حوار جدة: محاولة للتطبيع مع انقلاب الإمارات باليمن

05 سبتمبر 2019
لم ينسحب الانفصاليون من مناطق سيطروا عليها(نبيل حسان/فرانس برس)
+ الخط -
استدعت السعودية إلى مدينة جدة مسؤولين في الحكومة اليمنية وقادة في "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم من الإمارات، في الوقت الذي يبدو فيه أن هدفها من الاجتماعات، التي انطلقت بشكل غير مباشر أمس الأربعاء، تطبيع الأوضاع مع الانقلابيين، المدعومين من أبوظبي، إذ إنها دعت إلى الحوار من دون إجبار المليشيات التابعة إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي" على الانسحاب من المناطق التي سيطروا عليها.

واتجهت، أمس الأربعاء، أنظار اليمنيين إلى جدة، حيث انطلق الحوار غير المباشر الذي دعت إليه الرياض بين الحكومة اليمنية وحلفاء الإمارات فيما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الانفصالي، الذي حاول، بدعم إماراتي، تنفيذ انقلاب شامل على الحكومة اليمنية، ما أدى إلى تفجر معارك ضارية بين قوات الطرفين، رافقتها أزمة داخل التحالف نفسه. وأعلن مسؤول يمني، أمس الأربعاء، لوكالة "رويترز"، أن مسؤولين من الحكومة بدأوا محادثات غير مباشرة مع الانفصاليين الجنوبيين الذين تدعمهم الإمارات في مدينة جدة السعودية بهدف إنهاء القتال في عدن وغيرها من محافظات جنوب اليمن. وقال "بدأت محادثات غير مباشرة بين الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي من خلال الجانب السعودي. الموقف صعب للغاية ومعقد لكننا نتمنى تحقيق بعض التقدم".

وقالت مصادر قريبة من الحكومة اليمنية، لـ"العربي الجديد"، إن مسؤولين في الحكومة اليمنية توجهوا إلى مدينة جدة بناءً على دعوة من وزارة الخارجية السعودية، فيما سبقهم وصول قادة "الانفصاليين"، المدعومين من أبوظبي، للمشاركة في حوار، تقول الرياض، إنه يهدف للوصول إلى حل ينهي الأزمة في عدن والمدن الجنوبية. وفيما تشير المصادر إلى ضغوط تواجهها الحكومة اليمنية، للقبول بالحوار مع "الانتقالي"، والتنازل عن شرطها، بضرورة انسحاب التشكيلات المسلحة الموالية للانفصاليين، من المؤسسات الحكومية والمقرات العسكرية، التي استولت عليها في عدن، تحفظ مسؤولون حكوميون عن تأكيد أي معلومات بالقبول بالمشاركة في الحوار المباشر مع المجلس، وسط تسريبات عن دعوة الرياض نائب الرئيس اليمني علي محسن صالح الأحمر، ورئيس الحكومة معين عبد الملك، ومسؤولين آخرين، للمشاركة في الاجتماعات. وكان قد وصل إلى جدة، أول من أمس، وفد "المجلس الانتقالي الجنوبي" برئاسة عيدروس الزبيدي، قادماً من عدن. ويضم وفد "الانتقالي" أعضاء هيئة رئاسة المجلس ناصر محمد الخبجي، وعلي عبدالله الكثيري، وعبد الرحمن شيخ اليافعي، وعدنان محمد الكاف، ومحمد الغيثي.



وأعلن نائب رئيس الحكومة اليمنية ووزير الداخلية أحمد الميسري، قبل انطلاق الاجتماعات، رفض أي حوار مباشر مع قادة "المجلس الانتقالي الجنوبي"، وأن القرار بالنسبة للحكومة الشرعية بمختلف مؤسساتها، محسوم، بعدم المشاركة في أي حوار من هذا النوع، باعتبار أن "المجلس"، الذي يطالب بالانفصال، وغيره من التشكيلات العسكرية التي وقفت بوجه الحكومة الشرعية، مجرد أدوات للإمارات، معلناً الاستعداد للحوار مع أبوظبي، باعتبارها الطرف المسؤول عن التمرد ضد الحكومة في المناطق الجنوبية للبلاد. وقال "لم ولن يتم الجلوس مع ما يسمى الانتقالي على طاولة حوار". وأضاف "إذا كان لا بد من حوار فسيكون مع الأشقاء في الإمارات وتحت إشراف الأشقاء في السعودية، باعتبار أن الإمارات هي الطرف الأساسي والأصيل في النزاع بيننا وبينهم، وما المجلس الانتقالي إلا واجهة وأداة أساسية لهم". وتابع "نحن لا نريد أن نجلس مع الأدوات، نحن نريد أن نجلس مع صاحب الأدوات". وأكد الميسري، الذي يعد بمثابة رجل "الشرعية" الأول في عدن، حتى العاشر من أغسطس/ آب الماضي، ويوجد في السعودية حالياً، في رسالة صوتية مسجلة، بثت أمس الأربعاء، أن "الحكومة تعتزم العودة إلى عدن، سواء كان ذلك عبر الحوار أو بالقوة العسكرية".

