كُثر من الطامحين الديمقراطيين سبقوه في الترشح، خلال الشهرين الماضيين. لكن معظمهم هواة. دخلوا الميدان على سبيل التجريب والتمرين للمستقبل. من بينهم قلة بين اثنين وأربعة في أحسن الأحوال، من ذوي الحضور والمواصفات الرئاسية التي قد توفّر لهم أدوات الصمود في المنافسة إلى العام المقبل، في مثل هذه الأوقات. أما الباقون فمحكومة محاولتهم بالانسحاب المبكر من انتخابات التصفية الحزبية.
من هنا، جاء دخول بايدن ليشكّل إضافة قادرة على تغيير المعادلة في صف المرشحين الديمقراطيين، وربما في نتائج المواجهة النهائية مع المرشح الجمهوري المفترض حتى الآن، والذي قد يكون الرئيس دونالد ترامب.
يمتلك بايدن من الخبرة والتمرّس ما لا يتوفر عند الآخرين من منافسيه. قضى في مجلس الشيوخ 36 سنة، بين 1972 و2008. ترأس خلالها عدة لجان مهمة مثل الخارجية والعدل. ترشح للرئاسة مرتين في 1988 و2007، لكنه لم يقوَ على الإقلاع، وانسحب باكراً من المعركتين.
في 2008، اختاره الرئيس باراك أوباما لمنصب نائب الرئيس. حوّل خلال 8 سنوات هذا الدور التشريفي عادة، إلى شراكة في صنع القرار من دون خلافات كبيرة مع الرئيس، وخاصة في مجال القرار الخارجي، ولو أنّه لم يتمكّن من إحداث تأثير فارق، لا سيما خاصة في ما يتعلّق بالشرق الأوسط الذي تعامل أوباما مع قضاياه بكثير من التحفظ والخشية والتردد.
وبحكم وجوده الفاعل في هذا الموقع، وقبله في رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، راكم بايدن خبرة واسعة في الشؤون الخارجية لا ينكرها حتى خصومه، ولا يجاريه فيها أحد من أنداده الديمقراطيين.
وفضلاً عن ذلك، يتميّز بايدن بين باقي المرشحين الديمقراطيين، بكونه محسوباً على الموقع الوسط في حزبه، وبالتالي على الجناح الديمقراطي من المؤسسة السياسية الأميركية التقليدية. مع أنّ هذه الميزة قد تتسبّب له بمتاعب مع الكتلة "التقدّمية اليسارية" في الحزب.
مستنداً إلى هذا الرصيد، يتقدّم بايدن، حتى الآن، على باقي المرشحين من حزبه، وفق الاستطلاعات الأخيرة التي ربما تكون أرقامها قد شجعته على حسم قراره في خوض المعركة، بعد طول تردّد.
Twitter Post
|
غير أنّ خبراته وتمايزاته هذه لا تضمن له طريقاً سالكة، ولا تغطي المآخذ ونقاط الضعف في مسيرته، والتي لا بد وأن يجري نبشها خلال الحملة. فهو مرشح رئاسي فاشل لمرتين. انتحل مقطعاً من خطاب سياسي بريطاني، ونسبه إلى نفسه خلال حملته الانتخابية لعام 1988، ليضطر بعد افتضاح أمره إلى الانسحاب من المعركة.
كذلك أُخذت عليه، أثناء تولّيه رئاسة اللجنة العدلية في مجلس الشيوخ، إدارة جلسة غير مهنية ولا منصفة، بحق أستاذة جامعية اتهمت القاضي الذي كانت اللجنة تنظر في أمر تعيينه آنذاك في المحكمة العليا، بالاعتداء الجنسي عليها. لطخة ما زالت تلاحقه حتى اليوم.
وفي الآونة الأخيرة، أخذ عدد من النساء على بايدن "ملامستهن بشكل غير لائق". سلبيات يمكن تجاوزها لأنّها ليست غير مألوفة في الحياة السياسية والاجتماعية الأميركية، ثم إنّها خالية من العنصر الجرمي، لكنّها قد تتحول إلى عبء لو تعذّر عليه تحويلها إلى باهتة، من خلال الاحتفاظ بموقع متقدّم قوي يقوده إلى الفوز بترشيح الحزب له.
