محور هذه المحاكمة هو اتهام مجلس النواب ذي الأغلبية الديمقراطية لترامب بأنه طلب من السلطات الأوكرانية الإعلان عن تحقيق في قضية تخص منافسه الديمقراطي المحتمل ونائب الرئيس الأسبق جو بايدن، بالتزامن مع تجميد البيت الأبيض 400 مليون دولار من المساعدات لكييف. حجة الديمقراطيين ترتكز على أن ترامب "استخدم صلاحياته الرسمية للضغط على حكومة أجنبية للتدخّل في انتخابات الولايات المتحدة من أجل مكاسب سياسية شخصية"، كما جاء في نص الادعاء لمجلس النواب أن ترامب بعدها "حاول التستر على مخططه عبر عرقلة تحقيق الكونغرس حول سوء سلوكه". ويعتقد فريق محامي ترامب أن ما يحصل "محاولة وقحة وغير قانونية للانقلاب على نتائج انتخابات عام 2016 والتدخّل في انتخابات عام 2020"، وأن مواد إجراءات العزل "تعدٍ خطير على حق الشعب الأميركي باختيار رئيسه بحرية"، أي أن حجة البيت الأبيض الرئيسية تتمحور حول اعتبار إجراءات العزل مسيّسة ولا تستند إلى نيّة جرمية أو أسس دستورية.
اللاعب الرئيسي خلف الكواليس في هذه المحاكمة هو زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش مكونيل، الذي يسعى لتمرير هذه المحاكمة بأقل ضرر ممكن ويفضل ألا يكسب معركة العزل على حساب دوره القيادي في مجلس الشيوخ. تمكّن مكونيل من إقناع ترامب باعتماد استراتيجية دفاعية تمرر المحاكمة بسرعة بدل الاستراتيجية الهجومية التي أرادها ترامب عبر تسمية نواب جمهوريين ضمن الفريق القانوني لمواجهة فريق الادعاء الديمقراطي، وبالتالي استغلال مشاهدة الأميركيين لإجراءات العزل لصالح معركته الانتخابية. فريق ترامب في المحاكمة يقوده مستشار البيت الأبيض القانوني بات سيبولون ومحامي ترامب الشخصي جاي سيكولو بالإضافة إلى المحقق الخاص السابق كينيث ستار الذي حقق في قضية علاقة الرئيس الأسبق بيل كلينتون مع مونيكا لوينسكي والتي أدت حينها إلى محاكمة عزل كلينتون، وأستاذ القانون في جامعة هارفرد ألان ديرشوفيتز الذي سيركز على الشق الدستوري وهو من مؤيدي صلاحيات رئاسية واسعة من دون تقييدها في الكونغرس. وتتمحور استراتيجية دفاع ترامب حول تفادي الحديث عن شهود أو الدخول في تفاصيل "أوكرانيا غيت" في مقابل التركيز على البعد الدستوري، لعدم امتلاك الكونغرس صلاحية عزل الرئيس في هذه الحالة.
وعلى الرغم من قسم اليمين للأعضاء الـ100 في مجلس الشيوخ بالتزام "عدالة غير متحيّزة"، إلا أن الانقسام الحزبي يعني أن التحيّز قائم والقرارات اتخذت قبل المحاكمة، لكن هامش المفاجأة المتاح يبقى إذا ما قرر عدد قليل من الجمهوريين التصويت مع الديمقراطيين لفرض استدعاء شهود جدد إلى المحاكمة، لا سيما مستشار الأمن القومي الأسبق جون بولتون. حسابياً، هناك أكثرية جمهورية (53 صوتاً) في مجلس الشيوخ، مقابل أقلية ديمقراطية (47 صوتاً). إجراءات العزل تحتاج إلى 67 صوتاً لإدانة الرئيس، ولدى مكونيل أكثرية 51 صوتاً جمهورياً لحسم قواعد المحاكمة، فيما يحتاج الديمقراطيون إلى أربعة أصوات جمهورية لفرض استدعاء الشهود وتقديم وثائق رسمية إلى الكونغرس. سيحاول الديمقراطيون بعد انطلاق المحاكمة فرض التصويت على استدعاء الشهود فيما سيتمسك مكونيل بإجراء محاكمة سريعة. لكن هناك جمهوريين في مجلس الشيوخ يفكرون بطرح تسوية بحيث مقابل كل شاهد يستدعيه الديمقراطيون يكون شاهد يستدعيه الجمهوريون، وبهذا يحصل الجمهوريون على استدعاء نجل بايدن، هانتر، للحديث عن مشاريعه السابقة في أوكرانيا. ليس واضحا بعد ما إذا كان مكونيل سيقبل هذا المخرج، لا سيما أن البيت الأبيض قد يكون الخاسر الأكبر في هذه المعادلة.
يحاول الجمهوريون الانتهاء من هذه المحاكمة في غضون أسبوعين، أي الانتهاء من الادعاء والدفاع والاستجواب والمداولات والتصويت بسرعة قياسية، لا سيما أن مكونيل يرغب بحل هذا الموضوع قبل إدلاء ترامب بخطاب "حال الاتحاد" في الكونغرس في 4 فبراير/ شباط المقبل. لكن التحديات لا تزال قائمة مقارنة مع تجارب سابقة في هذا الخصوص. خلال محاكمة عزل بيل كلينتون، توصل الديمقراطيون والجمهوريون إلى إجماع حول قواعد المحاكمة، لكن الأمر لم يحصل مع محاكمة عزل ترامب، إذ فشلت ضغوط رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي على مكونيل ليقبل باستدعاء شهود ويطلب من البيت الأبيض تسليم وثائق رسمية متعلقة بالتحقيق، وكان جواب مكونيل بأن لديه ما يكفي من الأصوات الجمهورية لتمرير قواعد المحاكمة بلا موافقة ديمقراطية.
محاكمة عزل كلينتون دامت 30 يوماً، وليس واضحاً بعد ما إذا كان الجمهوريون سيتمكنون من الانتهاء من المحاكمة قبل موعد خطاب الرئيس في الكونغرس. لكن على عكس ما يسعى إليه مكونيل، قد تكون الدراما عنوان هذه المحاكمة في ظل تساؤلات لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات. هل سيبقى ترامب منضبطاً في تغريداته خلال المحاكمة، لا سيما إذا خرجت الأمور عن السيطرة ونجحت الضغوط الديمقراطية في استدعاء الشهود؟ وهل سيعلن الديمقراطيون عن أدلة جديدة تقلب المعادلة وتفرض على الجميع استدعاء الشهود أو قد يقرر الديمقراطيون استئناف تحقيق مجلس النواب بعد توفر أدلة جديدة، وبالتالي نصبح أمام محاكمتين؟ ومع انطلاق المحاكمة، هل سنرى تسريبات جديدة في ظل تقارير إعلامية كشفت أن قيادات استخباراتية أميركية لا تعطي وثائق لمجلس النواب متعلقة بـ"أوكرانيا غيت" وتفضل عدم الإدلاء بشهاداتها علناً خشية من غضب ترامب عليها؟