البصرة... مليشيات وعشائر تهدّد استقرار العاصمة الاقتصادية للعراق

13 يناير 2016
يخشى الناس الخروج في البصرة (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
يتربّص الخوف بسكان مدينة البصرة العراقية، 550 كيلومتراً جنوب بغداد، بعد تعدّد المشاكل الأمنية، والمعارك القبلية، لتنزلق المدينة الهادئة نسبياً، شيئاً فشيئاً إلى دائرة العنف، وفقاً لسكانها. تتعدّد أسباب العنف الأخير في البصرة، ويُلخّصها سكان المدينة، بأنها تعود إلى سيطرة المليشيات المسلّحة على مقاليد الأمور في المنطقة. ويعزون السبب إلى الأحزاب، التي تعتمد على قوة المليشيات، بغية إثبات وجودها. وضع ربما كان هو السبب الأساسي لدفع رئيس الوزراء حيدر العبادي وعدد من الوزراء، أمس الثلاثاء، إلى التوجه للمدينة لعقد جلسة مجلستهم الحكومية هناك كرسالة حول نيتهم فرض سلطة الحكومة في العاصمة الاقتصادية للعراق، وثاني أهم وأكبر مدنه، وصاحبة ميناءي الزبير والبصرة والمحاذية للحدود الكويتية.

ورافق العبادي كل من وزير الدفاع خالد العبيدي ووزير التعليم العالي حسين الشهرستاني لعقد سلسلة اجتماعات مع الحكومة المحلية ومحافظ البصرة ماجد النصراوي ورئيس المجلس صباح البزوني وقادة الاجهزة الامنية في المحافظة. 

وتُعدّ البصرة في غاية الأهمية عراقياً، لأنها غنية بالنفط، وملقّبة بـ"ثغر العراق"، كونها صاحبة الإطلالة الوحيدة بين مدن العراق على البحر، بوقوعها شمال الخليج العربي. ويلتقي في المدينة نهرا دجلة والفرات، قبل أن يصبّا في الخليج، مكوّنين بلقائهما شط العرب.

أهمية المدينة، وفقاً للقانوني فاضل حميد، التي شهدت كثيراً من حالات الاعتداء في محاكم ومراكز شرطة البصرة، "كانت وراء تمسك أحزاب السلطة بالسيطرة على المدينة، وإن كان ذلك عبر فرض القوة، بنشر المليشيات التابعة لتلك الأحزاب فيها، ومحاولة فرض وجودها بشتى السبل". ويضيف حميد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الكثير من أبناء المدينة انضمّ للمليشيات، سواء بهدف الانتماء العقائدي، أو بحثاً عن القوة والنفوذ، أو لأجل الظفر بفرصة عمل". ويشير إلى أن "هذا الأمر شكّل أحد أسباب انتشار مختلف الأسلحة لدى الأهالي، الذين صاروا يستخدمونها في نزاعات عشائرية، وتنفيذ عمليات قتل وسطو وغيرها".

اقرأ أيضاً: العشوائيات في العراق قنبلة موقوتة بانتظار الانفجار

وأدى ذلك إلى اندلاع معارك طاحنة، في الآونة الأخيرة، تُستخدم فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، من هاون وقذائف مختلفة، تؤدي إلى قطع الطرق الداخلية، والطرق الرابطة بين المدينة والمحافظات الأخرى، في وقت لا تتمكن فيه الأجهزة الأمنية من التدخّل، لشراسة تلك المعارك، وهو ما يؤكده النقيب محمد الزبيدي، من شرطة البصرة.

يكشف الزبيدي لـ"العربي الجديد"، أنه "من الصعب دخول القوات الأمنية لفضّ النزاع، فالعشائر أصبحت صاحبة قوة ونفوذ، ولا تنصاع إلى أوامر الأجهزة الأمنية، لذلك ننتظر أن تتوقف المعارك التي تقع بين عشيرتين لنتدخل". ويبيّن أن "تدخلهم يتعثر دائماً بوجود نفوذ مليشياوي داخل العشائر". ويشير إلى أن "نفوذ العشائر يعتمد على ارتباطها بالمليشيات، والمليشيات اليوم تملك الكلمة الفصل، وهي أقوى نفوذاً من الجهات الأمنية وهذا معلوم للجميع".

ويؤكد الزبيدي أن "نفوذ المليشيات لا يقف عند التدخل لصالح منع القبض على تلك العشائر، التي تتسبب بمعاركها، إضافة إلى الإضرار بالأمن، الإضرار بالواقع الاقتصادي والخدمي والاجتماعي للمدينة، بل يصل الأمر إلى حدّ تنفيذ عمليات قتل وسطو واختطاف، بينما تقف السلطات الأمنية أمام هذا الواقع موقف المتفرج".