العقبة الصعبة التي قد تعترضه، تتمثل في حركة "اليسار" المتنامية في قواعد حزبه الديمقراطي، لا سيما العناصر الشابة التي كانت إلى حد بعيد وراء فوز مجلس النواب بأكثرية ديمقراطية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
بايدن بالنسبة إلى هذه الشريحة "من بقايا الماضي" الذي خسر معركة 2016، والذي لا يلبّي توجهاتها الجذرية، في قضايا تلعب دوراً رئيسياً في الانتخابات، مثل الرعاية الصحية والإصلاح الضريبي ومجانية التعليم ووقف التدخلات في الخارج.
يبقى المرشح المفضل لهذه الشريحة السناتور بيرني ساندرز الذي يحتلّ المرتبة الثانية، وبفارق بسيط، بعد بايدن في الاستطلاعات. وهو منافس صلب وقوي لنائب الرئيس. تأتي بعده السناتورة كامالا هاريس والسناتورة إليزابيث وارن، بينما صعد أخيراً نجم بيت بوتيجيج رئيس بلدية ولاية إنديانا، ولو أنّه مشكوك في قدرته على مواصلة الصعود.
غير أنّ الزحف إلى البيت الأبيض لا يزال في بداياته. تفصله عن يوم الحسم سنة ونصف. المؤكد أنّ معركته غريبة، ويُقدّر أن تكون الأشرس والأعلى كلفة.
المرشحون الثلاثة الأقوى من الحزبين، والمتوقع أن ترسو عليهم المنافسة الحزبية ثم النهائية، هم في السبعينيات من العمر. أصغرهم سناً ترامب (74 عاماً) ثم بايدن (76 عاماً) وساندرز (77 عاماً). تشكيلة عُمرية غير مسبوقة في تاريخ حملات الرئاسة.
كذلك عدد المرشحين الديمقراطيين غير مسبوق، وقد وصل مع بايدن إلى العشرين. رقم قياسي يفسره اعتقاد شائع في صفوفهم، بأنّ رئاسة ترامب معطوبة يتعذّر عليها التجديد، وبالتالي ثمة فرصة متوفرة للدخول في السباق.
اعتقاد من المبكر الركون إليه والبناء عليه. فرغم كل الهزات، لا تزال قاعدة الرئيس الصلبة على حالها، في حدود 35%. ما يحتاجه بالإضافة إليها، مرهون بظروف أميركا في 2020، كما بوضع الرئيس الذي يخوض معركة كاسرة مع مجلس النواب، ومفتوحة على معركة فاصلة مع القانون والدستور. وقد لا تبقى ساحة الترشيح حكراً عليه، كما جرى التقليد في معارك التجديد الرئاسي.
الاستياء والتذمّر في صفوف الجمهوريين، بدآ يتبلوران من خلال تقدّم مرشحين لمنافسة ترامب على الترشح باسم الحزب الجمهوري. حاكم ولاية ماساشوستس أعلن عن ترشحه، وطالب ترامب بالاستقالة على خلفية ما جاء في تقرير المحقق روبرت مولر.
وقد يلحق به حاكم ولاية ماريلاند والحاكم السابق لولاية أوهايو. ويعكس ذلك تخوفاً لدى دوائر في الحزب الجمهوري من احتمال خسارة الرئاسة، في حال بقي ترامب مرشحه، لا سيما بعد نزول بايدن إلى الساحة، تحت شعار "رئيس الإنقاذ" ضد الرئيس الشعبوي الذي قد يدخل المعركة بعد إدانته في مجلس النواب بتهمة "إعاقة سير العدالة". وهو احتمال بدأت ترجّح كفته في ضوء المواجهة القانونية – السياسية التي فتحها البيت الأبيض مع المجلس.