المنطقة.


وما يغري إسرائيل تحديداً بالرهان على إمكانية تجنيد روسيا لإحداث تحول على الواقع في سورية، حقيقة أنها تنطلق من افتراض أن هناك تبايناً في المصالح بين روسيا وطهران، على اعتبار أن موسكو ترى أن الوجود الإيراني بعد حسم المواجهة لمصلحة النظام، سيمثل مسوغاً لعرقلة البدء بمشاريع إعادة الإعمار في سورية، التي تراهن عليها في تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، فضلاً عن أن روسيا معنية بأن تكون إيران خارج سورية عند بدء تنفيذ هذه المشاريع، حتى لا تنافسها فيها.

صمت موسكو عن الغارات الإسرائيلية التي تستهدف الوجود الإيراني أخيراً يمثل بالنسبة إلى تل أبيب دليلاً آخر على تناقض المصالح الروسية الإيرانية. ليس هذا فحسب، فقد ساد في إسرائيل أخيراً تفاؤل بشأن حدوث تبدّل في موقف موسكو من نظام بشار الأسد، الذي يوفر الشرعية السياسية للوجود الإيراني في سورية بعد الهجوم غير المسبوق الذي شنّته وسائل إعلام روسية على النظام واتهامه بالفساد وعدم تمثيله للشعب السوري. وهناك في إسرائيل من رأى أن سماح بوتين بهذا الهجوم على الأسد، إنما يمثّل رسالة للغرب، مفادها أنه مستعد للتضحية به. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل رهان إسرائيل والولايات المتحدة على إمكانية أن يتخلص بوتين من الأسد حتى تتكرس بيئة سياسية داخل سورية تسمح بطرد إيران وحزب الله، رهان واقعي؟

على هذه الفرضية تجيب العضو السابقة في الكنيست، الباحثة في "مركز دراسة سياسات إسرائيل الإقليمية والخارجية" (ميتيفيم)، كسانيا سبتلوفا، في مقال نشرته "يديعوت أحرونوت"، بإشارتها إلى أن بوتين لا يمكن أن يتخلص من الأسد، لأن الأخير أثبت أنه لا يتردد في التخلص من أي شخص داخل النظام يمكن أن يهدد مكانه، فضلاً عن أنه لا يمكن أي شخص خارج النظام أن يحل مكانه، لأن الأجهزة الأمنية ذات التأثير الكبير لن تتعاون معه. وحسب سبتلوفا، إن مطالبة الأسد بقطع علاقته مع إيران، أمر غير واقعي، لأنها المزوّد الرئيسي له بالسلاح والوقود، فضلاً عن توفيرها، عبر المليشيات الموالية لها، قوات المشاة التي تساعد النظام على الاحتفاظ بالمناطق التي استعادها.

من هنا، إنّ من السابق لأوانه الحديث عن إمكانية توصل واشنطن وتل أبيب وموسكو إلى صفقة بشأن سورية، مع العلم أن التباين في المصالح الأميركية والروسية في المنطقة يمثل عاملاً آخر يقلّص فرص التوصل إلى مثل هذه الصفقة. لذلك، من غير المستبعد أن تؤدي مباحثات بومبيو مع قادة الحكومة الجديدة في تل أبيب إلى توافق على دور أميركي إسرائيلي واستراتيجية تهدف إلى تقليص الوجود الإيراني في سورية والعراق، ولا سيما أن واشنطن محبطة من الهجمات التي نفذتها المليشيات الموالية لإيران ضد أهدافها في العراق في ذروة مواجهة وباء كورونا، ضمن الردّ على اغتيال قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني. ومن المرجح أن تواصل الولايات المتحدة مساعدة إسرائيل، في محاولة إحباط مشروع الصواريخ الدقيقة، الذي تدّعي تل أبيب أن حزب الله يعكف عليه عبر تكثيف الضغوط على الحكومة اللبنانية، خصوصاً في أعقاب تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان بعد انتشار كورونا، وبسبب الأزمة السياسية الداخلية.