في المقابل، جدّدت الإمارات دعوتها الحكومة والانفصاليين لعقد حوار برعاية سعودية، من دون أن تعلّق على إمكانية محاورة الحكومة وحدها بغياب "المجلس الانتقالي". وكتب وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، في تغريدة، "نتطلع بثقة وتفاؤل إلى نجاح اجتماع جدة بين حكومة اليمن الشقيق والمجلس الانتقالي الجنوبي. وحدة الصف ضد الانقلاب الحوثي ومضاعفة الجهد في مواجهته هي الأولوية". ومع استمرار التصريحات الحكومية التي تعكس رفضاً واضحاً للجلوس حول طاولة تفاوض مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، تثير تحركات الرياض في إدارة "حوار جدة" الكثير من التساؤلات والآراء المتباينة يمنياً، إذ ينظر إليها قطاع غير قليل من اليمنيين بأنها محطة على درجة عالية من الخطورة، من شأنها أن تضفي بعض "الشرعية" على تمرد حلفاء أبوظبي، والانقلاب متكامل الأركان، الذي نفذوه ضد الحكومة في عدن.

وتتعزز المخاوف الحكومية إزاء حوار جدة، مع دفع الرياض لعقده، دون إلزام الانفصاليين بالانسحاب، بناءً على البيان الصادر عن قيادة التحالف في العاشر من الشهر الماضي، والذي طالب قوات "الحزام الأمني" وغيرها من التشكيلات الموالية لـ"الانتقالي" بالانسحاب الكامل من المقرات والمؤسسات التي استولت عليها، وهو ما رفضه حلفاء أبوظبي، بنبرة لا تخلو من التحدي، على غرار تصريحات هاني بن بريك، القيادي السلفي المقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي قال، في تصريحات سابقة، إنهم على استعداد لرفض الضغوط، بما في ذلك تحمل ضربات الطيران.

في المقابل، يذهب يمنيون آخرون إلى أن حوار جدة يأتي عقب الانتكاسة التي تعرض لها حلفاء أبوظبي في محافظة شبوة، وكادوا أن يفقدوا على إثرها مدينة عدن، لو لم تتدخل الطائرات الإماراتية لقصف القوات التابعة إلى الحكومة على أطراف عدن ومحافظة أبين، وهو ما يعني أن "المجلس" بات في موقف أضعف مما كان عليه، قبل أكثر من أسبوع. فضلاً عن أن رعاية الرياض للحوار تضعها في الواجهة، خصوصاً مع موقفها المعلن بدعم "الشرعية"، ومن شأن دعم أي نتائج مخالفة لمقتضياته أن يضع السعودية أمام موقف لا يختلف كثيراً عن الإمارات، التي أصبحت في خانة العداء المباشر مع الحكومة اليمنية، في أعقاب التصعيد جنوباً. يذكر أن وزارة الخارجية السعودية وجهت دعوتها إلى حوار جدة في العاشر من أغسطس/ آب الماضي، عقب ساعات من سيطرة المليشيات التابعة إلى "المجلس الانتقالي" على مدينة عدن. وكان وفد من الانفصاليين توجه إلى السعودية قبل نحو أسبوع، قبل أن يعود ويغادرها إلى الإمارات بالتزامن مع تطورات شبوة. ومن المتوقع أن تشهد الساعات والأيام المقبلة تطورات تحسم الجدل بشأن ما تريده الرياض، من خلال الحوار، الذي يأتي في أعقاب محاولة أتباع "المجلس الانتقالي" القيام بانقلاب شامل على السلطة، ما مثل ضربة للتحالف السعودي الإماراتي.