في موازاة ذلك، كشف مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، أنّ قوى سياسية عدة توافقت مع رئيس الحكومة عادل عبد المهدي على تقديم ما وصفها بـ"أكباش فداء" للقضاء، ضمن ملفات فساد تحوم حولهم، كورقة جديدة لتهدئة المتظاهرين والمرجعية على حدّ سواء، التي بات ينظر إليها اليوم على أنها في صف الشارع، ولا تدعم أياً من القوى السياسية في البلاد. وبحسب المصادر، فإن النقاش حالياً يدور حول الأسماء.
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإنّ اليومين المقبلين سيشهدان استدعاء عدد من الشخصيات السياسية البارزة ضمن ملفات فساد، أبرزهم وزير التعليم الأسبق والقيادي بحزب "الدعوة" علي الأديب، ونائب رئيس الوزراء السابق لشؤون الطاقة حسين الشهرستاني، فضلاً عن وزراء ومحافظين سابقين، مؤكداً أنّ الخطوة تهدف لإثبات حسن نية من قبل الحكومة والأحزاب الرئيسة على أنهم يمضون في الإصلاحات.
وقال المسؤول إنّ "قرارات الاستدعاء تختلف عن إلقاء القبض، لكن ستكون هناك تحقيقات مع المسؤولين المتهمين بالفساد بالتأكيد، وهذا الأمر سيشمل مسؤولين أيضاً من كركوك وصلاح الدين والأنبار"، موضحاً أنّ "الخطوة قد تكون بمثابة اعتراف بفشل المحاولة السابقة المتمثلة بوثيقة الاتفاق السياسي التي وقعت الاثنين الماضي ولاقت رفضاً واسعاً من قبل الشارع".
وعلى مستوى اتساع رقعة الداعمين والمؤيدين للتظاهرات، أصدرت 21 نقابة عراقية مختلفة بياناً مشتركاً، أمس الخميس، دعت فيه إلى إجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي، وإيقاف الإجراءات التعسفية ضدّ المتظاهرين، ووضع خارطة طريق لحلّ الأزمة التي تشهدها البلاد. وذكر البيان المشترك للنقابات العراقية، وهو الأول من نوعه منذ اندلاع التظاهرات، أنها "تؤكد على أهمية استقالة الحكومة والإسراع بإقرار قانون جديد للانتخابات وتغيير مفوضية الانتخابات، وتشكيل محكمة مختصة ومستقلة بقضايا الفساد". وأضاف أنه "يجب إيقاف الإجراءات التعسفية تجاه المتظاهرين السلميين، والكشف عن الجناة الذين تسببوا بسفك دماء المتظاهرين والقوات الأمنية وحصر السلاح بيد الدولة". وحمل البيان تواقيع 21 نقابة، أبرزها نقابات الأطباء والعمال والمحامين والمعلمين والمهندسين واتحاد الأدباء والكتاب، واتحاد الصناعيين، ونقابة الأكاديميين العراقيين.
يأتي ذلك مع هجوم غير مسبوق شنه المتظاهرون في بغداد والجنوب ضدّ شيوخ عشائر وافقوا على تلبية دعوة من عبد المهدي لحضور اجتماع، مساء أول من أمس الأربعاء، في بغداد، ووصفوهم بأوصاف مختلفة، كـ"الخيانة" و"التآمر"، ومما عزز ذلك رفض شيوخ آخرين حضور الاجتماع.
في غضون ذلك، تواصلت التظاهرات الحاشدة في العاصمة بغداد ومدن جنوب ووسط البلاد. وقد سجّلت في بغداد وفاة متظاهرين اثنين متأثرين بإصاباتهما وجرح نحو 45 آخرين، وفقاً لمصادر طبية وحقوقية عراقية، وذلك فيما استمرّ أسلوب النفي من قبل الحكومة العراقية عبر المتحدث العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي، اللواء عبد الكريم خلف، الذي اعتبر في تصريحات له، أن الحديث عن القمع "جزء من مؤامرة تهدف لتشويه سمعة الحكومة وقوات الأمن العراقية".
