خطة "اجتثاث الإرهاب": نجاح عسكري جزائري أم تحول استخباراتي؟

30 يوليو 2016
نشر الجيش الجزائري تعزيزات عدة على حدوده (Getty)
+ الخط -

تبدو حصيلة الجهد الأمني والعسكري في الجزائر في الفترة الأخيرة مثيرة للتساؤل عن ظروف وملابسات النجاحات الميدانية للجيش ومصالح الأمن الجزائرية في ما يخص مكافحة الإرهاب، وذلك بعد سنتين من إطلاق الجيش لخطة "اجتثاث الإرهاب"، وسط تساؤلات عما إذا كانت هذه النتائج تعكس نجاحاً عسكرياً فقط أم تحولاً استخباراتياً بعد التغييرات التي طرأت على هيكلة جهاز الاستخبارات خلال الفترة الأخيرة.

في شهر يونيو/حزيران 2014، أطلقت قيادة الجيش الجزائري خطة عسكرية واسعة تحت اسم "اجتثاث الإرهاب"، تستهدف الحسم الأمني الميداني مع ما تصفه ببقايا المجموعات المسلحة التي لا تزال خلايا صغيرة تابعة لها تنشط في مناطق متفرقة في الجزائر.
تشير نتائج الخطة إلى تحقيق تقدم مهم. ووفقاً للأرقام الرسمية التي نشرتها قيادة الجيش، فإن العمليات العسكرية والأمنية ضد المجموعات المسلحة، أفضت إلى تحييد 152 مسلحاً منذ بداية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بينهم 99 مسلحاً تم قتلهم، فيما تم توقيف أو استسلام 53 مسلحاً، إضافة إلى اعتقال 77 عنصرا كانوا ينشطون في شبكات إسناد وتموين المجموعات المسلحة. كما تمكن الجيش، خلال نفس الفترة، من استرجاع كميات من الأسلحة والذخيرة والقنابل والأحزمة الناسفة.
أما في شهر يونيو/حزيران الماضي، فتمكن الجيش من قتل 30 مسلحاً، وتوقيف 13 آخرين، بينهم 18 مسلحاً تم القضاء عليهم في عملية عسكرية واحدة في منطقة المدية 120 كيلومتراً شرقي العاصمة الجزائرية.



بقدر ما يبدو أن السلطات الجزائرية تركز مجهودها الأمني في مناطق الشمال، فإن مناطق الجنوب ظلت في نقطة التفكير المركزي بالنسبة لقيادة الجيش، بالنظر إلى موقعها الحدودي مع دول تعيش توترات داخلية كمالي، والنيجر، وليبيا، وتونس.

