"داعش"... الانتقام والنتائج العكسية

17 نوفمبر 2015
يتناسى كثيرون المقاومة التي أطلقها أبناء الرقة أنفسهم (Getty)
+ الخط -
لنعد بالزمن قليلاً إلى الوراء. سنتان وشهران لا أكثر. في أغسطس/آب 2013، نفذ نظام الأسد مجزرة الغوطة، مستخدماً السلاح الكيماوي. سقط حينها الخط الأحمر لصالح تسوية نسقتها روسيا، وقضت بتسليم نظام الأسد سلاحه الكيماوي. تكرر الاعتداء بالأسلحة المحرمة دولياً... لنعلّم هذا التاريخ جيداً. الانطلاقة الفعليّة لـ"داعش" بشكلها الحالي، جاءت بعد مجزرة الغوطة. يسود اليوم مناخ بأن هناك ردّاً فرنسياً قاسياً. افتتح هذا الردّ بغارات مكثفة على مدينة الرقة، استهدفت البنى التحتية المدنية، أكثر من استهدافها البنى العسكرية لـ"داعش". وبدا وكأن الإعلام كلّه يرى الرقة مدينة متحدة بمدنييها وعسكرها "الداعشي". يتناسى هؤلاء المقاومة التي أطلقها أبناء الرقة، ويمكن رصدها من خلال موقع "الرقة تُذبح بصمت".

لا شكّ أن ما تعرّضت له باريس، شكّل ضربة كبيرة لنمط الحياة الغربية التي تختصرها "عاصمة العالم". ضربة ثقافية ــ اجتماعيّة أكثر منها ضربة سياسيّة. بالتالي هي تطاول الكثير من القيم التي اكتسبناها من الثورة الفرنسية. هذا يؤكّد ضرورة وجود ردّ على هذا الفعل الإجرامي. القضية هنا، ألا يؤسس الردّ لموجة عنف أكبر. لنعد أكثر إلى الوراء. إلى ما بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001. تعرّض العالم لصدمة بعد تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك. وبطبيعة الحال، الصدمة الأكبر كانت أميركيّة. قرر جورج بوش الانتقام سريعاً. احتل أفغانستان ومن ثمّ العراق. أراد إزالة حركة طالبان، على الرغم من وجود فوارق بينها وبين تنظيم "القاعدة". اليوم، بعد نحو 15 سنة، تُفاوض الإدارة الأميركية طالبان.

في العراق، أصرّ بوش على إزالة الديكتاتور صدام حسين. اقتلعه بطريقة جعلت من الديكتاتور ضحية ورمزاً. بالتعاون مع ساسة عراقيين متقاطعين بين الأميركيين والإيرانيين، تم حلّ الجيش العراقي. في النتيجة، ولدت "الدولة الإسلامية في العراق" مع أبو مصعب الزرقاوي، والذي كان نسخة أكثر تشدداً من أسامة بن لادن. لينتهي المشهد بعد حروب كثيرة بـ... أبو بكر البغدادي. يُمكن للفرنسيين "الانتقام" كما يردد الكثيرون. لكن هذا الانتقام لن يجلب إلا مزيداً من المآسي على العالم كلّه. هناك ضرورة لمواجهة أمنية ــ عسكرية مع "داعش" وأمثاله. لكن هذه المواجهة يجب أن تترافق بسلّة كبيرة من الحلول السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة. حلول تبدأ برحيل الأسد، ولا تنتهي بحلّ عادل في فلسطين المحتلة.
المساهمون