كذلك، شهدت محافظة البصرة، وتحديداً بلدات سفوان وشط العرب والمديّنة، تظاهرات واسعة، أمس الخميس، وكذلك مدن كربلاء وذي قار وميسان التي تتصدر مدن الجنوب من حيث حدة التظاهرات وعدد المشاركين فيها. وشهدت النجف والكوت والسماوة والديوانية والعمارة تظاهرات مماثلة. وأعلنت مصادر طبية في البصرة وفاة متظاهر متأثراً بجروح أصيب بها قبل أيام في أم قصر، ليرتفع عدد ضحايا التظاهرات أمس الخميس، إلى ثلاثة، بينما سجّلت إصابة نحو 30 متظاهراً في الغراف والرفاعي بمحافظة ذي قار، وسفوان بالبصرة، نتيجة قنابل الغاز.
في السياق، قال الناشط البصري البارز صفاء لفتة، في حديث مع "العربي الجديد"، إنهم يريدون من تظاهرات اليوم، الجمعة، أن يبلغوا الحكومة والأحزاب الحاكمة "بفشل محاولاتهم ووثائق شرفهم وخارطة طرقهم"، مضيفاً "من المعيب أنهم ضحكوا علينا 16 عاماً باسم الطوائف والحقوق. وبينما هم يتنعمون، صار أولادنا يحلمون بهواء بارد في ظهيرة تموز أو حتى شارع نظيف". وأوضح أنّ التظاهرات "تريد التغيير، ولكن إلى الآن لم نلمس أي تغيير أو نشمه أو حتى أحسسنا أنهم يريدون ذلك، والاعتذار عن 16 سنة من أعمارنا ضاعت بسببهم".
بدوره، قال نصير الربيعي، من الكوت، مركز محافظة واسط، إنّ الدعوة لمليونية لا تعني أنهم يريدون مليون شخص في الشارع في وقت واحد، "لكنها دعوة لكل عراقي أن يعبّر عن موقفه من مستنقع الفشل الكبير الذي وُضعنا فيه"، موضحاً أنّ "الجميع لا يتوقع عصا موسى لتغيير سريع، لكن على الأقل يجب أن تكون هناك بداية تغيير حقيقية يلمسها الجياع أولاً، وهو ما يجب الحصول عليه". وعبّر الربيعي عن اعتقاده بأنّ قوى وأحزاباً سياسية "قد تلجأ لأوراق بديلة، مثل إثارة العنف والطائفية مجدداً لعودة التخندق وراءها بعدما لفظها عامة الشعب".
من جهته، توقّع الخبير في الشأن العراقي، هشام الهاشمي، أن تكون خطبة المرجع الديني علي السيستاني، اليوم الجمعة، "أشدّ وطأة من الخطبة السابقة". وقال الهاشمي في منشور له أمس عبر صفحته بموقع "فيسبوك"، إنّ "خطبة اليوم ربما تجلد الورقة التفاوضية التي تعرّضت للكثير من النقد شكلاً ومضموناً"، مضيفاً أنه "على الرغم من كل التشريعات والقرارات الكثيرة التي اتخذها البرلمان العراقي، إلا أنها لم تمس حاجات ومطالب المتظاهرين، بحيث تقنعهم بالعودة إلى بيوتهم".
وتابع الهاشمي أنّ "بعض أساتذة الحوزة المقربين من مرجعية السيد السيستاني حفّزوا الطلبة وحثّوهم على المشاركة بالتظاهرات، وأيضاً شكروا لمواكب العتبات جهودها الكبيرة في تقديم المواد الغذائية والخدمات اللوجستية في ساحات التظاهرات".
في الأثناء، كشف مجلس القضاء الأعلى عن عدد المطلق سراحهم من المتظاهرين إلى اليوم. وأوضح المتحدث باسم المجلس القاضي عبد الستار بيرقدار، في بيان مقتضب، صدر أمس الخميس، إنّ "عدد المطلق سراحهم في قضايا التظاهرات بكفالة أو بالإفراج، بلغ 2400 حتى اليوم (أمس)"، من دون أن يكشف مزيداً من التفاصيل.