منذ حادثة الهجوم على منشأة الغاز تيقنتورين في منطقة عين أميناس بولاية اليزي جنوبي الجزائر، على مقربة من الحدود الجزائرية الليبية، زادت الجزائر من نشر التعزيزات العسكرية وتشكيلات الدفاع لحماية الحدود ومكافحة الإرهاب. وفي السياق، بدأت في بناء ساتر ترابي في شكل نقاط مراقبة على الحدود مع تونس، فضلاً عن نشر نقاط مراقبة متقدمة وإضافية على الحدود مع ليبيا.
وتعتقد القيادة العسكرية الجزائرية، بحسب تصريح سابق لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، في اجتماع ضمّ قادة أركان جيوش مالي والنيجر وموريتانيا في سبتمبر/أيلول الماضي، أن السياق الأمني السائد في المنطقة لا يزال يتميز بعدم الاستقرار وديمومة التهديد الأمني الذي يفرض على الدول المشاركة في الاجتماع العمل للقضاء على الجماعات المسلحة في المنطقة.
واقترحت الجزائر على دول الجوار الأفريقي، كموريتانيا، والنيجر، ومالي، تفعيل إستراتيجية مشتركة، تتعلق بتبادل الاستعلامات وتنسيق الأعمال على جانبي الحدود لمنع محاولات تسلل المسلحين ونقل الأسلحة والذخائر تجاه بلدان المنطقة، ولا سيما بعد الظهور الأخير للقيادي في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مختار بلمختار (الملقب بالأعور بسبب إصابة سابقة في عينه والمكنى أيضاً بخالد أبو العباس). وتتجدد المخاوف بشأن استمرار نشاط القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومجموعات أخرى ككتيبة الملثمين، والمرابطون، والتوحيد والجهاد/ وأنصار الدين، في منطقة شمال مالي على الحدود مع الجزائر. وتترافق هذه الهواجس مع عودة القتال إلى المنطقة قبل أيام ومقتل 15 جندياً مالياً في اشتباكات مع المجموعات المسلحة. ويأتي ذلك بعد بيان أصدره بلمختار أخيراً تحدث فيه عن الدور الفرنسي في منطقة بنغازي شرقي ليبيا، داحضاً بذلك تقارير كانت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) قد أصدرتها في 14 يونيو/حزيران 2015، أعلنت فيها مقتل بلمختار في غارة جوية نفذتها مقاتلات أميركية على موقع في جنوبي أجدابيا الليبية.
ويعتقد مراقبون أنّ النتائج الميدانية التي حققها الجيش الجزائري في مواجهة المجموعات المسلحة، وتحييد هذا العدد من المسلحين واعتقال عدد هام منهم، يسهم في تضييق الخناق على المسلحين، ويعطي مؤشراً على تطور نوعي وعملي للجهد العسكري والأمني على طريق الحسم مع المجموعات المسلحة والقضاء على آفة الارهاب التي ظلت في الجزائر منذ العام 1992. إلا أنه وفقاً لهؤلاء المراقبين، فإن هذه النتائج تدفع أيضاً إلى التساؤل عما إذا كانت هناك علاقة بين هذا التطور الميداني وبين تفكيك وإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات وتقسيمه إلى ثلاثة أجهزة في عملية بدأت نهاية 2013 وامتدت إلى شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ومراجعة أدوات عمل الأجهزة وتحييد عدد هام من القيادات التي كانت تدير عملياتها، كقائدها الجنرال محمد مدين والجنرال حسان (عبد القادر آيت عرابي) والعقيد فوزي وغيرهم. مع العلم أنه تم توجيه اتهامات إلى قائد الوحدات الخاصة بمكافحة الإرهاب في الاستخبارات الجنرال حسان واعتقاله وإيداعه السجن منذ شهر آغسطس/آب 2015 وإدانته بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة مخالفة تعليمات عسكرية وإتلاف وثائق.

وينظر بعض المتابعين بعين الريبة إلى الجهد الاستخباراتي في الجزائر إزاء مكافحة الإرهاب في وقت سابق، ومدى توظيف ذلك في اتجاهات لا تتصل بالجهد الأمني فحسب، وبالتالي فإن التغيرات في هيكلة الجهاز أدت إلى تحرر العمل الاستخباراتي والتركيز على الساحة الأمنية بدلاً من الانجذاب إلى الساحة السياسية.
يقول المحلل السياسي المتابع للشؤون الأمنية، حسن خلاص، إنه "لا يمكن الحديث عن عهد استخباراتي قد ولّى، مسلك القرار وآليات التنفيذ هي التي تغيرت في الجهاز بعد تفكيكه". كما يتحدث عن وجود "تغير في مهمات الاستخبارات وأولوياتها"، لافتاً إلى أنه "يوجد تبدل يوحي أن هناك تركيزاً على الجانب العسكري والاستراتيجي والدفاعي في مهمات الاستخبارات". لكنه يشير إلى أن هذه الحصيلة تتعلق أيضاً بجهد إعلامي ودعائي. يضيف خلاص: "لا ننسى أنه منذ أكثر من عام هناك عمل إعلامي مهم لقيادة الجيش يخبرنا حتى بتوقيف مروجي المخدرات والسيارات رباعية الدفع... لإظهار مجهودات الجيش". ويرى في ما يجري "عملية تعبئة مقصودة وراء الجيش لوضع الرأي العام في حالة تأهب قصوى، والتبليغ عن هذه الحصيلة يدخل ضمن هذا التوجه".
من جهته، يعتقد الخبير في الشؤون الأمنية، أكرم خريف، أن هناك جملة من العوامل ساعدت الجيش على تحقيق منجز عسكري في الفترة الأخيرة، كانسحاب الكثير من العائلات والسكان من المناطق الجبلية، وبالتالي انقطاع مصادر التموين عن المجموعات المسلحة. ويذكّر خريف أنه "منذ سنة أطلق الجيش عمليات تمشيط واسعة في المناطق الجبلية، ما دفع المسلحين إلى الخروج من مناطق تمركزهم ومحاولة تغيير مناطق التحصن، وهذا سمح للجيش برصدهم وملاحقتهم، بدليل أن عائلات المسلحين التي تم توقيفها في منطقة جيجل شرقي الجزائر قبل أيام، قالت إنها كانت تضطر إلى تغيير مكان تواجدها أربع مرات".