من جهته، يقول أحمد البصري لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الأحداث تجبر أهالي البصرة في كثير من الأحيان على ترك جلسات السمر الليلية، التي اعتادوا على إحيائها يومياً في المقاهي والأماكن العامة، خصوصاً عند كورنيش شط العرب". فيما ذكر ياسين راهي، أنه "بات يخاف على عائلته من الخروج دون رفقته"، لافتاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "البصرة فقدت بريقها، ولم تعد تتمتع بالأمان الذي عرفناه. هناك حالات خطف تحدث باستمرار، بداعي المساومة لدفع فدية، وحالات قتل بدوافع مختلفة".

اقرأ أيضاً: العراق: فوضى أمنية في البصرة ومطالب بإعلان حالة الطوارئ

المخيف في الأمر بحسب مختصين، أنه "يتركّز في البصرة الجزء الأعظم من الاحتياطي النفطي العراقي، ويوجد فيها 15 حقلاً، منها عشرة حقول منتجة وخمسة ما زالت تنتظر التطوير والإنتاج". ويضيف المختصون، "الحقول تحتوي على احتياطي نفطي يُقدّر بأكثر من 65 مليار برميل، أي بما نسبته 59 في المائة تقريباً من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي. كما يُشكّل الاحتياطي النفطي لمحافظات البصرة وميسان وذي قار مجتمعة، حوالي 80 مليار برميل، أي بما نسبته 71 في المائة من مجموع الاحتياطي العراقي. وتلك المحافظات من أكثر المحافظات التي تنتشر فيها المليشيات، وتنتمي إليها نسبة كبيرة من السكان".

وتأتي المخاوف بسبب وقوع تلك الآبار النفطية قرب مناطق تعود لعشائر، كثيراً ما تتنازع فيما بينها لخلافات قبلية، وهو ما يؤكده مختصون بالشأن النفطي يعملون في شركة نفط الجنوب، بالبصرة. وتؤثر تلك النزاعات على المصافي وآبار النفط والشركات العاملة في القطاع النفطي، بحسب حسين السعدي، المهندس في قطاع النفط في البصرة.

ويُضيف السعدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "كل مليشيا من المليشيات تحاول فرض نفوذها وسيطرتها، وهو ما تتخذه مستندة إلى القوة العشائرية التي تواليها". ويلفت إلى أن "القوة العشائرية والمليشياوية باتت تعتمد كل واحدة منها على الأخرى، ومدى تآلف أعداد العشائر مع تلك المليشيات".

ويُتابع: "إن شدة النزاع والمعارك تتسبب بقطع الطرق الرئيسة الرابطة بين البصرة وباقي المحافظات، كما تقطع الطرق الداخلية، فضلاً عن ذلك تستغل المليشيات ذلك الموقف، لتقوم بأعمال سلْب وسرقة". ويُشدّد على أن "حركة المرور تتوقف بسبب ذلك، وهو ما يشلّ حركة سيارات الشركات النفطية، ما يؤدي إلى تكبّد العراق خسائر مالية". وتُعتبر عشيرة بني مالك، أكثر العشائر شراسة وتحاول فرض نفوذها بالقوة، وينتمي إليها رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي.

وتليها عشائر الصيامر، والحمادنة، والبطوط، والبوبخيت، والفريجات، التي استخدمت في معاركها ضد بعضها بعضاً أسلحة وأعتدة مختلفة. فيما تُعدّ المعارك التي تدخل فيها بني مالك طرفاً فيها، الأشرس والأعنف. وذلك لأنها ممولة بشكل واسع وكبير من الحكومة، من خلال انتماء أفرادها لـ"عصائب أهل الحق" و"كتائب الإمام علي". كما أن غالبيتهم ضباط وجنود في القوات الأمنية، وجميعهم يملكون أسلحة.

ويكشف الصحافي حسن الفتلاوي، لـ"العربي الجديد"، أن "بني مالك هي القبيلة الأكثر عتاداً وسلاحاً، وقد اعتمد عليهم كثيراً نوري المالكي في جعلهم سنداً له، كونهم أبناء قبيلته". ويلفت إلى أن "بني مالك، يتقاتلون فيما بينهم، أيضاً، في معارك عنيفة لخلافات عائلية وخاصة".

اقرأ أيضاً: 2016 العراقي يرث كوارث سلفه... التشاؤم بالأسوأ سيد الموقف

المساهمون